العدد 3434 - الثلثاء 31 يناير 2012م الموافق 08 ربيع الاول 1433هـ

كرامة العمال ليست للمساومة

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

الشركات الكبرى لم تتباطأ في إرجاع المفصولين، ولم تتجاهل توجيهات القيادة السياسية وتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بل تبوّأت موقعاً يتصدر الدستور، وقفزت على كل مواده الكافلة للحريات، وكبّلتها بسلاسل وأقفال، بأسلوب استفزازي مهين للكرامة الإنسانية.

ففي حين يؤكد الدستور في مادته الثالثة والعشرين على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية»، تأتي شركات لتضع ضمن شروط الإرجاع البند الآتي: «يلتزم الطرف الثاني ويقرّ بالتفرغ الكامل والتام للعمل لدى الطرف الثاني كما هو منصوص عليه في عقد العمل وأنظمة الشركة، كما يتعهد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي سواء بالقول أو الفعل، وفي حالة مخالفته لذلك فإنه يحق للشركة اتخاذ الإجراء التأديبي بإنهاء خدمته من الشركة».

بكل بساطة ووضوح يستشف من هذا الشرط أن التفكير بمنطق الانتقام والثأر من الطبقة العاملة الكادحة في البحرين، لايزال مسيطراً ويمارس في الكثير من الشركات قولاً وفعلاً بلا مواربة أو خوف، وهذه إحدى مخارج انعدام الرقابة والمحاسبة الحقيقية على الأخطاء والتجاوزات لقانون العمل الأهلي، فيصبح نمط التعامل فوقياً على غرار نمط «العبد والسيد»، لا الموظف والمسئول.

هذا التصرف بقدر ما ينم في طياته عن سطوة وتجبّر وتكبر على أبناء الوطن، بقدر ما يعكس ضعف ووهن شديد في شخصية من يمارسه، فإذلال الناس وإهانتهم وإخضاعهم للقبول بالفتات من أجل الحفاظ على مصدر رزقهم والوفاء بالتزاماتهم الأسرية، لا يتناسب مع الحالة البحرينية، فالمواطن عزيز على أهله، ويحظى بكل الاحترام والتقدير من أبناء شعبه، ولا يجوز لأي كان أن يشعره بأنه والعدم سواء، فالله خلق الناس وأعزّهم بالإسلام ونصرهم به، ومن أعزه الله فلا مُذل له.

وحريٌ بمن يتهجم على المفصولين، مُتهِماً إياهم باتباع فلان أو علان، أن يخشى الله فيهم وفي تاريخ ثلة كبيرة منهم تعمل في قطاعات حيوية مهمة، أفنت حياتها وسني عمرها حتى لا يهبط معدل الإنتاج عن مستواه المعهود أو يتراجع اسم البحرين على المستويين الإقليمي أو الدولي.

من قضى في سلك الخدمة مدة تصل إلى 20 و30 عاماً، لا يحتاج إلى شهادة كاتب طارئ في سن أحفاده، يعلمه ألف باء حب الوطن والتضحية من أجله! ومن المعيب أن يأتي شخص موتور ليلقنه قواعد احترام القانون والانضباط في العمل، ولا يليق بشيبته التعاطي معه كمراهق يتأثر سياسياً بدعوات تحريضية تثنيه عن القبول بشروط مهينة مجحفة للعودة.

عقول البحرينيين أنضج من أن تُحشر في زاوية ويحجر عليها، وليس هناك من راشد يملك ضميراً حياً، يقبل أن يغير مسماه الوظيفي وتنسف سنوات عمله ليبدأ كعامل جديد وهو على وشك التقاعد.

