العدد 3434 - الثلثاء 31 يناير 2012م الموافق 08 ربيع الاول 1433هـ

ما بعد الربيع العربي

علي الحداد comments [at] alwasatnews.com

إن النهج الديكتاتوري الذي اتبعته الأنظمة العربية وغياب الديمقراطية وتردي الوضع الاقتصادي، كانت عوامل أساسية في هبوب رياح التغيير، على يد الجماهير الرافضة لهذه السياسات. ولم تكن هذه القوى مؤدلجة أو خاضعة لقوى سياسية، بل كانت قوى صاعدة تمثل الجيل الجديد الذي استخدم الوسائل الحديثة مثل «الفيسبوك» و «تويتر» والإنترنت للتواصل والتحشيد، للمطالبة بالتغيير وتحريك المياه الراكدة المشبعة بكل ملوثات الظلم عبر عشرات السنين.

وهنا نتساءل: كيف استحوذت القوى السلفية وحركة الإخوان المسلمين على نصيب الأسد في هذه التحركات، وكأنها صانعة لهذه الثورات؟

الحقيقة لم يكن لهذه القوى الدور الأساسي في تحريك هذه الثورات أو توجيهها، إذ كانت هذه القوى لا تتصادم مع الأنظمة، وإنما في حال تعرضها لخطر ما أو تصفية من قبل أي نظام سياسي تبرز أنيابها للدفاع عن نفسها كما حدث في الجزائر ومصر أيام السادات الذي اغتيل على يد أحد الاسلاميين الجهاديين وهو خالد الإسلامبولي. وهذا لا يعني أن هذه القوى لا تملك رصيداً في الشارع وأنها قوة قادرة وجاهزة أمام أي حدث سياسي، ولا يمكننا نكران مقدار نفوذها الاقتصادي في المجتمع وما تملكه من رأس المال عبر مؤسساتها الاقتصادية والدينية، حيث تتمكن من تلبية حاجة الناس وتقديم الخدمات لهم والسعي لإيجاد حل لكل قضاياهم من علاج ومساعدات اجتماعية ومادية ومعنوية، وإرسالهم إلى مناسك الحج وغيرها من الخدمات التي تشمل فواتير الكهرباء والماء وبعض القروض الميسرة، وكذلك الصناديق وجمعيات البر والإحسان الخيرية التي تقوم بالدور نفسه، ما يجعلها قريبة من الجماهير تستعطفها في المواقف الحالكة وتجني ثمارها في المواقف السياسية التي تتطلب حشوداً.

وهذه الإمكانيات لا تمتلكها القوى الليبرالية، بل اعتبرتها وسائل استغلال على حساب وعي البشر، واكتفت بالخطابات الرنانة عبر الصحافة والإعلام وأهملت الآليات التي توصلها للجماهير وتناست همومها مكتفية بآلة الإعلام لتوصيل رأيها. بينما الساحة الجماهيرية أصبحت جزءاً من الماضي وكرصيد سابق تقرأ عنه في الأدبيات والصحافة لتتباكى عليه.

إن القوى الليبرالية والتقدمية في كل أنحاء الوطن العربي إذا أرادت أن يكون لها صدى واسع في صفوف الجماهير، فعليها أن تتعلم دروساً تغني عملها الجماهيري، وأن تبدع في خلق وسائل جديدة تقربها من الجماهير وأن يكون الميدان والأرض عنواناً أساسياً لإيصال صوتهم.

ومن يعتقد أن هذه الثورات التي قلبت موازين القوى في مصر وتونس وليبيا هي آخر الثورات، فليعلم بأنه واقف والحياة تسير. فكل ثورةٍ تنبثق منها عدة ثورات، ثورة ضد الفساد وثورة ضد المافيا المعشعشة في مؤسسات الدولة وتمارس نفوذها، وثورة من أجل رفع سقف الديمقراطية والحريات والانتهاكات الحقوقية، وثورة من أجل البناء والمستقبل.

فالمحصلة النهائية بعد الربيع العربي تتلخص في التالي:

أولاً: الجماهير لا تقتنع بأي نظام سياسي ما لم يحقق طموحاتها، فلا يوجد نظام سياسي قادر على الاحتفاظ بالسلطة إلى الأبد مهما عظمت قوته.

ثانياً: تيار الإسلام السياسي عندما يتسلم السلطة يحتاج إلى تغيير سلوكه الخارجي أمام العلاقات الدولية التي تتطلب توازناً، ولهذا قامت الإدارة الأميركية بإيجاد قنوات اتصال بينها وبين هذه التيارات لتضمن أولاً مواقفها على صعيد المنطقة العربية بعدم المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، وثانياً مقابل ذلك تقديم المساعدات المالية لبناء الدولة ولتأكيد اعتدال هذا التيار على الصعيد الخارجي، أما في حالة التطرف فسيواجه محاولات إسقاطه.

ثالثاً: ستواجه هذه الأنظمة انتفاضات عديدة من أجل إرساء الديمقراطية والتخلّص من حقبة الماضي من الفساد والإرث القديم.

رابعاً: بعد كسر حاجز الخوف وتحريك المياه الراكدة، فإن رياح التغيير لن تتوقف عند البلدان الثلاثة (تونس ومصر وليبيا)، بل ستستمر، ليس بالضرورة من أجل إسقاط أنظمة بل من أجل إصلاحات سياسية كبيرة مثلما حدث في الأردن والمغرب والجزائر ودول الخليج.

وباختصار... إذا لم تعالج هذه البراكين الصغيرة ستتحوّل إلى براكين كبيرة يصعب علاجها

إقرأ أيضا لـ "علي الحداد"

العدد 3434 - الثلثاء 31 يناير 2012م الموافق 08 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً