العدد 3382 - السبت 10 ديسمبر 2011م الموافق 15 محرم 1433هـ

الملتقى الوطني الاجتماعي

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

أربعون شخصية من النخب يمثلون مختلف أطياف وتوجهات أبناء البحرين السنة والشيعة، استشعروا فداحة التخلي عن الوطن وهو يقف على أعتاب صراع طائفي خطير، فقرروا تأسيس ملتقى وطني اجتماعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل بلوغ خط لا يمكن التراجع عنه، وتبوأوا مواقع تركها الكثيرون من العقلاء الذين اتخذوا موقف المتفرج إزاء مشهد انقسامي حاد، إما خوفاً من العتاب والملامة وإما انصياعاً لضغط الانهزام ودفن الرأس في الرمال كخيار لا يجلب المتاعب.

قد تختلف زاوية النظر إلى الحياة بالنسبة لكل فرد من هذه الشخصيات، وقد تتباين أفكارهم وأيديولوجياتهم ومناهجهم الذي يسيرون عليه، ولكنهم جميعاً يلتقون عند حب البحرين، ويحملون على أكتافهم مسئولية عظيمة تتطلب منهم تقريب مسافات التنافر وزرع بذور الخير في النفوس المشحونة، للوصول إلى صيغة تحفظ للمجتمع استقرارا دائما طويل الأمد.

ولأن السياسة لا تجلب إلا المتاعب وربما تحرف مسار أي هدف إن خالطته المصالح، فيلاحظ أن مؤسسي الملتقى ليس من بينهم من يحمل مشروعاً سياسياً يريد أن يحققه أو ينتمي لتيار معين يمتثل لتوجهه.

الملتقى يمتلك رؤية واضحة، ولديه برنامج عمل يركز من خلاله على زيارة العوائل ذات الثقل الاجتماعي الكبير في مختلف المناطق، والالتقاء برؤساء تحرير الصحف المحلية ومؤسسات المجتمع المدني والرموز العلمائية من الطائفتين، وكذلك رؤساء إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، لحث الخطباء على توحيد الكلمة ورص الصف الوطني.

ولأن مواقع التواصل الاجتماعي، تمثل بؤرة التحريض الطائفي وتقاذف الاتهامات والنعوت غير اللائقة، فإن الملتقى سيعمل على تدشين حساب إلكتروني في «التويتر»، لبث رسائل إيجابية تساهم في توحيد المجتمع ورأب الصدع الطائفي.

كما وضع نصب عينيه ابتكار الوسائل المناسبة للتخفيف من حدة التوتر الحاصل، وتنفيذ برامج وأساليب وفعاليات مختلفة، من بينها الإعداد إلى عمل مسرحي أو سينمائي بالتعاون مع مسرح الريف، يحمل مضامين تركز على الوحدة والتسامح والتآخي.

وبما أن أساس انطلاقته اجتماعية في ظل توجه مباشر منه لجعل البحرينيين في وضع تكويني تكاملي لا يفرق بين جنس ونوع وملة، فإن الفكرة المطروحة بقوة في الملتقى حالياً، هي إشراك مؤسسات المجتمع المدني في الحراك العملي، عبر تبني المحاضرات التوعوية والتثقيفية التي تعزز المواطنة، ونشر ثقافة العمل الوطني المشترك الذي لا يعترف بأية محاصصات أو انقسامات أو تشظ خارج بوتقة المصلحة العامة والمصير الواحد.

كثير من التجمعات المشابهة في السابق فشلت أو أجهضت لتضرر بعض الجهات من وجودها أو لدخول أطراف فيها لإفسادها، ولكن هذا الملتقى يختلف من نواح كثيرة سواء على مستوى الأهداف والتطلعات أو سقف الإصرار العالي لدى منتسبيه لمواصلة العمل ليس في هذه المرحلة العاصفة التي تمر بها البحرين وحسب، بل الاستمرار لضمان الهدوء والاستقرار في علاقة متناغمة ومتجانسة بين كل البحرينيين لسنوات مقبلة.

وحري بالدولة توفير الدعم لمثل هذا الكيان وأي كيان آخر في أي منطقة من مناطق البحرين تجتمع على الهدف ذاته، فما انكسر لا يمكن لجماعة وحدها إصلاحه، وإنما يتطلب تكاتف وتآزر الجميع لتحقيق المصالحة الوطنية وطي صفحة الأحداث التي مرت بنا منذ مطلع العام الجاري.

كل عمل إنساني نبيل يترفع عن اقتناص المكاسب الدنيوية، يستحق أن يشاع ويعلن عنه أمام الملأ، حتى يجمع حوله حشداً كافياً لقطع الطريق أمام دعوات التطرف واتهامات التخوين والعمالة، فهذه المصطلحات التي تركز الأبواق النشاز على ترديدها ليلاً ونهاراً، هي التي تساعد في إشعال فتيل الأزمات ورفع رايات الكراهية والبغض، ولا تنتهي إلا بمواجهة يخسر فيها الجميع ما تبقى من سلم وأمن اجتماعي.

نجاح هذا الملتقى وغيره من المبادرات الوطنية البناءة، يستند على وعي وإدراك قادة الرأي لمسئوليتهم الوطنية في انتشال البلد من محنته وحمايته من الانزلاق في الهاوية، فعندها لن ينفع الندم ولن تُنجي الملامة، فهل هؤلاء يدركون حقاً واجباتهم؟ وهل هم قادرون على نزع عباءة الانتماء للجماعة والفئة والانطلاق إلى فضاء «نحن وأنتم والآخرون» والاعتراف بوجود كل المكونات؟

على رغم كل التشاؤم الذي يلقي بظلاله على الساحة المحلية، فإنني متفائل بقدرة البحرينيين على تجاوز كل الآلام وطي صفحة الماضي، ففي أرواحهم نسائم الطيبة وبشائر المحبة للوافدين والزوار فكيف بأبناء وطنهم الذين يشاطرونهم الدين والهوية؟

وما يستحق ذكره هنا ويجب التركيز عليه، أن المشكلة بين البحرينيين لم تكن قط طائفية، وما يجري من تحريض إعلامي وتحركات بين أزقة الأحياء المختلطة لتأليب الناس على بعضهم البعض، هو أمر طارئ دخيل يصرف الخلق عن تدبير حياتهم والمطالبة بحقوقهم والمشاركة في صنع مستقبل أفضل لهم ولعيالهم، ومن الضرورة الحتمية التصدي لمثل هذه النوايا السيئة والاجتماع على كلمة سواء

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3382 - السبت 10 ديسمبر 2011م الموافق 15 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:46 ص

      الوضع غير الان

      ياخي انا مو متشائم بس مافيه مجال للتفائل كلامك عن شعب البحربن الاولي ماعاد له مكان الان شعب البحربن هجين من المجنسين وباعداد كبيره جدا وتحمل بين اطيافها هجينا لاتعرف راسه من كرياسه تتكلم عن البسيتين والمحرق مثلا تشوف وجوه غريبه تشعرك بالذعر والخوف وكانك
      ليس في بلدك البحربن وهم اساس كل المشاكل والتصعيد الطائفي

    • زائر 1 | 12:48 ص

      كما أن الفتنة اشدّ وأكبر من القتل فإن الوحدة تعد من أعظم الامور

      وكما حذر الله من الفتنة وشدد عقابها كذلك دعى الى الوحدة فقال (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
      ففي الوحدة الخير الكثير يعم الامن والبركات والخيرات
      ولزرع الوحدة يجب اولا وقبل كل نزع بعض ما غرس في النفوس بسبب الازمة حتى تصفوا النفوس وتصبح قابلة لزراعة الوحدة فيها بدلا من الفتنة والانشقاق
      وهذه مهمة الجميع وبالطبع هناك من سيحاول الوقوف عثرة في طريق ذلك نسأل الله ان لا يوفقهم لما يصبون اليه

اقرأ ايضاً