العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ

8 مارس في سلة الثورات

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

منذ تفجر الثورات والاحتجاجات الشعبية العربية التي اتسمت بمشاركة واسعة من النساء وخصوصاً الشابات منهن، أصبح 8 مارس «يوم المرأة العالمي»، مناسبةً متلازمةً مع الاحتفال بعيد تلك الثورات. لمَ لا وفئات واسعة من النساء وجدن في الحدث مناسبة لرفع أصواتهن للمطالبة بحقوق المواطنة والتعبير عمّا تجول به النفوس. كما غدا المنعطف التاريخي محطة فرز لمواقف لتلك الفئات بتعدديتها واختلاف أفكارها.

صحيح هناك بلدان لم تشهد ثورات وانتفاضات إلا ان الصحيح أيضاً أن صدى ما حدث كان قوياً عليها، وسرّع من إجراء بعض التحولات والإصلاحات السياسية التي كان لها الفضل في إرساء تدابير جاءت لصالح النساء كما حدث في المغرب، أو تراجع للمكتسبات تمظهرت في عدم فوز أي من البرلمانيات في الانتخابات الكويتية الأخيرة.


حضور مدهش

شاركت النساء في تظاهرات الميادين والساحات العربية بكثافة وحضور لافت، وشكلت مشاركتهن ظاهرة لم تقتصر هذه المرة على تيارات اليسار وإنما شملت الإسلام السياسي وتصدر لها الشباب والشابات. وعلى رغم اللغط المثار عما إذا استطاعت هذه الثورات الانتقال بواقع المرأة لتحقيق المساواة وتحسين أوضاعها، فضلاً عن المخاوف والهواجس التي تتزايد يومياً بصورة علنية أو مضمرة تشكك في قدرة تلك الثورات على الإيفاء بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية، فإن هناك من يرى أن المنعطفات السياسية المفصلية في حياة المجتمعات غالباً ما ترافقها ثورات اجتماعية وثقافية. واعتبروا مشاركة النساء بهذه الكثافة دليلاً على مستوى متقدم من مستويات تلك الثورات الاجتماعية.

أثار حضور النساء وتصدرهن حركات الاحتجاج الدهشة والإعجاب نظراً لكثافته ووجود الشابات وجرأتهن وقدرتهن على التأثير في الحراك، فقد اندفعن بعشرات الآلاف إلى الشوارع، حاملات اللافتات والأعلام والورود، وشاركت معهن المثقفات والمحاميات والمعلمات وأستاذات الجامعات والطبيبات والعاطلات عن العمل والصحافيات والإعلاميات وربات البيوت. فجميعهن برزن بأدوارهن في المشهد السياسي، وأثرن الدهشة في بعض الثورات حتى في صورهن متلحفات بالعباءات السوداء غاضبات تعلو أصواتهن بالهتافات مع المتظاهرين، ويلقين الخطابات أمام الحشود وينشدن الأشعار الحماسية. عشن كما عاش الرجال في خضم إرهاصات التحركات الشعبية وثوراتها.

لقد لمسن وشاهدن وتابعن بجرأة وجدية حالة الميادين باختلافها، فكن وسط الحشود الغفيرة معالجات للجرحى والمصابين، ويتولين حركة التنظيم والتحفيزات الالكترونية والاعتصامات في الساحات والإضراب عن الطعام، فكل هذه وتلك تمثل في حقيقتها مظهراً من مظاهر وعي وتقدم في التجربة النضالية.

لقد بدا جلياً كسر النظرة النمطية التقليدية للمرأة المتوارية، وغدت عنصراً أساسياً من عناصر حركات الاحتجاج، تمارس دوراً فعّالاً في حركة دائمة في مقدمة الموجات الاحتجاجية التي نزلت للميادين. واصطحبت الأمهات أطفالهن وساندن الأبناء والبنات والأزواج المطالبين بالحقوق، كما علت أصواتهن بالتكبيرات الليلية والاستجابة للمشاركة في مهرجانات المعارضة الأسبوعية بعشرات الآلاف، وحين بدأت حملات القمع والاعتقالات والاستجوابات، لم تنجُ النساء والشابات مما أصاب الرجال من تعسف، فتعرضن للعنف والاعتقال والاستجواب والتوقيف عن العمل أو التسريح منها، وطالتهن الأحكام الجائرة بنفس القدر مما طال الرجال.

اعتكفن في صلواتهن بدور العبادة وشاركن في الصوم والإضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقال زميلاتهن أو ذويهن، كما وقفن في الخطوط الأمامية في خضم المواجهات والتظاهرات التي تصدرتها أمهات الشهداء والمعتقلين وأخواتهن، حتى أثناء إطلاق الرصاص عليهن أو فرض قوانين الطوارئ.


آراء مختلفة عن المرأة

بيد ان الآراء والتحليلات تعددت واختلفت بشأن ذلك الحضور، البعض ناهض واستنكر مشاركتهن واعتبرها خروجاً عن الإجماع ومعارضة غير مقبولة لأنظمة الحكم يستحققن عليها العقاب والتأديب. وهناك من تجاهل الظاهرة ولم يولها أي اهتمام حتى بتخصيص ورقة نقاشية تماماً كما حدث في منتدى التنمية الخليجي الذي عقد مؤخراً بالدوحة، وكأن شيئاً لم يكن، وكأن ليس للمرأة من علاقة ودور تنموي مؤثر في عملية الإصلاح، في سياق المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، على رغم عقد المنتدى عن «الإمكانيات المُتاحة للإصلاح على مستوى المطالب الشعبية ومستوى الاستجابة الرسمية». هذا وعلى النقيض هناك من وجد فيها تعبيراً عن تأثير التربية في أوساط الأحزاب والمنظمات السياسية بمختلف اتجاهاتها ولاسيما الإسلامية منها، فمشاركتها بحسب هذا الرأي يمثل تبعية للمراجع الدينية ليس إلا.

ثمة من اختلف على علاقة مشاركة النساء بالوعي السياسي، ورأى أنها تعبير عن قهر اجتماعي وشعور بالظلم والغبن والتمييز بحقهن كمواطنات وكنساء. ووجدت تحليلات أخرى المشاركة في حركة الاحتجاج والثورات تشكل بحد ذاتها حالة من حالات الوعي والدافعية نحو المطالبة بالحقوق وترسيخ المكتسبات، وخصوصاً بما أفسحته الثورة المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي من مجال للتحرك وتحفيز المبادرات وتنوع الإبداعات، وإنها تجربة لتراكم وعي النساء وخصوصاً الشابات منهن، إذ تفتح أذهانهن على المستجدات كما تتيح لهن المتابعة والمشاركة فرصة لإعادة إنتاج وعيها الخاص ورؤيتها لذاتها ولأوضاع مجتمعاتها، وكسر حاجز الخوف الذي لمسناه بوضوح عند فئات كبيرة من النساء في ساحات التحرك الشعبي، ما يستوجب طرح الأسئلة مجدداً عما إذا كانت النساء تدرك حجم استحقاقاتهن من هذه المشاركة في المدى المنظور أم لا؟ وهل خرجن من أجل المطالبة بالمساواة بين الجنسين أم للمواطنة، أم للمطالبة بمكتسبات حقوقية أكثر؟

تحديات

الإجابة على ما سبق مرهونة حتماً بالنساء، سواءً باستمرارية حراكهن ونوعية حضورهن في الفضاء العام مجدداً، فضلاً عن صدقية خطاب وفعل القوى ذات الاتجاهات الدينية/الإسلامية التي تتولى الآن إدارة السلطة في مجتمعاتها إضافة إلى قوى المعارضة السياسية وسلوكها بمختلف اتجاهاتها وتحالفاتها. فنحن حتى اللحظة أمام تحديات مازالت قائمة، ولاسيما مع بروز نساء وشابات شرسات مواليات لأنظمة الحكم، لهن آراء ووجهات نظر تمثل النقيض لقيم الحرية والمساواة، وشاركن في تجمعات وتحشيدات مناهضة للحركات الثورية والاحتجاجية، وطالبن بعودة الحكام والرؤساء المخلوعين إلى كراسيهم. بل إنهن لا يردن التغيير ويعبرن عن قناعتهن بالموجود من الإصلاح المحدود، وبما كان عليه الوضع قبل التغيير، فالوضع القائم بالنسبة لهن «بمبي/وردي» حتى في يوم «8 مارس» الذي صار عيداً ثورياً متجدداً تحتفل به الثوريات في العالم!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:32 م

      انصفت المرأة

      لقد انصفت المرأة العربي وخصوصا البحرينية التي ناضلت من اجل حقوقها وولادة غد جميل.

    • زائر 1 | 12:02 ص

      يبنيتي اذا عرف السبب بطل العجب

      كما تفضلتي لهن آراء ووجهات نظر تمثل النقيض لقيم الحرية والمساواة، وشاركن في تجمعات وتحشيدات مناهضة للحراك الثوري يبنيتي هولاء عاجبهم الوضع القائم سابقا لسر في نفس يعقوب فليهم وحده وحده وتلاقين المستخبي وسر دفاعهم المستميت عن وضع مبغوض ممقوت لايستطيعون العيش الا في مياه عكره يزعجهم الصفوا وتقتلهم الطهاره ...ديهي حر

اقرأ ايضاً