العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ

دلالات وتداعيات فوز اليمنية كرمان بجائزة نوبل للسلام

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

أعلن يوم الجمعة في العاصمة النرويجية أوسلو عن منح جائزة نوبل للسلام للعام 2011 إلى كل من الناشطة اليمنية في حركة الربيع العربي توكل كرمان، ورئيسة ليبيريا ألين جونسون سيرليف والمناضلة من أجل السلام الليبيرية ليما غبويي.

وقد بدا اختيار كرمان للفوز بجائزة نوبل للسلام، التي تعتبر الأرقى بين جوائز نوبل، أمراً مفاجئاً، وخاصة أن مسألة اختيار الفائزين طرحت هذه السنة معضلة حقيقية على لجنة نوبل النرويجية مع تسجيل مستوى قياسي من الترشيحات بلغ 241 منظمة وفرداً في قائمة تبقى طي السرية الكاملة حتى لحظة الإعلان عن هوية الفائز/ الفائزين بها، وهو ما عقد لعبة التوقعات هذه المرّة.

وقد برزت الناشطة الحقوقية والصحافية اليمنية توكل كرمان في ساحات الاحتجاجات اليمنية التي تدخل شهرها التاسع، وعرفت بمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري في اليمن ومطالبتها بالإصلاحات السياسية، وكانت من أوائل الذين طالبوا بإسقاط نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح. وبفوز كرمان بجائزة نوبل للسلام يمكن القول إن الحراك الديمقراطي المدني في اليمن قد أخذ زخماً إضافياً ودفعة أخرى للأمام في وقت صعب ودقيق للغاية، والأهم أن هذا الفوز المفاجئ وغير المتوقع أعطى شخصية السيدة كرمان هالة وحضوراً كبيرين استناداً إلى تزكية عالمية لا يمكن التهوين أو الحط من شأنها، الأمر الذي سيُمكن الكثيرين من التعاطي معها من الآن وصاعداً باعتبارها «رمزاً ناعماً» لهذه الحركة الديمقراطية المدنية المتنامية، ومن ثم فإن هذا الحدث قد يُسهم في خلق حالة إجماع داخلي حول شخص كرمان، الناشطة والقيادية الشابة ضمن الأطر التنظيمية والسياسية «للثورة السلمية»، وربما يؤهلها فعلياً وسريعاً لاعتلاء قمة الهرم القيادي المُعارِض في اليمن، على الأقل في هذه المرحلة الحساسة والحاسمة من عمر الحركة المناوئة لحكم الرئيس صالح. فالسيدة كرمان، وهي أول امرأة يمنية وعربية وثاني مُسلِمة بعد المحامية والحقوقية الإيرانية شيرين عبادي تُمنَح لها جائزة نوبل للسلام، أصبحت منذ هذه اللحظة، واتكاءً على السلطة المعنوية التلقائية والهائلة والمُستدامَة التي يكتسبها الفائزون بهذه الجائزة العالمية، فاعلاً محورياً لا يمكن تجاهُل ما يتمتع به من حضور طاغ في المجال العام، وتالياً ستحظى نشاطاتها في قضايا دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومناهضة منظومة الحكم السلطوي داخل اليمن وخارجه، بتعاطف عالمي ودعم دولي أثير ومتزايد.

وما يعزز موقفها أكثر أن شخصيتها، وهي المرأة الشابة المُتحجبة، باتت تحظى باحترام على نطاق واسع في مجتمع ذكوري تسوده القيم الريفية والدينية المُحافِظة، ناهيك عن أن انتماءها الحزبي إلى «التجمع اليمني للإصلاح» ذي المرجعية الإسلامية لم يمنعها من ممارسة دورها كناشطة حقوقية تدافع عن حقوق النساء والرجال على حد سواء، وبالمثل فإنه - أي انتماؤها الحزبي ذاك - لم يحُل دون تقديم نفسها كسياسية معتدلة ومنفتحة على مختلف التيارات اليمنية، ولذا فإنه لا يمكن إدراجها عملياً ضمن جماعة النخبة المعارضة السياسية التقليدية والمُحافِظة في البلد، وهذا أمر له أهميته بالنسبة للمستقبل.

