العدد 3453 - الأحد 19 فبراير 2012م الموافق 27 ربيع الاول 1433هـ

«ما بعد الربيع العربي»... ارفع رأسك

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الربيع العربي أكمل عامه الأول، وكثيرٌ من الجدل يدور حول «ما بعد الربيع العربي». البعض وصفه بالربيع الدموي، والبعض وصفه بربيع الشعوب، لكن ما هو أكبر أن العام 2011 عامٌ فارقٌ في حياة العرب، وأن الربيع العربي هو أجمل حدث شهده الوطن العربي منذ ثورة 23 يوليو 1952. فالعالم العربي منذ انطلاقة الربيع العربي لم يعد كما كان قبله، ولن يعود إلى عقود مديدة من الركود والانحطاط.

المهم في الربيع العربي ليس إسقاط أنظمة استبدادية ويهز بعنفٍ أنظمة أخرى في طريقها إلى السقوط، ولكنه أسقط قناعات أضحت مسلماتٍ كالصخور على صدر المواطن العربي، أو المخدّر الذي شل أعصابه وقدرته على التفكير.

كان المواطن العربي العادي يعيش يوماً بيوم، يحاول تدبير أموره الحياتية، وتجنب الاصطدام بالسلطة وأمنها. يعيش تحت رحمتها كرعية وليس كمواطن.

يمشي مطأطئ الرأس، يتلفت يمنةً ويسرى، ليعرف إن كان مراقباً، يتكلّم بحذرٍ في الهاتف، وينتقي كلماته بدقة حتى لا تفسر أنها تحريض على النظام أو الإساءة إلى سمعة المسئولين، أو تشويه صورة الدولة الناصعة.

أكبر إنجاز للربيع العربي هو كسر حاجز الخوف من أجهزة الأمن والمخابرات المرعبة. الشباب والشابات يواجهون بصدورهم رجال الأمن المدجّجين بالسلاح. يسقطون بالرصاص ولا يتراجعون. يدخلون إلى السجون بسمعتها الرهيبة من تعذيب وعزل ومعاناة غير خائفين.

لأول مرةٍ تنخرط الملايين من الشباب والنساء والناس المهمشون في معمعان النضال. لأول مرةٍ يعمد الناس العاديون أنفسهم بأنفسهم دون قيادات تاريخية أو أحزاب عريقة، يجمعهم التوق إلى الحرية، بدون إيديولوجية، ومن مختلف الطبقات والأديان والمذاهب والأعراق.

تملك الملايين من العرب حلماً قديماً طالموا تاقوا إلى تحقيقه، الحرية، العدالة، الكرامة، العيش في وطن ينتمون إليه وينتمي إليهم، وطنهم فيه مواطنون لا ضيوف، وطن يجمعهم اختياراً لا قسراً.

لقد أشعل محمد البوعزيزي جسده ليضيء الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، لينتقل الضياء بسرعة البرق من المحيط إلى الخليج. باغتت الثورة الأنظمة الهرمة، التي اطمأنت إلى قدراتها الفائقة على ترويض الشعب، فسقطت كجدار من الطين.

استنفرت الأنظمة الاستبدادية، وشحذت أسحلتها بإشهار سيف المعزّ وذهبه. عملت على رشوة المواطنين بالمكرمات الطارئة وفي الوقت ذاته أطلقت وحش القمع من عقاله. عملت على احتواء الحريق الذي أشعله البوعزيزي في عقر دار الثورات المنتصرة محاولة إجهاضها بمختلف الوسائل بدعم القوى الظلامية، والتلويح بالخنق. والانخراط في تحالف دولي إقليمي لاحتواء الربيع العربي.

الربيع العربي، كما حمل آمالاً كبيرة، فإنه حمل مخاطر أيضاً وإمكانية إخفاق هنا وهناك، وتراجع هنا وهناك. أخطرها الانشقاق في صفوف الشعب وقوى الثورة أو التغيير التي صنعت التغيير والعودة إلى الاصطفافات العقائدية والحزبية القديمة أو الجديدة، والمواجهة فيما بينها، واستقواء كل طرف منها بالقوى الخارجية مادياً ومعنوياً. وحتى في ظلّ خلافات مستجدة في مرحلة ما بعد انتصار التغيير أو الثورة، فيجب أن يكون في حدود التعايش والحرص على الثورة. هذا هو ما حدث في تونس، التي تتقدم بثقة، وهذا ما لم يحدث في مصر ولذا فهي تتأرجح بين التقدم والتراجع... وقس على ذلك.

يتمثل الخطر الثاني في طغيان الأغلبية على الأقلية، خصوصاً أن هذه الأغلبية قد تكون نتيجة ظرف طارئ، واختيارات ناخب يذهب لصندوق الاقتراع لأول مرة بعد عقود من الحرمان والتجهيل، فيختار من يدغدغ عواطفه أو يقدّم له العون لينتشله من بؤسه.

الخطر الثالث في محاولة حرق المراحل، ويتمثل ذلك بعدة أوجه، كتحطيم مؤسسات الدولة وبنيتها دون بناء البديل الصحيح، ومحاولة انتزاع الحقوق الاقتصادية دون وجود موارد تلبيها، والإكثار من الإضرابات والمظاهرات لمطالب قد تكون مشروعة، ولكنها تتسبب في شلّ الإنتاج وتدهور الثقة في الاقتصاد، مفاقمةً بذلك أزمة قائمة، وهو ما انعكس وبالاً على الإنتاج والسياحة في مصر وتونس.

قد تكون التجربة التونسية هي أنضج تجربة عربية في التغيير الناجح، فقد تجنبت المنزلقات التي ذكرناها وغيرها، وها هي عجلة الاقتصاد تدور والاستقرار يتوطد. ومن المبادرات الإيجابية للرئيس التونسي الجديد المناضل من أجل حقوق الإنسان المنصف المرزوقي، هو مبادرته لإحياء الاتحاد المغاربي، ليشكّل فضاءً للتعاون والتقدّم لصالح شعوبه، بدل المواجهة واستنزاف الطاقات والموارد حالياً، ولعدم الارتهان إلى القوى الخارجية وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، وللتعاطي مع العالم الخارجي من موقع القوة.

الربيع العربي مستمر في ظل عقبات كأداء، ومقاومة مستميتة لأنظمة لم يدرك إلا القليل منها أنها لا يمكن أن تواجه صحوة شعوب وعت قدرتها وهدفها، وتحالفات إقليمية ودولية، وإن رحّبت في البداية بصحوة الشعوب باعتبار مطالبها مشروعة، إلا أنها استشعرت خطورة شعب عربي حر الإرادة.

من المهم عدم اليأس والإحباط للإخفاقات والمعاناة، وعدم الإغراق في الخيال، فالتغيير تصنعه الإرادة والخطة الذكية، وتحالف القوى، واستنهاض الشعب بكل مكوناته

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3453 - الأحد 19 فبراير 2012م الموافق 27 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:47 م

      مختصر الثورات...

      مختصر مفيد للثورات العربية بعد عدة أجيال من الاستبداد وحكم العسكر وتغييب الارادة الشعبية!!وشكر جزيل للكاتب المحترم لتحليله وقراءاته الثاقبة للمسرح السياسي الاجتماعة للمسرح العربي المرير....

    • زائر 2 | 1:47 ص

      مقال جميل جداً

      يسلم قلمك وأقلام كل المعتدلين في هذه الجريدة الغراء

اقرأ ايضاً