العدد 3462 - الثلثاء 28 فبراير 2012م الموافق 06 ربيع الثاني 1433هـ

عُمان التي تختزن أسرارها

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

للوهلة الأولى تبدو عُمان الفتية مستيقظة للتو بين أمواج المحيط، لمَ لا وهي نقطة التقاء حضارات الشرق القديمة بين طريق الحرير في الصين وبلاد ما بين النهرين والهند وحتى شرق البحر المتوسط ووادي النيل. تبدو غامضة بمخزون أسرارها المكنونة في مساحات الأزمنة والأمكنة التي تتخللها الوديان ومنحدرات سلاسلها الجبلية حيث تعانق القمم وهج الشمس فتحتضن حكايات الإنس والجن بين الصخور، في الحفريات والجداريات.

عُمان لا تثرثر عن نفسها وانجازاتها كثيراً، واثقة لا تنشر لوحات إعلانات وصور قادتها كالفطر في جاداتها وشوارعها، لا تسوغ للعُمانيين ما لا تقوى على القيام به. إنها المدينة الأكثر صمتاً وربما الأقل فساداً بحسب بعض التقارير الدولية لكنها الأكثر دهاءً على المستوى السياسي.

تعمل بهمة وتواضع، ارتكازها في ذلك على منظومة قيم وأصالة يتلمسها الزائر عند أهلها، فالبساطة والطيبة سمة للإنسان العماني على رغم غزوات العولمة وثقافة الاستهلاك.


اللبان الظفاري

عبق التاريخ يستحضر أحداثه أينما تيمم وجهك وأنت تتنشق روائح بخورها المعجون باللبان في أسواقها الشعبية، تشاهد انتصاب الحصون والقلاع المطلة على سواحل البحر والوديان فتسرد عليك حكايات الغزو ومقاومة العمانيين وطردهم للمستعمرين، كما تستحضر إليك قصص المعتقلين في «قلعة الجلالي» وعذاباتهم فضلاً عن أسوار مدينة مسقط ووديانها وصخورها المدهشة التي نحتتها وشكلتها الطبيعة الجبلية الساحرة، قيل إنها كانت الخط الدفاعي عن المدينة وأهلها. وإن أمعنت النظر في تجوالك ستجدها تضم العديد من البيوت الأثرية التي تحتضنها شواطئ المياه الصافية حيث تعانق أمواج البحر الصخور دون حواجز الأملاك الخاصة وعلى جنبات طرقاتها وزواياها تنتصب شجيرات القرم.


دولة «مجان» و «مزون»

عُمان هي ذاتها التي أطلق عليها قديماً «دولة مجان» كما وردت في الصحف السومرية والآشورية والبابلية والفارسية القديمة، وهي نفسها في اللغة الآرامية تعنى «الشرق»، وتعني «مزون» المشتقة من كلمة «المزن» والمزن هو السحاب ذو الماء الغزير المتدفق، وهي ذاتها مدينة مادة اللبان الذي اشتهرت به «ظفار» قبل اشتهار «ثورتها» إذ تروي شواهد التاريخ أن ملكة سبأ اعتادت تقديم هذا اللبان للنبي سليمان (ع)، ودوّن المؤرخون ممن توغلوا في تاريخها أن أناسها احترفوا التجارة والزراعة وصيد الأسماك. كما تشير روايات أخرى إلى نزوح قبائل عربية كثيرة إليها بعد انهيار سد مأرب العام 120 ميلادية، وأولى هذه الهجرات كانت لقبيلة «الازد» التي تنتمي إليها أسرة البوسعيدي الحاكمة.

الذاكرة الجمعية العُمانية معمرة وعريقة تعكسها شواهد الصخور والأحجار والمعادن التي اشتغل عليها العماني، حيث أثبتت نتائج الحفريات أن النشاط البشري فيها مر بعصر الهليوسين الألف الرابع ق.م والعصر الحديدي والبرونزي وحضارة وادي الأندس العام 2500 ق، كما ارتبط بالبحر سفراً وصيداً وتبادلاً تجارياً وبالأرض تعديناً، فبرزت لمساته على حجر «الكوارتز» ببريق حبيباته الفضي كالماس، والكروم بصخوره البلورية والنحاس الذي تصدرته صناعة السيوف والخناجر وتزامن مع صناعة الأواني الفخارية وغيرها مما أخذ طابعاً مميزاً.


استقلال عُمان

في العام 1650 طرد العُمانيون البرتغاليين، وحكم السلطنة قابوس بن سعيد آل سعيد بعد الإطاحة بحكم والده في انقلاب عسكري العام 1970، وبمقتضى قرار سلطاني يتولى حكم البلاد ورئاسة الحكومة ويشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والشئون الخارجية والمالية كما يقوم بتعيين ورئاسة مجلس الوزراء.

مرت السلطنة بإصلاح سياسي محدود في السبعينيات، تأسس في ضوئه مجلس للشورى العام 1991 عوضاً عن المجلس الاستشاري للدولة وصدر إثره «الكتاب الأبيض: القانون الأساسي لعمان» العام 1996، وهو بمثابة الدستور بما يشتمل عليه من أحكام دستورية وبرلمان يضم مجلسين تشريعيين. مجلس عمان، ومع انه يمنح المواطنين بعض الحريات المدنية ويحظر التمييز، إلا ان هناك قيوداً على حرية الصحافة، وحظر توجيه أي نقد مباشر لرأس الحكم، ما يجعل المحللين يعتقدون بأن أكبر تحد رئيسي يواجه عُمان اليوم يكمن في تدنى مستوى الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير.

الديمقراطية وربيع عُمان

في إطار تطوير التجربة الديمقراطية أنشئ العام 1997 مجلس عمان «البرلمان» الذي يتكون من «مجلس الدولة» (57) عضواً معينين من السلطان، أما المجلس الثاني فهو «مجلس الشورى» كهيئة استشارية لا تتمتع بسلطات تشريعية ملزمة، ويتم انتخاب أعضائه الـ(83) من خلال الاقتراع كل أربع سنوات، علماً بأن الاقتراع لم يصبح شاملاً لكل المواطنين إلا العام 2003. كما لا يجوز الجمع بين عضوية مجلسي الشورى والدولة أو الوظائف العامة، ورئيسه يعين بمرسوم سلطاني، وللرئيس نائبان ينتخبان وكذلك أعضاء مكتب المجلس، وثمة اختصاصات وصلاحيات يمارسها تتعلق بمراجعة مشروعات القوانين قبل إصدارها، باستثناء القوانين المرفوعة مباشرة إلى السلطان، ويقدم توصياته واقتراحاته في مشروعات القوانين المحالة إليه إلى مجلس الوزراء ويمارس تلك الصلاحيات واختصاصات عبر آليات كالأسئلة، وإبداء الرغبات، وطلبات المناقشة، والبيانات والتقارير الوزارية، وقد بلغت كتلته الانتخابية الأخيرة ما نسبته (33 في المئة) من السكان، بيد أن ذلك لم يمنع الحظر على تشكيل الأحزاب السياسية، أما حق التجمع والتظاهر وتشكيل جمعيات فمحدودة للغاية، ولا يوجد أي منظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان أو حقوق المرأة ولا نقابات عمالية، وحرية التعبير عن الرأي والمناقشات الديمقراطية محدودة للغاية.

وعليه فمن الطبيعي أن تتأثر عُمان برياح التغيير العربية، فجاء احتجاج شبابها في 25 فبراير/ شباط 2011 حيث رفعوا مطالبهم الإصلاحية التي عولجت أمنياً في البداية، إلى أن تم تداركها بمجموعة إصلاحات تشريعية وإدارية هنا وهناك، تمثلت بمنح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية أكثر بموجب مرسوم سلطاني رقم 99/2011 إذ نصت التعديلات على صلاحية مجلس الشورى في انتخاب رئيسه واستجواب الوزراء بطلب 15 عضواً وإحالة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى المجلس لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها مباشرة إلى السلطان لإصدارها. ولجهة الخدمات رفع مخصص دعم برامج الإسكان إلى 80 مليون ريال عماني سنوياً، واتسعت مظلته لتشمل 4800 أسرة سنوياً، وعدلت المداخيل الشهرية واعتمد هيكل تنظيمي لجهاز المراقبة المالية والإدارية بالدولة وغيرها.


إصرار على إصلاح جذري

لكن وعلى ما يبدو لم تأتِ الإصلاحات السابقة بثمارها في إخماد جذوة الاحتجاجات الشبابية، فجاء الإصرار على المطالبات الحقوقية المدنية والسياسية بشكل فاقع هذه المرة، أبرزها: فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية؛ فضلاً عن السماح بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية ونقابات مهنية، ودون تدخل السلطة التنفيذية في عملها، وإعطاء مجلس الشورى صلاحيات تشريعية كاملة، والحق في منح وحجب الثقة بوزراء الحكومة وإلزام أعضاء السلطات الثلاث من وزراء وبرلمانيين وقضاة بتقديم براءة الذمة المالية عند التعيين وعند إنهاء الخدمات، وتقييم الأداء الحكومي للأربعين سنة الماضية، ومحاسبة الفساد والمفسدين، وكفالة حرية التعبير والتظاهر والتجمع السلمي... إلخ.

حقاً إنها كتلة تحديات كفيلة بوضع عُمان على صفيح ساخن ولاسيما ان أدرك المتابع طبيعة حراك السلطنة ودورها واستقلالية قراراتها السياسية حتى في إطار عضويتها بمجلس التعاون الخليجي، موقفها من «العملة الخليجية وغيرها» نموذجاً، إلى جانب خصوصية بعض علاقاتها مع دول الإقليم وبما يترافق من انعكاسات للتهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق مضيق هرمز في حال الاعتداء عليها، إلى جانب علاقتها التاريخية مع بريطانيا وأميركا وما تتحمله من أعباء والتزامات تجاههما. كل هذه العوامل قد تشكّل إرهاصات قد تساهم في هزّ الاستقرار الظاهري وتجعل من دولة «مجان» و «مزون» في مرمى النيران والأعاصير ما لم يلج العُمانيون سريعاً في ممارسة ديمقراطية حقيقية تليق بتاريخ السلطنة ودورها الحضاري، وتشكّل سداً منيعاً تماماً كما شكلت جبالها خط دفاعها الرئيسي ضد الغزاة

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3462 - الثلثاء 28 فبراير 2012م الموافق 06 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 2:38 م

      سلطنة الحكمة و التواضع

      لازالت عمان قائداً و شعباً يضربوا الأمثال للبلدان العربية قاطبة في الحكمة و الأصالة و الرضى. لقد احتلت عمان المرتبة الاولى لاكثر الدول تطوراً خلال الأربعون عام الماضية و كذلك احتلت المرتبة الاولى لتنمية القوى البشرية عالمياً لهو اكبر دليل على سلامة الاستراتيجية الهادئة.

    • زائر 14 | 7:50 ص

      عمان وشعبها تقول لكم يا هلا فيكم جميعا

      ليس بغريب عليكم شعب البحرين فنتم في قلوبنا
      وشعب الخليج ككل
      وعمان وشعبها يحتضنكم
      حفظك الله يا مولاي السلطان قابوس
      وحفظ سيدي جلالة الملك حمد
      وشيوخ الخليج يارب .

    • زائر 13 | 7:31 ص

      اه ياعمان

      اه ياعمان انتي من ملكتي قلبي ، فقد زرتها عدة مرات ،،، ولكني وجدت شي مذهل ، شعب مضياف وبلد نظيف وتلاحم بين المذاهب ،، اين تجد هذا ، شكرا لقائدهم وشكرا لاهل عمان

    • زائر 12 | 6:23 ص

      اللهم اجمع قلوب المسلمين

      نسأل الله ان يجمع شمل المسلمين وان ينصرهم على اعداءهم ، ونسأله ان يحفظ عمان واهلها وسائر بلاد المسلمين... قول آمين.

    • زائر 11 | 4:48 ص

      عمان والديموقراطية الاسلامية

      من يريد معرفة السبب وراء التميز العامني فعليه بقراءة كتاب """ عمان والديموقراطية الاسلامية """" للدكتور حسين غباش
      حيث بسط في كتابه المذكور القيم الدينية والثقافية السياسية التي امدت النظام السياسي العماني المعاصر بما جعلته قادرا على التميز في الرؤية والاهداف والانتاج

    • زائر 10 | 4:35 ص

      اللهم احفظ بلادي عما الحبيبة

      عمان ترحب بكل أشقاء العالم

      فهية بلاد الامن والامان

      الله يحفظ جلالة السلطان

    • زائر 9 | 4:17 ص

      الله واكبر

      بالد التسامح بين المذاهب
      فالاباضي والسني والشيعي تجدهم في نفس الصف لأداء الصلاة وليس بينهم حقد على مذهب الاخرين فهم كلهم مسلمون ولا فرق بينهم

    • زائر 7 | 1:28 ص

      عمان يا اجمل بلاد الخليج والعرب قاطبة

      عمان وما ادراك ما عمان بها تسامح ديني
      كبير وعجيب السني مع الشيعي مع الإباضي والإباضي مذهب اهل عمان
      اناس محترمون يكرمون ضيفهم
      يكفيهم شرفا ان رسول الله محمد دعا لهم اللهم ارحوم اهل الغبيراء آمنو بي ولم يروني شرفا ليوم القيامة
      في عمان اكثر من 500 برج وقلعة
      بلاد الهدوء والجمال والسكينة
      الهم احفظها

    • زائر 4 | 2:25 م

      ؟

      انقلاب عسكري؟؟

    • زائر 3 | 1:23 م

      عمان قوية بحكمة جلالة السلطان

      عمان قوية بحكمة جلالة السلطان ، هذا الزعيم العربي من الزعماء القلائل محب لشعبه حريص كل الحرص على تلبية متطلبات العمانيين ويوجد في عمان حرية رأي قل نظيرها في الدول العربية وتعتبر من الدول العربية القليلة آلتي بها استقلال تام للسلطة القضائية .

    • زائر 2 | 8:58 ص

      لا إله إلا الله

      خير إن شاء الله
      سنتغلب على كل الصعاب بتوفيق من الله وبحكمة جلالة السلطان قابوس يحفظه الله ,,,
      اللهم أحفظ قادة وشعوب ودول الخليج العربي
      اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين

    • زائر 1 | 12:55 م

      تعظيم سلام لجلاله السلطان قابوس بن سعيد

      يبنيتي عدت البارحه من مسقط الساحره وامس بلذات تجلت حكمه السلطان وذكائه اذ يصادف امس ذكرى اندلاع الاحتجاجات التى لم تدم طويلا تداركها السلطان بتغيرات جذريه اطاحت بوزراء وشخصيات كانت تتعاقب لسنوات على تضييع ليس امال العمانين فقط كشعب ولاكن خيبت امال جلالة السلطان كحاكم يتمنى الخير والتقدم لعمان والعمنين فوضع يده الحكيمه على ضع الداء فكانت الدواء هنيئا للعمانين المهرجانات والافراح التي عمت عمان طيله الاسبوع الجاري وفي المدينه التراثيه بلتحديد وكل عام وعمان واهلها الطيبين بالف خير....ديهي حر

اقرأ ايضاً