ومن ذا الذي يصدق أن مواطناً مفصولاً حرم من مصدر رزقه لمدة تصل إلى عام كامل، يقبل البقاء عاطلاً ولا يبحث عن فرصة عمل بديلة ويرفض الرجوع إلى موقعه السابق؟ فما الذي يدفعه لتحمل كل الآلام والمشقات وضنك العيش والاتهامات بالعمالة والخيانة والطعن في الوطنية إن لم يكن صاحب قضية عادلة ولديه إدراك عميق لحجم الظلم الذي وقع عليه؟

من دافع عن حقه، وحارب من أجل استرجاع قوت عياله، لن تثنيه بضعة أيام بكل ما فيها من مرارة وأوجاع، حتى يحصل على وظيفته السابقة وهو مطمئن على كرامته واستعادة رواتبه المستقطعة طوال أشهر الفصل، والتأكد من أنه سيعامل كترس أساسي في مكنة الإنتاج، لا طاولة فائضة عن الحاجة.

من يحاول أن يثبت قناعاته الكاذبة، بأن قطاعات العمل قائمة على ظهر طائفة أو جماعة أو مذهب، والباقي ما هم إلا أدوات مساعدة، وعوامل غير مؤثرة يجب التخلص منها، يضرب الوطن ليس في اقتصاده والفرص المتاحة أمامه للتعافي والنهوض وحسب، وإنما يستهدف مبادئه وأخلاقه وطبيعة أهله الذين كانوا حتى الساعة عنواناً عريضاً لنجاح التجربة البحرينية محلياً وإقليمياً ودولياً، والتي هي موضع المثل في التعايش والتسامح والتسامي، والانتصار على الأزمات مهما كانت حلكتها وطال مداها وأثرها.

ولا أسى على مثل هذه الأصوات المفعمة بالكراهية، وإنما الأسف على من يستغل خطابهم لإذلال العمال ومعاملتهم كسخرة يستجدون اللقمة، متناسياً أن الحق ينتصر على الظلم ولو بعد حين

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3434 - الثلثاء 31 يناير 2012م الموافق 08 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:45 ص

      لا فض فوك رائع ياولد الصفار

      كتبت بالضبط مافي نفسي والله إن هولاء يضربون بعرض الحائط القانون الإلهي قبل القانون البشري ويتصرفون في مواقعهم الإدارية كملاك وأصحاب إرث وليس مسئولين وسيحاسبون، متى ياربي تأخذ حق زملائنا وزميلاتها المفصولين والمفصولات، يالله فرج ليهم بسرعة يارب والله يكون في عونهم وسامحونا لأننا مقصرين معكم

    • زائر 5 | 7:57 ص

      محب ابي تراب: صمود حتى نعود

      سنبقى صمودا لحتى نعود
      ونرفع شعارا صمود صمود
      وان اخلف القوم كل الوعود
      وان خاب سعيهم و الجهود
      ابشرك اليوم رغم القيود
      ورغم العوائق رغم السدود
      ورغم المعاند رغم الجحود
      ورغم الوشاة ورغم الحسود
      سنظهر عزما يفوق الحدود
      لنبقى صمود لحتى نعود
      نعود الى الشغل رغم القيود

    • زائر 3 | 3:35 ص

      لا نملك سوى العزة والكرامه

      ليعلم مدراء البا ان العمال لا يملكون فى هذه الدنيا الا عزتهم وكرامتهم ولذلك لن يتخلى العمال عن عزتهم وكرامتهم ولن يساومو عليها قبال العودة المجحفه وكفاكم تغطرس على من بنى هذا الصرح الشامخ بكل ما يملك من قوة فى العطاء وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    • زائر 2 | 1:39 ص

      الكرامة منحة من الله ولم يعط لأحد من عبيده التنازل عنها

      ذلك هو ما فهمناه من ديننا الحنيف ان كرامة الانسان

      شيء غير قابل للمساومة عليه فهي منحة الله الكبرى لبني البشر ومن يجعلها مجال للمساومة والمحاباة

      فهو يرتكب كبيرة

      .....

    • زائر 1 | 12:59 ص

      صباح الشموخ يا صفار

      العمال يرجون الكرامه من من يوليدي تدري الشاعر شيقول


      ولا ترجو الكرامه من لئيم قضاه العمر في طلب المحال
      يوليدي فاقد الشي لا يعطيه اللي ضميره ما يقوم مقام لجام الحصان من النفس يكبحها عن عمل الخطا ويوجهها الى درب السنع

اقرأ ايضاً