العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ

خياطة الشكر

عمران الموسوي comments [at] alwasatnews.com

.

الرئيس جورج واشنطن، الذي حكم أميركا في العام 1779، هو أول رئيس أميركي، ومنذ ذلك الحين، تناوب على رئاسة أميركا 44 رئيساً، حتى جاء دور الأسمراني السيد أوباما، ولو لخصنا عدد رؤساء الحزبين الرئيسيين اللذين استحوذا على إدارة شئون الولايات المتحدة الأميركية لتبين لنا أن الحزب الديمقراطي، ومنذ توماس جفرسون الذي ترأس الحكومة في العام 1801 حتى العام 1809 وحتى الأسمراني باراك أوباما نرى أن هناك ما بين الحزبين 18 رئيساً جمهوريّاً منهم: جورج واشنطن، وجون آدامز، زكاري تايلور، وميلارد فيلمور. أما الديمقراطيون فكانت البداية من توماس جيفرسون من العام 1801 حتى 1809 مروراً بجيمي كارتر حتى وصول الأسمراني السيد أوباما العام 2009.

ومنذ بداية الانتخابات الأميركية وحتى يومنا هذا، كانت المنافسة على أشدها للدخول إلى البيت الأبيض ومن ثم التربع على عرش أكبر قوة اقتصادية في الكون، لذلك تكون المنافسة شديدة وشرسة وتتطلب موازنات كبيرة للمرشحين حتى يتمكنوا من الحصول على المنصب وإلا تكون في غاية الصعوبة والتعقيد، لذلك نرى أن الشركات الكبيرة هي التي تقوم بتمويل الحزب ودفع معظم المصاريف التي تتكفل بها لكسب المعركة الانتخابية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: الأسمراني أوباما كلفت حملته الانتخابية الأخيرة مبالغ طائلة بلغت قرابة سبعمئة وثلاثين مليون دولار للفوز بكرسي الرئاسة.

وهذه الموازنة تدفع للمرشحين وفق خطط مدروسة وبعناية فائقة، ومتى ما أصبح رئيساً؛ فإن الشركات التي قدمت التمويل تصبح هي التي تحدد معالم السياسة العامة لأميركا، فهي التي دفعت، وهي تحملت المصاريف كافة لجعل الرئيس يتغلب على خصمه من الجولة الأولى.

فأميركا، وهي من القارات الحديثة مقارنة بآسيا وإفريقيا وأوروبا، هي المسيطر على العالم وبامتياز ويرجع الفضل في ذلك لإمكانياتها العسكرية والاقتصادية وتطور التقنيات الطبية والأنترنتية والاتصالات بسرعة فائقة، لذلك من الصعب اللحاق بها.

إذن لكم أن تتخيلوا أن أميركا لوحدها وتعداد سكانها لا يتجاوز الـ 400 مليون لديها ناتج أو دخل قومي يفوق 6 الدول الأخرى (الصين، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا)، ففي أميركا والتي لا يتجاوز تعداد سكانها الـ 400 مليون نسمة أصبح دخل الفرد فيها 48 ألف دولا سنويّاً بينما دخل الفرد في الصين لا يتجاوز 8000 دولار هذا التفاوت الكبير بين أكبر قوتين اقتصاديتين لمؤشر على أن المارد الذي استيقظ أخيراً بحاجة إلى عمل دؤوب للحاق بما وصلت إليه أميركا، فهي المسيطرة على أهم الصناعات في العالم من طائرات مدنية وعسكرية وبارجات وأسلحة وصناعة سينما وترفيه متسيدة العالم فيها وفي غيرها من الصناعات الأخرى.

هذا الكيان العملاق شهد أخيراً احتجاجاً مشابهاً تماماً لما حصل لنا في ميدان التحرير في أرض الكنانة، وهي المرة الأولـى في التاريخ الحديث نرى أمماً متحضرة تحذو حذونا وتقلدنا في أمرٍ في غاية الأهمية وهو الحصول على العدالة الاجتماعية كاملةً بين فئات الشعب، ولعلمي فإن المرة الأولى التي استطعنا فيها أن نغزو الأسواق العالمية كانت قدرتنا الفائقة على نشر تدخين الشيشة وجعلها حاضرة ومتواجدة في الكثير من المقاهي الأوروبية والأميركية.

الاحتجاجات التي شهدها شارع وول ستريت كان شعارها: نحن فئة أو جماعة الـ 99 في المئة، قد يسأل سائل ما المقصود بهذه النسبة، هل هذه الفئة تتوق إلى نسبة نتائج انتخابية متساوية مع النتيجة الناصرية «انتخابات جمال عبدالناصر أيام زمان» أم أنهم يأملون ويتمنون شيئاً آخر؟!.

من خلال المتابعة وقراءة مطالبة هذه الفئة تبين لنا أن هذه الفئة لا يستهان بها من مكون الشعب الأميركي، هذا البلد الذي يدعي الديمقراطية وحقوق الأنسان ويؤمن بالتعددية وتوزيع الثروات وفق عدالة مدنية مدروسة، هذا البلد خرجت منه فئة ترى فيه أن العدالة الاجتماعية منقوصة وتحتاج إلى إعادة النظر فيها، وأن الفئة ترى وتعتقد أنها ظلت سنوات طويلة مهمشة فعلياً على رغم نسبتها العالية وهي الـ 99 في المئة، بينما فئة ضئيلة جدّاً تتحكم في مصائر العباد ولا تزيد على1 في المئة.

وللرجوع إلى عنوان المقالة «خياطة الشكر»، نحن من جيل الخمسينات من القرن الماضي، كنا أيام زمان لا نعرف أحداً يجيد الحياكة ولديه المهارة الكاملة في إتقان حياكة البدلات الرجالية وجعلها مفصلة ومضبوطة بحسب المقاس مثل خياطة الشكر، لذلك كنا نتسابق للذهاب إليه قبل الأعياد حيث كانت البدلة لا تحاك إلا في هذه المناسبة، لذلك لا نغامر بالذهاب لأيٍ كان عدا أخينا الشكر؛ فهو الذي يجيد حياكة البدلات ويضبط المقاسات بمهارة عالية.

هذا الإتقان في حياكة البدلات هو المطلوب من ديمقراطية الرئيس الأميركي المنتخب، ففي الولايات المتحدة وما يعرف عنه أن هناك حزبين سياسيين يتبادلان السلطة السياسية منذ عقود، الأول ديمقراطي، والثاني جمهوري، وكل حزب من هذه الأحزاب وقبل الدخول في مرحلة السباق الرئاسي لانتخاب رئيساً جديداً للبلاد يطلب من الحزب تقديم مرشح، وبعد الفوز برئاسة الحزب تبدأ الأحزاب في دخول مقعد الرئاسة، ومن يقوم بتمويل الحملة الرئاسية هم الشركات المعروفة وبعض المتنفذين في عالم السينما والرياضة والمال والأعمال، فهؤلاء تقع على عاتقهم توفير مصاريف الحملة الانتخابية كاملة، لهذا عندما يفوز رئيس الحزب ويصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية فعليه أن يلتزم ويضبط إيقاع السياسة العامة للبلاد ولا يحيد قيد أنملة عن جميع متطلبات واحتياجات الشركات التي دعمت الحملة الانتخابية وتضع مصلحتها العليا فوق كل اعتبار، فالأولوية لترويج صناعتها وتنشيط الحركة التجارية وتوسيع قاعدة زبائنها، وبغض النظر عن الربيع العربي أو غيره، على الرئيس الأميركي المنتخب أن يتبع ديمقراطية محاكة أو «مفصلة»ومضبوطة كما هو حال بدلة الشكر.

المهم ولكي لا أطيل عليكم لهذا السبب خرجت الجماهير في وول ستريت وهي ترفع شعار نحن الـ 99 في المئة ومن يحكم ويتحكم ويسيطر على الاقتصاد هم الـ 1 في المئة أما نحن فلا حول لنا ولا قوة. فمن هذا المنطلق بدأت هذه الجماهير تطالب بأن تكون لها دور فعال ومؤثر في العملية الانتخابية وبعيدة عن هذه الديمقراطية المفصلة والمضبوطة بالمليمتر؛ كما هو حال حياكة وتضبيط البدل لدى خياطة الشكر

إقرأ أيضا لـ "عمران الموسوي"

العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:29 ص

      سؤال صغير

      كم حاكم خليجي حكموا بلادهم خلال الفترة من 1779 و حتى الآن؟!!

      مع وافر التحية أستاذ عمران

اقرأ ايضاً