العدد 3369 - الأحد 27 نوفمبر 2011م الموافق 02 محرم 1433هـ

الصدفة والاعتقادات الخرافية: الكَشحَة والعْزَيْزَة

حسين محمد حسين comments [at] alwasatnews.com

.

هناك العديد من القوانين التي توجد في الطبيعة والتي تؤدي إلى حدوث النظام والاتزان في الكون، وفي الوقت نفسه تحدّد العديد من تلك القوانين العلاقات السببية للعديد من الظواهر التي يشهدها الإنسان والذي سعى منذ بدء الخليقة إلى اكتشاف هذه القوانين وتحديد علاقات السبب والنتيجة ليتعرف على أسباب حدوث تلك الظواهر ولولا «ثقة الإنسان في أن هنالك قوانين يمكن اكتشافها وتحديدها لما أضاع الناس أعمارهم بحثاً عنها فبدون هذا الاعتقاد وتلك الثقة في نظام الكون يصير البحث عبثاً لا طائل من ورائه ولو أنه كلما أجريت تجربة أعطت نتائج مخالفة لسابقتها بسبب توقفها على المصادفة أو عدم وجود قوانين مسيطرة فأي تقدم كان من الممكن أن يحققه الإنسان؟» (هامان 1968، ص142). إلا أن الإنسان عجز عن تفسير العديد من الظواهر وبدأ يعوّض ذلك العجز باستخدام مخيلته التي أنتجت العديد من الأساطير والمعتقدات الخرافية، وقد لعبت الصدفة دوراً كبيراً في عملية تخليق المعتقدات الخرافية وترسيخها في عقول عامَّة الناس على مَر الأزمنة، فالصدفة تفيد وقوع حدثين أو أكثر في آن واحد، وعند وقوع حدثين (أو أكثر) بصورة متزامنة فهناك احتمالان فربما يكون هذا التزامن ناتجاً عن أن أحد الأحداث نتيجة للحدث الآخر وتكرار ذلك يؤدي بالإنسان لتكوين قانون معيَّن، ولكن ربما يكون ذلك التزامن حدث «صدفة» وتكرار تلك الصدفة تؤدي بالإنسان إلى تكوين معتقد خاطئ عن وجود علاقة سبب ونتيجة بين تلك الأحداث «منطلقين فقط من العلائم الخارجية، على أساس أنهما قد تبع بعضهما بعضاً من حيث الزمان فقط، مع أنه لا وجود للصلة السببية بينهما في واقع الأمر». وقد أفرد الكاتب علي الفتّال في كتابه «التواصل في تراثنا الشعبي» فصلين (الثامن والتاسع) عن دور الصدفة في تكوين وترسيخ المعتقدات الخرافية في التراث الشعبي العراقي (الفتال 2005، ص 303 – 360). وسنتناول هنا معتقدين خرافيين سائدين عند العامة في الخليج العربي ويعتمد استمرار بقاء هذه المعتقدات على «الصدفة».

«العْزَيْزَة» وإثارة الفتنة

العْزَيْزَة (تلفظ لعْزَيْزَة أو اعْزَيْزَة) عند العامة في البحرين هي قطعة عظم مصدرها الغنم أو البقر ولا يهم أي جزء من العظام هو وإنما المهم أن يكون لها شكل بيضاوي تقريباً بحيث تشبه جزءاً من جسم الإنسان له رأس وجسد فقط دون أطراف؛ إذ يتم رسم وجه على الجزء الشبيه بالرأس ومن ثم يلبس أو يلف في قطعة قماش ويتم تبخيره ومن ثم يتم إلقاؤه في بيت أو بين جماعة فيسبب لهم الفتنة. وغالباً ما يستخدم عظم المفصل. أحياناً لا يتم إلقاء «العْزَيْزَة» ولكنها تكون موجودة من ضمن وجبة الغذاء، فإذا حدث شجار بين أفراد الأسرة على مائدة الغذاء يتم البحث عن عظمة «العْزَيْزَة» في قدر المرق أو بين العظام الموجودة على المائدة فإذا عثر عليها تلقى خارج المنزل، وأحياناً تلعب الصدفة دوراً فيتزامن حدوث الشجار مع وجود «العْزَيْزَة» على مائدة الغذاء وبذلك يتم تعزيز المعتقد الخرافي القائل بقوة عظم «العْزَيْزَة» على إثارة الفتنة.

ومعتقد العْزَيْزَة مشهور في العراق بالاسم ذاته، وقد كتب علي الفتّال عنها في كتابه «التواصل في تراثنا الشعبي»: «كثيراً ما يحدث شجار أو عراك في بعض البيوت - وخاصة التي تزدحم بالعائلات - بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين أسرة وأخرى في الدار نفسها وبعد هدوء الحالة بتدخل من بعض الجارات (العاقلات) تنبري هذه الجارة العاقلة هذه قائلة: (اليوم ذابين عْزَيْزَة بالبيت).. والعْزَيْزَة هي عبارة عن عظم مفصلي من عظام الغنم أو البقر هو باعتقاد جداتنا يسبب عراكاً في المكان الذي يرمى فيه» (الفتال 2005، ص53).

«العْزِيزُو» في الكويت والإمارات

العْزِيزُو (ويلفظ لعْزِيزُو أو إعْزِيزُو) في الكويت والإمارات هو اسم يطلق على عظم في نهاية العمود الفقري للإنسان والحيوان وهو المعروف بعظم العصعص، وبحسب معجم الألفاظ الإماراتية لفالح حنظل فإنه يقال في الإمارات عزيزو وعزيزوه، وهو مساوٍ لمفهوم العْزَيْزَة السابق الذكر، وقد كتب عنه الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» تحت مسمى «إعْزِيزُوْ»: «تطلق لفظة العزيزو بكسر العين أو إعزيزو بكسر الهمزة على عظم صغير يقع في مؤخرة الظهر فوق الإست. يستعمل الأولاد العزيزو في وقوع الفتنة والنزاع بين الناس وذلك بإلقائه في البيت أو بين جماعة جالسين وهكذا. يأخذون العزيزو ويمهدونه بالقماش كالطفل ويضعون عليه خطوطاً عبارة عن وجه ويكحلون عينيه وبعد ذلك يلقونه في المكان أو البيت الذي يريدون أن يقع بين أهله النزاع والخصام. يعتقدون اعتقاداً باطلاً في أن العزيزو هو سبب الخلاف بين المتنازعين أو المتخاصمين الذين ألقي العزيزو عليهم. ويصادف أحياناً أن يقع فعلاً خصام بينهم بعد إلقاء العزيزو وعندئذ يزداد إيمانهم قوة بالعزيزو وإنه السبب في وقوع الخصام. بلغ من اعتقادهم بأن العزيزو هو السبب في وقوع الخصام إنه إذا حدث خصام بين جماعة يقولون لهم: قاطين (ملقين) عليكم اعزيزو. ويشترك في عمل العزيزو الكبار والصغار. وأمره مشهور بينهم» (الشملان 1978، ص 147 - 148).


«العزيزو والكوز»

في الكويت يطلق مسمّى العزيزو على نوع من أنواع القواقع البحرية التي لها شكل شبيه بشكل عظمة العصعص أو العظم المفصلي، ويعرف هذا النوع باسم المرَّيق واسمه العلمي Murex scolopax وهو يعرف عندنا في البحرين باسم «كوز الشمر» وفي الإمارات يسمى خشام، ويتميز هذا النوع من القواقع بوجود أشواك مخيفة ومؤلمة في حال إن داس عليها أحد، ويخاف البحارة ومن يعمل في الصيد من أن يعلق في شباكهم، وإن رأوه رموه في البحر فوراً خوفاً من أن يدوس عليه أحد في المركب ويسبب له الأذى. وليس من الواضح أصل تسمية اعزيزة واعزيزو ولكن هناك اتفاق بين الجميع على الشكل ولا يعرف أيهم أسبق في التسمية هل هو القوقع أم العظم فالمرجح أن وحدة الشكل ووحدة الاسم ليست مجرد صدفة.


