العدد 3323 - الأربعاء 12 أكتوبر 2011م الموافق 14 ذي القعدة 1432هـ

الدولة المريضة

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يرد في كتاب توماس هوبز «اللفياثان - الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة»، وهو من الكتب المؤسسة لنظرية الفلسفة تم وضعه سنة 1651م، مقاربة لصنع الإنسان والخلق الأول للدولة، إذ يرى أن الدولة ما هي إلا إنسان اصطناعي خلقه الإنسان الطبيعي لحمايته والدفاع عنه بيد انه اكثر منه قوة وضخامة، ويذهب المؤلف في إظهار جوانب التشابه بين الإنسانين فهناك الروح التي تحرك وتوجه كل شيء في الإنسان وتشكل السيادة في الدولة روحاً اصطناعية، ويمثل بها مسئولو القضاء والتنفيذ مفاصل أساسية، أما الأعصاب فهي الثواب والعقاب اللذان يحركان كل عضو ومفصل مرتبط بمقعد السيادة ليؤدي واجبه، إن شدة هذا الجسم وقوته دليل صحة، واتساقه في عمله مؤشر قوة وقدرة، فالمستشارون في الدولة هم الذاكرة، والمساواة والقوانين هي عقل وإرادة صناعيان، والوئام هو الصحة، والحرب الأهلية هي الموت، وجميع المواثيق والمعاهدات التي تشكل بها هذا الجسد تمثل كلمة «ليكن» التي بدأ بها الله خلق الإنسان.

إن هذه المقاربة تجعلنا ندرك عمق ما تمثله الدولة وعلاقتها بأجزائها المختلفة، وإن تعطل عضو من أعضائها يجعلها عليلة مسلوبة الإرادة، الدولة الجسد، لا يمكنها المضي بتراخي أو تباطؤ جزء منها، فالإنسان لا يمكنه السير ورجله تسبقه أو تلحقه، وكذلك الدولة، لا يمكنها الاستفادة من تقدم احد أجزائها إن لم يرافقه تقدم في كل الأجزاء المكونة لها، وإلا أصبح هذا التقدم إعاقة، أو هذا التأخر تخلف للدولة ككل، لا يمكن النهوض بقطاع دون غيره، فالنهضة هنا لابد أن تكون شاملة، تقترن بكل ما يمثل أحد أطراف هذا الجسد الدولة.

في هذا الطرح تغدو الدولة كالإنسان، تحيا وتزدهر وتتقدم، وتمرض أيضاً وقد تصاب بالإحباط فتتراجع وتصيبها عدوى الأمراض أو حمى الربيع وقد تموت أحياناً، وهي بحاجة دائمة للتهذيب والتنوير ومراجعة القرارات والخطط المستقبلية لضمان تقدمها وازدهارها، وذلك لا يكون إلا عبر تفعيل أعصابها التي تحرك مفاصلها المختلفة متمثلة في الثواب والعقاب الذي يضمن أداء متميزا عبر المحاسبة وتكريس مبدأ الشفافية.

وإن كانت المساواة والقوانين هي عقل وإرادة تؤدي الى الوئام الذي يفضي الى صحة هذا الجسد فإننا بحاجة لإشاعة ذلك حرصاً على صحة هذا الإنسان الذي يجمعنا معاً، لتكن المساواة هي العقل والقوانين هي الإرادة التي تحقق لهذا العقل ما يصبو إليه من أهداف وأفكار تجعل من هذا البلد وطناً للجميع، قادراً على الاحتضان من دون فروقات بين الأشخاص ولا تفريط أو إفراط في حقوق احد.

من المخيف أن يترك الجسد الدولة لتفتك به الأمراض وتعصر به الخطوب دون تدخل أو علاج أو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ تعبر الحرب الأهلية في مفهوم هوبز عن الموت، وهو النهاية المرعبة لكل شيء، ففي الحرب الأهلية تنتهي سيادة الدولة التي هي روحها ويتغلغل الدمار في كل شيء ويصبح من النادر وجود ما يمكن إنقاذه بعد كل ذلك، لهذا علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة أو الفناء معاً كأغبياء كما قال مارتن لوثر كينغ، لنشيع ثقافة الحياة ونتجنب صولات الموت وجولاته، ليكون هذا الوطن بداية حياة. لسنا بحاجة للمشاركة في مذابح قد تطال أحلامنا معاً، نريد وطناً للجميع، وطناً صحيحاً معافى، لا تنخر عظامه دود الفتنة

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3323 - الأربعاء 12 أكتوبر 2011م الموافق 14 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:14 ص

      كلنا للبحرين

      مقال رائع، ماشاء الله عليج، بالرغم من صغر سنج غلبتي اللي اكبر منج في فهم الواقع ومعالجته .

    • زائر 1 | 11:04 م

      وطن للجميع

      نعم عزيزتي
      نريد وطن للجميع تتساوى فيه الحقوق والواجبات وطن لا نظلم على ترابه وطن يحتضننا جميعا بكل أطيافه
      سلمت يا أختي

اقرأ ايضاً