العدد 334 - الثلثاء 05 أغسطس 2003م الموافق 07 جمادى الآخرة 1424هـ

خلفيات الثقة المتجددة لبن علي

الرئيس التونسي يترشح لدورة جديدة للرئاسة

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

باختياره منبر المؤتمر الرابع لحزبه «التجمع الدستوري الديمقراطي»، ليعلن من خلاله قبوله الترشح لولاية ثالثة، أصاب الرئيس زين العابدين بن علي عصفورين بحجر واحد. فمن جهة، حسم الجدل الدائر منذ أكثر من عام، أمام نحو من خمسة آلاف شخص شاركوا في هذه المناسبة، حول مسألة التجديد. ومن جهة اخرى، وضع حدا للشائعات التي روجتها بعض الصحف الباريسية، وتبعتها العربية، بشأن وضعه الصحي، واستحالة استمراره على رأس السلطة. فلم يفتتح بن علي المؤتمر فحسب، بل شارك على مدى يومين متتاليين في أعماله، كما حرص على اختتامه بخطاب دام نصف ساعة.

«لم أره نشيطا ونضرا ومرتاحا كما اليوم»، همس في أذني أحد كبار الصحافيين الإسبان، من المتتبعين للشأن التونسي منذ زمن، والذي وجد في قاعة المؤتمرات بمعرض«الكرم» يوم 28 يوليو/ تموز الماضي. والملفت أن هذا الاخير لم يتلفظ بتعليقه هذا، إلا عندما انهى بن علي خطاب الافتتاح الذي دام 45 دقيقة بالتمام والكمال. لقد كان من الطبيعي أن تتركز أبصار المراقبين - الأوروبيون منهم تحديدا - على مظهر الرئيس التونسي، وتعابير وجهه، وتفاصيل حركاته، وخصوصا بعد سلسلة الموضوعات والتحقيقات التي نشرت طوال الشهرين الماضيين، انطلاقا من باريس، التي تناولت بإسهاب وبحزم قاطع تدهور وضعه الصحي، ما لا يمكن، والحال هذه، أن يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في سنة 2004. كما ذهبت وسائل الإعلام هذه بعيدا في رهاناتها على الاشخاص والتيارات.

مرة اخرى، يرد بن علي، الذي تعمد الصمت وأوعز لوسائل الاعلام الخاصة والعامة في بلده تجاهل هذه الحملات بانتظار الفرصة المؤاتية، مسجلا النقاط على طريقته، داخليا وخارجيا. فبإعلانه قبول ترشيحه من قبل الحزب، أراد أن يؤكد للتونسيين أنه ممسك تماما بزمام المبادرة، وأنه لن يسمح بالتالي للمعترضين على الخط ولا للمراهنين على الخارج - بحسب قول أحد المقربين منه - أن يمسوا بالانجازات والمكاسب الاجتماعية التي اضطلع بها وسهر على تحقيقها منذ السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، ولا أيضا التلاعب بالاستقرار السياسي والامني. هذا الجانب الذي يشكل ضمانة أساسية للنمو الاقتصادي الاجتماعي للبلاد.

أما بالنسبة إلى الخارج، فقد شاء الرئيس التونسي إفهام من يهمه الأمر، وبشكل أدق الشركاء الأوروبيين المهتمين بمستقبل تونس، انطلاقا من الخوف على مصالحهم فيها، كذلك وسائل الاعلام الغربية التي استهدفته في الآونة الأخيرة، ان غالبية المجتمع التونسي - على رأسه الطبقة الوسطى (التي تشكل أكثر من 78 في المئة من السكان) والتي دعمت خيارات وبرامج بن علي في جميع مراحل حكمه - لاتزال ملتزمة إلى حد كبير.

الطموح وجمهورية الغد

مستقويا بالثقة المتجددة التي منحت له، سواء لناحية التجديد في الرئاسة، أم لناحية قيادة حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي»، قرر الرئيس بن علي البقاء، موضحا أنه سيكمل الورشات الجارية لترسيخ النمو المتوازن، ومتابعة انجازها كعادته بالتفصيل، ويوميا. لذلك رأى المراقبون أنه لم يكن من باب المصادفة أن اختار الحزب شعار «الطموح» عنوانا لمؤتمره هذا. وتفيد المعلومات بهذا الصدد، أن بن علي أراد تحميل قادة هذه المؤسسة وكوادرها وحتى قواعدها مسئولية أكبر. الكلام هنا لأحد مستشاريه الكبار، الذي أكد أن الولاية الثالثة ستحمل في طياتها مفاجآت على الاصعدة كافة، والسياسية منها على وجه الخصوص، ويتعلق الامر هذه المرة - بحسب تقاطع المعلومات وتواترها من قبل جهات مختلفة، متناقضة أحيانا - بأن الرئيس التونسي سيلعب ورقة الشباب. لذلك فخلال احاديثه ولقاءاته مع عدد من كبار الشخصيات الأوروبية الصديقة لتونس، ردد أكثر من مرة القول إن «جميع خططنا وخطواتنا المقبلة ستأخذ في الحساب، وبالدرجة الأولى، مستقبل هذا الشباب الذي سيواجه، عاجلا أم آجلا، عالما لا يرحم الضعفاء، غير عادل في الغالب، لا يقدم مطلقا الهدايا إلى الأمم الفقيرة او المتخلفة، العاجزة عن مواكبة الثورة التكنولوجية الزاحفة». انطلاقا من هذه الفرضيات وهذا التقييم، يمكن فهم أبعاد تركيزه في خطاب الافتتاح الذي ألقاه على البطالة - وخصوصا لدى حاملي الشهادات الذين يدخلون بالآلاف سوق العمل في تونس - التي تشكل في السنوات الأخيرة هاجسا لديه، والتي يعود إلى التذكير بها في جميع المناسبات. بإثارته لهذا الموضوع مجددا، أراد الرئيس بن علي إفهام قادة حزبه بأنه يريد استباق الحوادث من خلال تركيزه على الشباب وطمأنته والتعهد علنا بحل المشكلات التي تقلقه.

