العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ

أول الغيث قطرة

عبدالله الملا abdulla.almulla [at] alwasatnews.com

ليس من الغريب أن تجد شابا وضع على زنده وشما يحمل صورة المغنية الفلانية. وليس من العجب أن ترى آخر لبس قميصا رسم عليه مغني الروك «بوب» وكتبت على أطرافه عبارات مقززة. وليس من الغرابة أيضا أن يمر عليك شاب، وقد فتح الراديو أو وضع شريطا لا تسمع منه إلا طبولا وأصواتا تتعالى كأنها الجمال «الزعلانة» أو الخيول الشاردة وهو يتمايل بتمايل السيارة يمينا وشمالا ويخرج رأسه تارة، ويدخله تارة أخرى، والسيجارة على طرف فمه، والأرجح أنه لا يدري ما الذي يحتويه ذلك الشريط.

كل ذلك أصبح عاديّا... كيف لا ونحن في عصر الانفراج وغياب الرقابة الذاتية.

نحن لسنا بصدد لوم هؤلاء الشبان ولا الحكم على فعالهم، فمن الجميل أن يكون للمرء رمز يقتدي به، يحمل أفكاره، ويقلد فعاله ويحفظ أقواله، والحياة مليئة بالرموز القومية والثورية والأدبية والسياسية والدينية وما علينا إلا أن نتخير من بينها. ولكن ذلك لا يعني أن نتخذ كل من «هب ودب» ليكون لنا مثالا وعنوانا نمشي في ظله.

ولابد أن نعرج في هذه العجالة على فترة محورية وهي الفترة التي دخلت فيها الأغاني الأجنبية سواء عن طريق الراديو أو التلفاز أو حتى أشرطة «الكاسيت» والفيديو، إذ أدخلت معها قذارات الحضارة الغربية وانتشرت أسماء الكثير من ملوك «الروك» وصورهم، واعتاد الناس بعد ذلك مشاهدة شباب يلبسون لباس المغني الفلاني ويسرحون شعرهم مثله، بل ويمشون مشيته ويتحدثون بالعبارات التي يستخدمها في أغانيه وأصبح أمثال هؤلاء قدوة للشباب التائه.

وفي فترة من الفترات اختفت موضة «اللوفر» وهي الكلمة التي تعودنا مناداة من خرج عن نطاق العادات والتقاليد وانسلخ من جلده بها، ولربما اختفت من الشكل العلني فلم نعد نشاهدها في الطرقات، ولكنها اتخذت منحى أخطر من سابقه، فلعلك ترى شابا يبان من مظهره سويّا ولا يشوبه أي خلل، ولكنه يحمل في طيات ذاته أفكارا مسممة. ولعل تغير الزمان غيّر معه موضة القدوة، ففي السابق لم نكن نرى سواق الدراجات النارية بالشكل الحالي، ولكن مظهر الدراجات وبأعداد كبيرة أصبح مألوفا لدينا، ومشاهد السيارات «الملغومة» وأصواتها المزعجة وألوانها المتعرجة لم تعد بالشيء العجيب. لباس الممثل الأميركي وخوذته ونظارته الشمسية أصبحت مثالا للشباب، والخيط الملتف حول الخصر أو الحزام المتدلي للأسفل غدا موضة للشبات والمقبل أكثر غرابة!.

وشر البلية ما يضحك، فبعض الشباب يفتخر باتخاذه للشاذ الفلاني قدوة، بل ولا يرضى إن حاججه أحد في هذا الشخص، وكيف يحاججه وقد أصبح بالنسبة إليه شخصا مقدسا. لا بأس أن نحترم الأشخاص لكن في الوقت نفسه يجب ألا يعني ذلك الاحترام المفرط الذي يوصلنا إلى مرحلة التقديس، ولا بأس بتبني بعض الأفكار والثقافات بل ولا بأس باحترام الثقافات مهما كانت. ولا أبالغ عندما أقول إننا جميعا نحترم غاندي، لكن يجب ألا ننسى أن غاندي يقول: «أقبل أن تدخل بيتي كل الثقافات، ولكني لا أرضى أن تخرجني منه».

قبل أن نتخذ من هذا الشخص أو ذاك قدوة، لنرجع ساعة إلى أنفسنا ونتساءل ماذا قدم إلينا وماذا يعني لنا؟ وعجبنا ممن يضع على قميصه غريبا عنا لا نعرف عنه إلا ما كتب في وريقات! أليس النبي محمد (ص) أولى بالاقتداء؟ وإن كان ولابد أن نضع صورة شخص ما، فهناك المئات على الساحة، هناك عبدالناصر، وهناك عمر المختار، وهناك عبدالرحمن الباكر وغيرهم، وجميعهم متوافرون بالصوت والصورة وهم أولى أن نحمل صورهم في قلوبنا وأن نحتفظ بأفكارهم في عقولنا

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"

العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً