العدد 3410 - السبت 07 يناير 2012م الموافق 13 صفر 1433هـ

مساجدنا ومساجدكم

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لغة يستخدمها البعض هذه الأيام بلا استحياء أو خوف، وهم يتحدثون عن بيوت الله بمقاييس يفوح منها النفس الطائفي والعصبية الإثنية المقيتة. يستبسلون في الدفاع عن حق أصحاب الديانات بممارسة طقوسهم في الكنائس والمعابد، ولكن يؤلمهم كثيراً إلى حد الهذيان، وجود مساجد يصلي فيها إخوان لهم في الدين، لا ينقصهم شيء من الآدمية والحس الإنساني، ولا يختلفون معهم إلا في العقيدة وأسلوب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

يخاطبون الحكومة بوصفهم أوصياء عليها، ويطالبونها بعدم بناء أي مسجد تم هدمه، ويحذرون من أنهم سينزلون إلى الشارع إذا لم تمتثل لنداءاتهم، متناسين أنهم لا يحاربون طائفة أو ملة، بل يواجهون الخالق جل وعلا الذي يقول في محكم كتابه الكريم «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ» (التوبة: 18).

فأين الخشية فيما يطالبون؟ وأي إيمان هذا الذي يدفع المرء للإمساك بقلمه والتحدث بلغة الأرقام معدداً المساجد التي تتبع جماعته والأخرى التي تخص الفئة المقابلة؟ فمتى كنا نتخاطب فيما بيننا بطريقة نحن وأنتم؟ ومن ذا الذي جعل بيوت الله حكراً على أناس دون غيرهم؟ ومن أطلق فتوى بحرمة صلاة المسلم السني إلى جنب أخيه الشيعي في مكان واحد؟ ومنذ متى كنا نحيي شعائرنا الدينية بمعزل عن بعضنا البعض فيما كتب التاريخ تشهد أن هذه الأرض عاش أهلها متحابين متسامحين متآخين لا يحدهم حد ولا تفت عضدهم الشدائد؟

كنا نتوقع أن يصل داء الطائفية والفكر الإقصائي إلى كل شيء، بدءاً من الوظائف والمشروعات الإسكانية ومقاعد الدراسة والخدمات العلاجية والتعليمية وخصوصاً بعد أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011 وما تبعها من تصعيد إعلامي متطرف كسر كل القيود وترك الساحة عارية، تتصدرها خطابات التخوين والعمالة والمطالبة بانتزاع الحقوق من أصحابها، لكننا لم نكن نتوقع أن يُستغل الدين لتحقيق أغراض فئوية ومصالح آنية متخفية تحت شعارات الوطنية والإخلاص والولاء.

من يدعي أنه وحده من قدم التضحيات وبذل الغالي والنفيس من أجل الوطن، فإنه ليس بحاجة إلى المزايدة وتكرار بطولاته على أسماع الناس، فليترك أفعاله تتحدث عن نفسها ولا داعي لأن يذكر الدولة بها ويطالبها برد الجميل.

من يعتقد بأن المواطنة الحقة تتجسد في شخصه وحسب، وما دونه من البشر شراذم لا يستحقون الحياة أو ممارسة عباداتهم التي كفلها الدستور ونصت عليها المعاهدات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، فعليه أن يصحو من سباته وأحلام اليقظة، فكل البحرينيين مهما كانت دياناتهم ومذاهبهم لهم حقوق على هذه الأرض مثلما عليهم واجبات، وليس له أو لغيره أن يحتكر أو يستأثر بالخدمات والمشروعات التي تنفذها الدولة، فالدين لله والوطن للجميع.

لا نلوم من انتقص عقله فصار يهدد ويتوعد ويحارب بيوت الله، بل نأسف على علماء دين من المفترض أن تكون لهم وقفة في وجه الأصوات التي تسعى لإذكاء نار الفتنة وحث الناس على الاقتتال فيما بينهم باسم الدفاع عن المذهب، فيوهمونهم بأن هناك مؤامرة تحاك ضدهم من دون علمهم لإعطاء الآخرين حقوقهم الشرعية والدينية.

ولا بأس أن نذكر من وجب عليهم التصدي للخطاب الطائفي بقوله الله تعالى‏:‏‏»إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ‏» (فاطر‏:‏ 28‏)، فالخشية تستوجب عدم السكوت عن الخطأ ولجم من يريد استغلال الظروف المتوترة التي نمر فيها لتحقيق أهداف غير نبيلة لم تعد خافية على أي حد.

في المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، يصلي كل المسلمين جنباً إلى جنب، كتفاً بكتف، يرتدون الملابس البسيطة ذاتها، لا يفرقهم لون أو عرق، ولا يتميزون فيما بينهم في أي شيء، وكل منهم ينشد المغفرة والرحمة والتوبة ونيل رضا الله تعالى، وخيرهم لدى البارئ أتقاهم وأكثرهم حرصاً على التمسك بالحق والتخلي عن الباطل.

ولم نعهد أن هناك كعبة تطوف حولها جماعة دون غيرها أو مسجد نبوي خاص بطائفة تصلي فيه وحدها، فأساس الدين الوحدة والاجتماع لا الفرقة والشتات، غير أنه وللأسف لدينا من يحلو له الابتداع واختلاق أعراف جديدة يحاول فرضها على الجميع بالقوة، لإلهاء الناس عن مطالبهم الحقيقية وإدخالهم في متاهات معقدة، بدايتها التراشق والتلاسن والاحتراب في الشأن السياسي والاجتماعي، ومن ثم الانتقال إلى خانة التنازع على إعمار بيوت الله وتوزيعها الجغرافي وعددها الكمي.

وأخيراً نقول لمن لايزال مصراً على الوقوف ضد إعادة إعمار المساجد أن يتمعن في الآية الكريمة «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (التوبة: 32)

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3410 - السبت 07 يناير 2012م الموافق 13 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 2:02 م

      الى زائر رقم 9

      كيف توصلت الى قناعة بأن بناء المساجد تم على أرض مغصوبة وهي اغلبها ان لم اقل كلها تم وقفها من قبل اجدادنا وآبانا وحتى قبل ان يتم تخطيط القرى والمدن بالمملكة وهذا مثبت لدى الجهة الحكومية المعنية بالموضوع وهي ادارة الاوقاف وعلى سبيل المثال المسجد الواقع داخل دوار سلماباد .

    • زائر 11 | 9:00 ص

      سؤال ياليت أحصل علي اجابة

      هل يجوز بناءمسجد علي أرض مغصوبة وأمادها بالخدامات المسروقة ؟

    • عبدالله ميرزا | 5:24 ص

      هدم المساجد ظلم

      بسم الله الرجمن الرحيم
      {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة114

    • زائر 9 | 4:50 ص

      يااخي

      يعتقدون اننا نتسابق على الوحدات او القسائم السكنيه التي توفرها الحكومه للمواطنين ولايفرقون بين بيوت الله وهي لله وحده وليست ملك لاحد والسكن العائلي فتخبطو واختلطت عليهم الامور افيقو انها ليست للسكن

    • زائر 8 | 3:52 ص

      ولهم حساب عسير يوم لاينفع مال ولا بنون

      أستاذ أحمد,, في نظرك هل الإسرائيليين اليهود معذورون إذا هدموا مسجد في فلسطين المحتله أو حتى هدموا مسجد القدس,,؟!! بالنسبه لي أعذرهم ولا أستنكر أفعالهم لأننا صدمنا في بحريننا الغاليه,, ولهم حساب عسير يوم لا ينفع مال ولا بنون.

    • زائر 7 | 3:27 ص

      لايضيع البلد

      المساجد لله
      ليس لي مسجد
      وليس لكم مسجد
      وليس لنا مسجد

    • زائر 6 | 2:38 ص

      بلد مسلم شعبه مسلم

      بلد مسلم سكانه مسلمون دينه الاسلام

      تهدم فيه المساجد ودور العبادة وتعمر فيه الفنادق والحانات يهان فيه المصلين ويكرم فيه الغبثين ورواد الحانات ويرحب بهم

      انه بلد على خارطة الدول الاسلامية

    • زائر 4 | 12:21 ص

      الحق يعلو ولا يعلى عليه

      في الصميم ,, احاربون الله وبيوت الله ؟؟ ام البشر؟؟

    • زائر 3 | 11:46 م

      انكار هدم المساجد ثم الاعتراض على بناءها

      استاذ احمد هولاء من يعتروضون على اعادة اعمار بيوت الله المهدومة هم انفسهم من انكروا هدمها في الاشهر الماضية وقالوا لاتوجد مساجد مهدمة فالمعارضة تكذب على الرغم من ان الصور والفيديوهات تتكلم ولا حاجة لاحد ان يثبت ذلك والان وبعد صدور تقرير بسيوني وتوصياته بداوا يعترضون على بناءها حتى اتذكر والكل لا ينسى ذلك المذيع الذي ظهر لنا على شاشة تلفزيون البحرين وقال بلهجته العامية (تقولون هدمنا مسايد الله مافي مسايد مهدومه الا كلهم جينكوات ) تفضل ان كان الاعلام الرسمي هكذا فما تترجى من عامة الناس.

    • زائر 1 | 10:34 م

      ما حكم هدم المسجد في الاسلام؟ظ

      ما حكم هدم المسجد في الاسلام افتونا يا مسلمين ظ خاصة اذا كان الهادم مسلم

اقرأ ايضاً