إذا كان المؤتمر الأخير الذي سبق، عُقد تحت شعار «الامتياز»، فإن المؤتمر الأخير حمل عنوان «الطموح». مرحلة جديدة يجب تجاوزها بنجاح من الآن وصاعدا، وخصوصا بعد أن حقق الأول جملة من الأهداف التي حددت له والتي كانت تتركز كلها تقريبا على التنمية. ذلك على رغم سنوات الجفاف التي ضربت البلاد، وفي ظل ظروف دولية ضاغطة وسلبية منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. لهذا السبب، استعاد بن علي في خطابه عبارة «جمهورية الغد»، وضرورة متابعة السير في طريق الاصلاحات بأشكالها كافة، الأمر الذي اعتبره المحللون السياسيون التونسيون، من محايدين، ومقربين من الحزب، وحتى المعارضين الموضوعيين من الليبراليين وبعض اليسار، بمثابة مؤشر على احتمال انفتاح سياسي اضافي. فبتشديده على التعددية الحزبية واستنهاض هيئات المجتمع المدني، وتشجيع الجمعيات لكي تلعب دورها، أمام 85 حزبا أتوا من أنحاء العالم كافة، أراد بن علي تأكيد أن المستقبل والشباب هما الرهان، مفهما بذلك الذين يتشبثون بالفكر المحافظ داخل الحزب، أنه ليس على استعداد للخلط في عامل الزمن ولا الخطأ في الأجيال. مع ذلك، فهو يعلم قبل غيره، بأن المعركة الجديدة التي ينوي خوضها لن تكون سهلة، ولاسيما أن الشروط مختلفة هذه المرة، كذلك الأدوات. فلهذا السبب أيضا، يراهن بن علي على الشباب، كما راهن في السابق على المرأة، التي اثبتت في المراحل الصعبة والدقيقة، وخصوصا خلال المواجهة مع التيار الاسلامي في مطلع التسعينات، أنها الاحتياطي الاستراتيجي المضمون لنظامه. في هذا السياق، يمكن القول إنه لم يرتكب هفوة عندما فاجأ الحاضرين بالقول: «إن معدل تمثيل المرأة ضمن مندوبي المؤتمر وبين أعضاء اللجنة المركزية للحزب سيصل إلى 50 في المئة». إنما كان يقصد ذلك حتما ولو صحح النسبة المذكورة بابتسامة رافقها تصفيق حاد من السيدات الموجودات بكثافة في القاعة، مشيرا بالتالي إلى أنها ستكون 20 في المئة على الاقل.

رأس المال البشري والثوابت

من المفهوم أن طموحات «جمهورية الغد» التي يريدها الرئيس التونسي، لا يمكن أن تتحقق من دون الثروة الكامنة في العنصر البشري، وخصوصا في بلد كتونس، لا يملك على غرار جارتيه الغريمتين الجزائر وليبيا، لا النفط ولا الغاز. من هنا، عمل طوال سنوات حكمه على تنمية وتعزيز وسائل التعليم والتأهيل ورفع مستوى الكفاءات وتحسين النوعية. ففي كل جزء من خطابه، كان بن علي يتوجه إلى قادة حزبه، مذكرا إياهم بأهمية الرهان على الشباب، لأن ذلك، بحسب رأيه، ضمانة لاستمرارية ومستقبل الحزب نفسه، مانعا لترهله وحافزا لحيويته. هذه الرسالة التي فهم مضمونها جيدا على ما يبدو، بعض الذين، في وقت من الأوقات، وقفوا في وجه صعود التيار الشبابي، شكلت برأي المراقبين، محورا من المحاور الأساسية في الخطاب.

وفي الثوابت، أعاد تأكيد التمسك بالجالية التونسية في الخارج ودورها في بناء البلد. معلنا أن للحكومة مهمة تتلخص في تعزيز الروابط مع البلدان التي تستضيفها بهدف حماية حقوقها وتحسين أوضاعها والعمل على حفظ كرامتها. كما أبلغ الأعداد الكبيرة المشاركة في المؤتمر، بأن عليها أن تدرك دوما أن الحكم يشكل عليها لخدمة تونس والدفاع عن مصالحها. من ناحية أخرى أعاد التذكير بأن تحقيق السلام ومحاربة العنف والإرهاب والتطرف - في إشارة إلى الإسلاميين - لاتزال كلها في طليعة اهتماماته. كذلك الدعوة التي أطلقها في العام الماضي إلى إنشاء «الصندوق العالمي للتضامن» الذي لقي ترحيبا واسعا، اعتمدتها بالتالي الأمم المتحدة. ومن هذه الثوابت أيضا، فلسطين والوصول إلى انشاء الدولة في الموعد المحدد لها، كذلك العمل على بناء الصرح المغاربي الكبير، وإنهاء احتلال العراق.

باختصار، يمكن القول، إن بن علي اثار كل هذه المحاور مرة واحدة وفي مؤتمر واحد عشية الاحتفالات بالذكرى المئوية للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في مسقط رأسه بمدينة الموناشير، قاطعا الطريق أيضا على الذين يتهمونه بأنه قلل ويقلل من إعطاء سلفه حقه.

كل هذه الاسباب كانت كافية كي يرد بن علي على طلب حزبه الترشح لولاية ثالثة بـ «نعم» كبيرة وعالية

العدد 334 - الثلثاء 05 أغسطس 2003م الموافق 07 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً