العدد 3289 - الخميس 08 سبتمبر 2011م الموافق 09 شوال 1432هـ

المفصولون... قضية تتطلب الحل قبل فوات الأوان!

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

يوماً بعد آخر، تزداد وتيرة الفصل من العمل ويزداد عدد الموقوفين، وكأننا في سباق محموم بين إدارات الشركات والوزارات في من يحصد العدد الأكبر من المفصولين. وقد سخرت المنتديات والأقلام بالصحف والخطب في المساجد للتحريض على عمليات الفصل وعدم إرجاع المفصولين إلى أعمالهم، وكأننا نعيش حرب تصفية لا هوادة فيها، تصاحبها شعارات الانتقام لفترة طويلة.

تستحضرني التجربة السنغافورية وأنا أنظر إلى تسابق الوزارات والشركات الكبرى المحموم من أجل إخلاء مواقع العمل من العمالة البحرينية واستبدالها بعمالة أجنبية، بعيداً عن الأطر القانونية أو الأبعاد الإنسانية.

لننظر إلى الحالة السنغافورية التي تماثل البحرين مساحةً وتكبرها في عدد السكان، حيث يقطن أكثر من خمسة ملايين على مساحة لا تتجاوز سبع مئة كيلومتر مربع، لكن بسبب السياسات المتبعة؛ استطاعت أن تجد موقعاً متقدماً بين دول العالم، إذ تعتبر رابع أهم مركز مالي في العالم، وتلعب دوراً مهمّاً في الاقتصاد العالمي. ويعد مرفأ سنغافورة خامس مرفأ من ناحية النشاط، وتمتلك تاسع أعلى احتياطي في العالم. وكان للديمقراطية وإطلاق الحريات أثر كبير في تنامي الاقتصاد السنغافوري وهبوط مؤشر الفساد.

نحن نمتلك العنصر البشري المؤهل والموارد والموقع المساعد لتبوّء مكانة كبيرة كما هي سنغافورة، لكن للأسف الشديد لم يكن هناك تركيزٌ على التنمية بقدر ما هو على الأمن. لذلك ومن أجل إعادة الأمور إلى نصابها القانوني والحفاظ على النسيج المجتمعي؛ تجب المبادرة السريعة لحلحلة ملف المفصولين والموقوفين، لأن عمليات الفصل هي نتاج «الدولة الأمنية». فإلى جانب ما تسببه حالات الفصل والتوقيف من توقف عجلة التنمية، وتعثر الاقتصاد بسبب غياب الكوادر المؤهلة والمدربة، وتقلص الحركة الشرائية، وازدياد حالات الفقر في المجتمع؛ فإن العمل هو حق من حقوق المواطن لا يجوز انتزاعه ولا فرض شروط مجحفة على الموظف حين عودته.

وحين نتحدّث عن هذا الحق؛ فإننا نعني القوانين والمواثيق والعهود المحلية والدولية التي تلتزم بها البحرين، وهي ملزمة بها قانونيّاً وأدبيّاً، وبالتالي فإن انتزاع هذا الحق من المواطن يعتبر خرقاً واضحاً، وخصوصاً أن غالبية المفصولين ينتمون إلى الوزارات والهيئات الحكومية والشركات الكبرى التي تمتلك الحكومة فيها السهم الأكبر. والدستور الذي يعد الوثيقة الكبرى التي تؤطّر العلاقة بين الحاكم والمحكوم ينص في المادة (13) على أن: ا- العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقاً للنظام العام والآداب.

ب- تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه.

إذن؛ فالعمل واجب وهو حق أساسي وعلى الدولة كفالة توفير فرص العمل للمواطن، بل يجب عليها أن تكفل عدالة شروطه بما يفضي إلى العيش الكريم، فهو جزء من الكرامة الإنسانية. وحين يسلب هذا الحق؛ فإن السلطة تعتبر منتهكة لأبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن. كما تنص المادة (16) البند (ب) على أن المواطنين سواء في تولي الوظائف العامة وفقاً للشروط التي يقررها القانون.

وبالنظر إلى بنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه البحرين؛ فإنه ينص في ديباجته على أن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحراراً، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتعطي المادة الأولى من العهد في البند الثاني الحق للشعوب في التصرف بثرواتها: «لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة».

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صدقت عليه مملكة البحرين أيضاً؛ فيقول في المادة السادسة: «تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق».

وتوفير الغذاء والكساء والمسكن هو ما تقرّه الدول بحسب بنود العهد في المادة (11) البند الأول: «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية».

وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر، حيث ينص البند الثاني من المادة نفسها: «واعترافاً بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف في هذا العهد، بمجهودها الفردي وعن طريق التعاون الدولي، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة».

أما الاتفاقية (رقم 111) الخاصة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة المادة (1) البند الأول: في مصطلح الاتفاقية، تشمل كلمة «تمييز»:(أ) أي تمييز أو استثناء أو تفضيل يتم على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو المنشأ الاجتماعي، ويسفر عن إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو في المعاملة على صعيد الاستخدام أو المهنة.

وقد حدّد قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 23 للعام 1976 الأطر القانونية لعملية الفصل، وهي: أن يكون الغياب لمدة 10 أيام عمل متواصلة بالنسبة إلى العاملين في القطاع الخاص بحسب المادة (113) على أن يسبق الفصل إنذار كتابي، أما في الخدمة المدنية؛ فإن القانون رقم 35 للعام 2006 وتعديلاته حدد الغياب المتواصل بـ 15 يوم عمل. كما أن قانون العمل في القطاع الأهلي يمنع مساءلة العامل عن أي أمر خارج نطاق العمل بحسب المادة (102) من القانون «ألا يقع الجزاء على العامل لأمر ارتكبه خارج العمل، إلا إذا كان له علاقة بالعمل» .

ولإلقاء الضوء بصورة أوضح على المادة (102) التي حددت تطبيق الجزاءات على العامل فإنها تنص على ما يأتي:

يراعى في إعداد الجزاءات وتطبيقها القواعد الآتية:

1 - أن تحدد اللوائح المخالفات التي تقع من العامل ودرجتها.

2 - أن تتضمن قائمة تصاعدية للجزاءات.

3 - ألا يوقع أكثر من جزاء واحد للمخالفة الواحدة.

4 - ألا يقع الجزاء على العامل لأمر ارتكبه خارج العمل، إلا إذا كان له علاقة بالعمل.

5 - ألا تزيد الغرامة على المخالفة الواحدة عن أجر خمسة أيام ولا تزيد مدة الإيقاف عن خمسة أيام في الشهر.

7 - عدم مساءلة العمال عن مخالفة مضى على علم صاحب العمل على ارتكابها أكثر من ثلاثين يوماً.

8 - عدم معاقبة العامل عن مخالفة ارتكبها ومضى على تاريخ ثبوتها خمسة عشر يوماً.

وبغض النظر عن الحق الأصيل للمواطن في العمل الذي لا يجوز سلبه؛ فإن حالات الفصل جميعها لم تجر بحسب الأطر القانونية. فالبعض فُصل لمجرد مشاركته في مسيرات الدوار، والبعض الآخر لم يغب عن العمل ليومٍ واحد. والمفارقة أن بعض المفصولين كانوا يبقون في أعمالهم لمددٍ تزيد على أربعة وعشرين ساعة، فكوفئوا بالفصل بدلاً من تكريمهم. وقد تم تهديد البعض بتقديم استقالة طوعية أو تقديمه إلى النيابة كما حدث لعمال شركة «أسري». أما شركة «بناغاز» فقد ربطت إقالة الموظفين بسلوكهم أثناء الأزمة التي مرت بها البلاد، وربطت «بابكو» سبب الإقالة بالمشاركة في الإضراب، و»بتلكو» بمخالفة اللوائح الداخلية للشركة، بينما لم تسبب «ألبا» أسباب الفصل سوى رسالة بإنهاء الخدمات فوراً. وكانت لجان التحقيق في جميع الوزارات والهيئات الحكومية تركّز على مشاركة الموظف في المسيرات.

ومن المفارقات أن شركة البحرين لتزويد وقود الطائرات قامت بوقف موظف عن العمل، ومن ثم تفاجأ بإنذار نهائي والفصل الفوري بسبب الغياب، وقامت شركة «جارمكو» بالفصل بحجة الامتناع عن أداء العمل المنوط والإخلال بالواجبات الوظيفية، وكلها بنود عامة ليس لها مسوّغ قانوني للفصل.

وبالنسبة إلى عمليات التغيب عن العمل؛ فإن غالبية العمال يتراوح غيابهم بين يوم وستة أيام، مع العلم بأن الكثيرين ممن لم يستطيعوا اللحاق بأعمالهم كان نتيجة إرجاعهم من نقاط التفتيش، ناهيك عن أن معظم العاملين لم يستطيعوا الخروج من منازلهم منذ تاريخ 16 مارس/ آذار بسبب الحصار لمناطقهم أو مناطق عملهم، أو بسبب نقاط التفتيش غير الرسمية التي يحصلون فيها على نصيبهم من الضرب والإهانات، ومن ثم إما يرجعون إلى منازلهم أو يتم الزج بهم في السجون. ويدل على ذلك أن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين حين حصل على تطمينات بضمان سلامة العمال أثناء الذهاب إلى أعمالهم وإيابهم منها؛ فإنه أمر جميع العاملين بالعودة إلى أعمالهم فوراً من تاريخ 23 مارس، مع العلم أن الانتهاكات استمرت في الطرق المؤدية إلى العمل لفترة طويلة.

إننا بحاجة إلى قرار سريع وجريء لإعادة جميع المفصولين والموقوفين إلى أعمالهم، فالمفصولون بمثابة قنبلة موقوتة نخشى أن تنفجر ولا يمكن السيطرة على أوارها

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 3289 - الخميس 08 سبتمبر 2011م الموافق 09 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 9:28 ص

      المصلي

      قرار الفصل قرار سياسي بحت وعلى القائمين على قطع ارزاق عباد الله بدون اي مسوغ قانوني مراجعة حساباتهم الخاطئه والتي ستكون نتائجها وخيمه على الوطن والمواطنين من الناحية الأجتماعية والأقتصادية وبالتالي ستنعكس هذه السياسة الخاطئة على الوضع الأمني حيث أن العقلاء في هذا الوطن وعلى رأسهم جلالة الملك يدركون أن هذه السياسة ستئوذي حتما بنفجار الوضع ولذلك بادر بطلعته الرمضانيه المعتادة في كل عام واصدر اوامره السامية بأرجاع جميع المفصولين والموقوفين في القطاع العام والقطاع الخاص وفي اقرب فرصة ولكن الألتفاف

    • زائر 13 | 7:31 ص

      اوافقك الرأي

      أوافق الكاتب في قوله:
      إننا بحاجة إلى قرار سريع وجريء لإعادة جميع المفصولين والموقوفين إلى أعمالهم، فالمفصولون بمثابة قنبلة موقوتة نخشى أن تنفجر ولا يمكن السيطرة على أوارها.

    • زائر 12 | 6:42 ص

      مفصول من بورصة البحرين

      فصلت من بورصة البحرين بحجة الاساءة الى رموز مملكة البحرين في العمل ، و لم يتم التحقيق معي حتى بسؤال واحد

    • زائر 11 | 5:04 ص

      بتلكو بتلكو

      الكاتب العزيز كلامك صحيح لو كنا نعيش في دوله تحترم القانون التى وضعته واحترمته ولكننا موظفين بتلكو تم فصلنا عن طريق مسج اس ام اس لا تحقيق ولا اسباب ولا مبرارت . محتى اليوم لا نعرف سبب الفصل ولام تدفع لنا حقوقنا .ومع ذلك تدفع لخدمه المجتمع كمطعمة الزهاد من كد فرجها.

    • زائر 10 | 4:08 ص

      طبقت عليي كل العقوبات من غير وجه حق

      تم ايقاف الراتب منذ مارس ومن ثم وقفت عن العمل قبل التحقيق معي ومن ثم تم فصلي والسبب هو غيابي عن العمل لظروف صحية كنت اعاني منها. حسبي الله على من قطع رزقي

    • زائر 9 | 4:07 ص

      أو .... أو ..... أو

      بهذه الطريقة سردت التهم فيتضح عدم وجود أي دليل يعني اختيار متعدد لا إثبات كما أكدو علي مرارا بعدم وجود تهم علي.... وأتفاجأ بقرار الفصل

    • زائر 7 | 3:18 ص

      أنا!

      أنا فصلت من وزارة الصحة والسبب هو التغيب عن العمل وهو نفس الفترة التي كنت فيها موقوف في الحبس الاحتياطي لدى السلطات الامنية!!!والان السلطات الامنية ترفض أعطائي أفادة توقيف لديها!!!وقد فصلت من عملي من غير تحقيق ولا مجالس تأديبية!!!

    • زائر 5 | 2:19 ص

      القطاعان

      سيدي الفصل في القطاعين سواء ليس بحجج واهية وإنما بحقد وكراهية وطمع في ما يمتلكه هؤلاء من مواقع عمل مختلفة وغيرها الكثير ولا |أعتقد بأن من سيحل محلهم سيؤدي دورهم فأين المعتبر والواعي لا الحاقد الباغض الطامع

    • زائر 4 | 1:58 ص

      لابد من تصحيح وانصاف

      الاجراءات لم تكن قانونية، ونرجو ان يتم تصحيح الاوضاع انصافا للعاملين البحرينيين. فما هكذا ينبغي معاملة المواطنين.

    • زائر 3 | 1:34 ص

      باطل

      الى المعلق رقم (1) طبعا هناك العديد من الحجج المضحكة المبكية ، انا موقوفة واعمل في قطاع عام، واغلب الإتهامات هي قلب النظام ، تنظيم المسيرات ، وإالخ من التهم الجاهزة ، رحت الدوار . وكلها مبنية على باطل وما بني على باطل فهو باطل

    • زائر 2 | 1:01 ص

      القطاع العام

      والقطاع العام مثل أخية القطاع الخاص تم الفصل بحجج واهية ليس لها مسوغ قانوني لأن اللجان التحقيق قامت على أسس غير قانونية ( مبنية على باطل وما بني على باطل.... ) أرجوا من التعليقات تستعرض الحجج المضحكة المبكية والمخجلة التي تم اعتمادها للفصل

اقرأ ايضاً