بيد أن هذا الحدث غير المسبوق في تاريخ اليمن، لن يمنع بكل تأكيد الجدل الذي سيثار بشأن مسألة «استحقاقية» كرمان بالفوز بجائزة كبرى في مستوى وحجم «نوبل للسلام»، وخاصة في هذا التوقيت الحرج الحافل بالاستقطاب السياسي والصراعات المُسلحة، فضلاً عن أنه سيُعيد إحياء الشكوك المعتادة والمتكررة التي تطال هذه الجائزة ذات المنشأ الغربي، وسيتكرر الحديث بوجه خاص بشأن «حقيقة» مراميها وأهدافها و «دقة» معاييرها التي ما انفك البعض يراها مُلغزةً وغير مفهومة، في حين ينتقدها آخرون بشدة كونها جائزة مُسيَّسة وغير مُنزهة عن الأهواء، ويقود هذا إلى اتهام الجهة المانحة لها بالتحيز لنمط أيديولوجي معين ولقيم محددة يُراد عولمتها وفرضها بشتى الطرق.

والحال أن تاريخ جائزة نوبل للسلام، تحديداً، يبقى محط نقاشات وتكهنات واتهامات كثيرة نظراً للشخصيات المثيرة للجدل التي حازت على هذه الجائزة المُكرسة أساساً، بحسب رغبة مؤسسها النرويجي ألفرِد نوبل، كي تروج مبدأ السلام العالمي بين البشر، وبحيث ترسخ هذه القيمة الفضلى والسامية في مواجهة نزعات الاقتتال والحرب والدمار. وحالة اليمنية توكل كرمان لن تكون استثناءً حتماً، وإن كانت لها خصوصيتها نظراً للظروف المعقدة والسياق المُلتبس الذي حازت فيه على هذه الجائزة، وما قد يترتب على ذلك من نتائج وآثار ليست واضحة بعد.

على أن ثمة أثرا افتراضيا يمكن تلمّسه والإشارة إليه، يرتبط بطبيعة الأداء المنوط والمُنتظر من أي شخصية تفوز بهذه الجائزة العالمية المُعتبَرة، فمن ناحية أولى، سيكون هذا الأداء محكوماً نظرياً بالمبدأ الذي قدّمت من أجله مثل هذه الجائزة، وثانياً بالسلوك الذي يتوقعه مانحوها والمرحبون بها من الشخص الحاصل عليها، وثالثاً بما قد يقوله المرتابون والمتشككون في الموضوع برمته. ومن هنا، من المُرجّح أن تصبح كرمان التي قبلت الجائزة دون تحفّظ «مُقيّدة» في أدائها المستقبلي على نحو أو آخر، إذ تغدو محكومة بوظيفتها المُستحدَثة كـ «صانعة سلام»، وما يرتبط بذلك من سلوك «مخملي» يُنتظر أن تغلب عليه الحصافة والحذر النابعان من المسئولية الملقاة على عاتق المرء الذي يقبل بأن يكون «نجماً وعَلماً دولياً» يُشار له بالبَنان أينما حلّ وارتحل.

لكن ما نخشاه حقاً أن يتحول «السلام» الموعود في ثنايا هذه الجائزة إلى فأل عكسي على الوضع الراهن شديد الاحتقان في اليمن، فيكون هذا الحدث الباعث على الانتشاء والبهجة والزهو في نفوس معظم اليمنيين مجرد بوابة أخرى يدلفون عبرها إلى مشهد كابوسي مختلف يحكمه منطق «الحرب الأهلية»، والنتيجة: دوامة لا تنتهي من الصراعات العنيفة والمدمرة، يُصبح فيها صُنعُ «السلام» فضلاً عن الحديث عنه، أمراً لا يعني توكل كرمان وحدها بل يُشاطِرها همّه كل اليمنيين بلا استثناء

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:42 م

      امراءة مكافحة ومناضلة تستحق اكثر من تلك الجائزة

      عرفة توكل بشجاعتها وصراحتها ومقاومتها للظلم والاستبداد ، كان لها تأثير كبير في دفع المراء للمشاركة في الاعمال الاجتماعية والمواقف الاحتجاجية ضد السلطة لكن منحها جائزة بهذا المستوى سوف يثير ضدها مواقف متعدده من جانب السلطة المترنحة ومن جانب بعض الجهات المتطرفة دينيا وفكريا ومن بعض من يرى ان جائزة بهذا الحجم تعد كبيرة على دولة فقيرة كاليمن وقد يكون لها انعكاسات غير مرغوب فيها على المستوى الاقليمي.

اقرأ ايضاً