«الكشحة» والعقم

«الكشحة» هي شعرة أو مجموعة شعرات ملتاتة أي معوجّة يكون مكانها بين الشعر أو في الظهر أو العنق أو أي مكان آخر في جسم الإنسان، ويعتبر الاسم (الكشحة) هو الاسم المشهور في الخليج العربي إلا أن هناك العديد من الأسماء المشتقة من هذا الاسم بالإضافة إلى وجود أسماء أخرى غير مشهورة، فأما الأسماء المشتقة والناتجة عن تحريف الاسم الأصلي فهي: الكاشحة والكاشوحة والكاشوفة والكاشعة أو الگاشعة. أما الأسماء الأخرى فهي الجلحة والنزافة وقد سميت بذلك لاعتقاد البعض أنها تنزف الخير. ولهذه الشعرة أو الشعرات تأثيرات مختلفة منها:

1 - تجلب النحس لصاحبها.

2 - تسبب العقم للرجل أو المرأة.

3 - تؤدي لإجهاض أي مولود يولد بعد الشخص الذي به الكشحة، والبعض يخصص أن المولود الذي يجهض من نفس جنس صاحب الكشحة.

علاج «الكشحة»

يتم علاج الأكشح أو صاحب الكشحة بحرق تلك الشعرة أو الشعرات، أما الأداة المستخدمة في الحرق فتعتمد على صاحب الكشحة، ففي حال وجدت الكشحة في الرجل أو المرأة فيتم حرقها باستخدام قطعة معدن أو مسمار ومنهم من يشترط حرقها بقطعة قماش سوداء، ويشترط أثناء حرق كشحة زوج أو زوجة - يُعتقد أن سبب العقم فيهما هو الكشحة - أن يقول أحدهما أثناء حرق تلك الكشحة: «أبغي أولاد»، أما بالنسبة إلى الطفل فتحرق كشحته بجزء من أجزاء النخلة وفي الغالب بواسطة رأس العسو وهو العذق الجاف الخالي من الرطب الذي يستخدم للكنس، وربما يستخدم أحد شماريخ العذق الجافة أو باستخدام قطعة جريدة جافة أو خوصة جافة. ويشترط أيضاً أنه في حال أجهض المولود الذي يلي الطفل الأكشح أن يقول الواحد منهم أثناء عملية حرق الكشحة «أبغي اخوان» (الفحيل والحمدان 1997، ص 74 - 75).

وربما سُميت الكشحة بهذا الاسم لأنها تعالج بالكي أو الحرق؛ ففي معاجم اللغة الكشح هو الكي بالنار

إقرأ أيضا لـ "حسين محمد حسين"

العدد 3369 - الأحد 27 نوفمبر 2011م الموافق 02 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:20 ص

      الايمان

      لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا فالصعاب للمؤمن امتحان والمرض ثواب وفرصه للتخلص من السيئات فليس هناك كشحه او عظم يسبب المشاكل فالإبتلاء من الله صفة المؤمنين والمسلمين ولنا في قصص الأنباء اكبر العبر فهل هم ناس عاديون ليصابو بالخزعبلات التي الفها اناس عاديون وصدقها البعض واصبحت من اعراف ومعتقدات بعض ضعاف النفوس

    • زائر 1 | 12:41 ص

      اسأل مكشوح ولا تسأل ...

      ويش حال اللي كل ما يطقها تصير عوجه؟؟


      اكيد بيؤمن بالجلحه. والله المستعان

اقرأ ايضاً