العدد 3308 - الثلثاء 27 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ

اليوبيل الفضي لجامعة البحرين... كيف نحتفي بـالمعرفة؟

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

الجامعة في ذروة معانيها هي الوعاء الفكري الجميل في المجتمع، وهي سمة بارزة لمشروعية الحضارة فيه، وهي شعلته المعرفية التي لا تخبو، وهي ساحة الإبداع التي تعج بالنشاط العلمي والأدبي وموطن الابتكار وازدهار العلوم والمعارف، ومن دون شك، فإن الجامعة المتقدمة والمزدهرة تعد إحدى الركائز المهمة للدولة المدنية العصرية، حيث يتاح الأفق واسعاًَ للمناقشة والبحث والتجريب والابتكار وتعزيز القيم الإنسانية.

وتحتفل البحرين هذا العام بمرور 25 عاماً على إنشاء جامعة البحرين، وهي مناسبة سعيدة ونأمل أن تتوج هذه الذكرى العزيزة بعودة الوهج الوضاء إلى ربوع الجامعة الوطنية الأولى التي خرّجت عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات في مختلف التخصصات، ويشكلون الرافد الأساسي لسوق العمل في البحرين، ويشغلون مواقع متقدمة في المراكز الوظيفية في القطاعين العام والخاص.

إن الاحتفال باليوبيل الفضي لجامعتنا الوطنية، هو احتفاء بالمعرفة وتقدير للعطاء العلمي والأكاديمي الذي يشرف عليه عصارة المجتمع وصفوفه الأمامية وخيرة نخبه، وهم الأساتذة وأصحاب المؤهلات الذين يحرصون على تقديم كل ما بوسعهم من جهد وعطاء ومثابرة.

الجامعة هي تلك الأم الحنون التي تقر عينها برؤية أبنائها وأحفادها، وهم يعجون بالحيوية والنشاط، يملأون المكان حبّاً وعطاءً، وكما هي حال الأم فإنها تنتظر بشغف عودة أبنائها إليها، لذلك فإن فرحتنا بهذه المناسبة ستكتمل بعودة كافة الأساتذة الذين نالوا أعلى الدرجات في جامعات عالمية مرموقة ولهم بحوثهم في مجلات دولية محكمة، وكذلك بعودة ما تبقى من الطلبة إلى مقاعد التدريس والدراسة... مقاعد العلم والمثابرة والتحصيل.

اليوم نحتفل باليوبيل الفضي لهذه الشعلة الأكاديمية، التي تعود جذورها إلى أواخر الستينيات مع ظهور أول مؤسسات التعليم العالي. ثم أنشئت كلية الخليج الصناعية في 1968 (تحولت إلى كلية الخليج للتكنولوجيا عام 1981). كما أنشئت الكلية الجامعية للآداب والعلوم والتربية في العام 1978 التي تحولت إلى جامعة الخليج، وكانت الكليات مستقلة عن بعضها وتقدم شهادات بدرجة البكالوريوس في مختلف التخصصات والفنون والعلوم والتعليم وإداره الأعمال والهندسة، لكن التاريخ الحديث للجامعة بدأ في 24 مايو/ أيار 1986، حين صدر المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1986 بإنشاء وتنظيم جامعة البحرين لتكون هيئة علمية مستقلة ذات شخصية معنوية عامة.

والجامعة هي البيت البحريني المصغر، ففيها تختلط بشباب من جميع المناطق والطبقات والأفكار، وهي ملتقى للكثير من النشاط الطلابي. ولذا فإن ما ينعكس في البيت الأكبر يلقي تأثيراً عليها، وهذا أمر طبيعي في كل المجتمعات.

على المستوى الشخصي، حظيت بشرف الدراسة في هذه الجامعة، ورغم أن تجربتي المهنية المبكرة قد كانت - إلى حدٍّ بعيد - على حساب تحصيلي الأكاديمي إلا أنها تجربة ممزوجة بالفخر والذكريات الجميلة في كل السنوات التي قضيتها في ربوع هذه الجامعة.

صورة الجامعة في ذاكرتي - وفي ذاكرة كل خريجيها كما أعتقد - هي خلية النحل دائمة النشاط، ففي ممراتها ترى البحرين الكبيرة بتنوعها الثقافي والفكري والمناطقي. وجميلٌ أن تلتقي باللهجات البحرينية المختلفة في بوتقة معرفية واحدة تنصهر فيها كل الألوان والأطياف.

لقد مرت جامعة البحرين بالعديد من المحطات التي ضاعفت من مساحة دورها الريادي في المجتمع، ولعل أحد أهم المنعطفات الإيجابية التي كانت لصيقة بالمجتمع حين أصدر جلالة الملك أمره الكريم في العام 2001 بتخفيض الرسوم الدراسية في الجامعة، ما سمح لآلاف - بل لعشرات الآلاف - من الطلبة والطالبات وخصوصاً من ذوي الدخل المحدود، مواصلة تعليمهم العالي برسوم رمزية. وأصبح التعليم العالي متاحاً للجميع بسهولة بعد أن كان الكثير من أبناء الطبقة الفقيرة ومتدنية الدخل لا يستطيعون مواصلة تحصيلهم العلمي.

ورغم فتح التعليم العالي الخاص على مصراعيه في البحرين، وانتشار الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية كانتشار النار في الهشيم خلال العقد السابق، فإن غالبية المؤسسات الحكومية والخاصة لا تزال تفضل المنتج الأكاديمي في جامعة البحرين من حيث قوة التعليم والاحتكاك والممارسة. ولا يعني ذلك قطعاً خلو الجامعة من الثغرات، ولكنني لا أكتفي برؤية الثقب الأسود في الصفيح الأبيض.

لقد تأثرت جامعة البحرين، كغيرها من المؤسسات بأحداث مطلع العام الجاري، ولعلها كانت المرة الأولى في تاريخ الجامعة التي يتم فيها تعطيل الدراسة لأسباب خارجة عن الإرادة، ولكن سرعان ما عادت الجامعة إلى استعادة دورها، وإن كان لا يزال أمامها مجموعة من التحديات لتعود إلى ما كانت عليه.

الجامعة والمجتمع صنوان لا يفترقان، فتَحية لجامعتنا في عيد ميلادها الخامس والعشرين. وإنني على ثقة كاملة بأن جامعتنا الوطنية ستتغلب على بعض التحديات الآنية لتشق طريقها المعهود نحو التميز، بهيئاتها المختلفة وباكتمال مكوناتها، أساتذةً وطلاباً، لتعود إلى روحها الخلاقة النابضة بالحب. وسنبقي لها قسطاً وافراً من أحلامنا حيث يكون الحلم ممكناً ومباحاً

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3308 - الثلثاء 27 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:44 ص

      تمنيت من الكاتب

      لقد تمنيت من الكاتب أن يطلب من إدارة الجامعة أن تعمل جاهدة على إعادة المفصولين من الطلبة والأكاديمين والموظفين بهذه المناسبة التي يعتز بها، خاصة وأنهم بدون استثناء لم يرتكيوا ذنبا حتى يعاقبوا عليه، كل ما فعلوه هو إبداء رأيهم وفي خارج أوقات الدوام الرسمي،

اقرأ ايضاً