العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ

حكمة من فم خصم نعمة

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لا أعرف هل هي عادات العرب أم اننا كمجتمع محلي خليجي جبلنا على ذلك، فقلة منا التي تقبل الاستماع إلى نصائح الأعداء، وكثرة ينشدون المديح والإطراء وتزيين الحقيقة والتغاضي عن عيوبهم، فيلتمسون رأي الصديق حتى وإن كانوا على قناعة بأنه سيقدم رأياً منمقاً مطرزاً بالدرر لا يمت إلى الواقع بصلة، وفي المقابل يتجاهلون أي كلمة صدق تتطلب منهم الاعتراف بالخطأ والتحرك لتصويبه، ففي ذلك مس بكبريائهم وتهديد لمكانتهم الاجتماعية.

في ظل الأزمة المعقدة التي تمر بها بلادنا، نحتاج إلى من يصدقنا القول للخروج من عنق الزجاجة بأقل قدر من الخسائر، مهما كان فكره وتاريخه وخلفيته السياسية، سواءً كان قريباً أو بعيداً، يشاطرنا المحبة أم يضمر لنا الكراهية، فقط يجب أن يكون من بيننا لا من خارج هذه الرقعة الجغرافية التي نعيش عليها، فالحلول المستوردة في الغالب تزيد الأمر سوءاً وتعقيداً، لبعدها عن الظروف والبيئة التي تكيفنا معها.

من يطمح إلى مجتمع توافقي في كل شيء، إنما يحفر في أعماق البحار، ولن يصل بعد المشقة والعناء إلى طريق خالٍ من الماء، فالحياة قائمة أساساً بقدرة إلهية عظيمة على الاختلاف، ومن هذا الاختلاف يتحقق الانسجام والتأقلم مع مختلف المنعطفات الحادة والسهلة بالبحث عن المشتركات لا المفترقات.

كلنا كبحرينيين نلتقي عند حبنا إلى هذا الوطن، ولدينا استعداد واندفاع طبيعي للدفاع عنه والحفاظ عليه من أي عدوان، لأننا نشأنا على تباين دياناتنا ومذاهبنا جنباً إلى جنب منذ قديم الأزل في الفرجان والمناطق السكنية، وجمعتنا مقاعد الدراسة، والتقينا حول مائدة واحدة في مختلف المناسبات، ونتزاور في أفراحنا وأحزاننا، وذلك كله يمثل بالنسبة لنا محصلة اجتماعية يمكن التأسيس عليها لبلوغ حل وطني يخرجنا مما نحن فيه.

نحتاج أن نجمع كل الآراء والأفكار التي طرحت منذ اشتعال الأزمة في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، وهذا ليس عصياً في زمن التقنية الحديثة ووجود محركات البحث وارشيف الصحف المحلية، فلاشك أن من بينها ما خرج من حرقة قلب وألم وخوف على مستقبل هذا البلد ومصير أجياله، وما علينا سوى فرزها وجدولتها وبحث إمكانية وضعها ضمن محاور تفضي إلى حوار ناجح.هناك من يحارب كل الحلول من باعث طائفي، والحديث عن حوار وشيك يسبب له فزعا وخوفا وقلقا، ويدفعه لاستخدام عبارات منفعلة بصورة هستيرية، تعكس ما يحمله من حب لذاته، وحرص شديد على عدم فقدان موقعه في صدارة الموقف المتطرف اللاهث وراء المزيد من المكتسبات، بصرف النظر عن الفاتورة التي سيدفعها الوطن وارتفاع كلفتها.

هؤلاء يتحركون كما الأصدقاء الذين حذرنا منهم، فهم يتعاملون على أساس أنهم الأقدر على تشخيص الواقع، والأكثر حباً للبحرين وأهلها، وأول من سيقدم روحه فداءً لها من أجل أن تبقى عزيزة كريمة حرة، بينما ممارساتهم تؤكد بجلاء أن كل ذلك لا يهمهم وليس في خريطة اهتماماتهم، ولو كانوا على غير هذه الهيئة لدفعوا باتجاه الصلح والتسامح وتقريب كل الفرقاء.

الأمور التي حصلت لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء لمحوها منه، فذلك شيء من مضيعة الوقت وهدر للطاقات والجهود، والأهم التعلم من الدروس والخروج منها وفق مبدأ «الضربة التي لا تقتلك تقويك».

وإعادة شريط الماضي لقطع الطريق على أي توجه لمصالحة وطنية بين أبناء الشعب البحريني، من خلال تكرار صور ومواقف ومقاطع للفيديو، لن يؤدي إلا للمزيد من الكراهية والبغض والعداء بين الناس، ولن يساعد أي طرف من الأطراف على استتباب الهدوء والاستقرار في محيطنا المتوتر.

المشكلة أننا أصبحنا في خضم أجواء مشحونة حشر فيها الجميع، حتى الأطفال الصغار في المدارس باتوا يرددون عبارات فيها من العنصرية والطائفية ما يدمي القلب ويدمع العين، لم تجد معهم نصائح الآباء والأمهات لحمايتهم من كمِّ الرسائل التي يتعرضون إليها يومياً بقصد أو غير قصد.

نحتاج إلى زلزال قوي للعقول الراجحة والنفوس الطيبة والمعدن الأصيل الذي يحمله أبناء الشعب البحريني، فالكثير من التحريض يحتاج إلى صم الآذان وتحكيم الوعي والضمير الإنساني الذي لا يقبل الإقصاء والعزل والتهميش، وكثير من النصح بحاجة لإرادة تؤمن بمنطق التغيير وتبادر إلى العمل به لصلاح الأمة ورفعة مكانتها

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:21 ص

      اتدري وين المشكلة

      المشكلة تتلخص في مجموعات أتت هي او آبائها الى هذه الارض المضياف واستضافتهم واعطهم ما يستحقون من كرم الضيافة حتى انعمت عليهم هذه الارض بالمواطنة واصبحوا مثلهم مثل اي مواطن ثان
      ولكن للأسف بدل رد الجميل لأهل هذه الارض اصبحوا الآن يوزعون مقاييس الوطنية على شعب البحرين الذي فتح ذراعيه لهم ليعيشوا مواطنين معززين مكرمين
      وهذا من هوان الدنيا على الله أن يأتي شخص تستضيفه في بيتكم وبعد الضيافة يقول لك ان البيت
      ليس بيتك بل بيتي انا واخرج منه يقول لصاحب المنزل اخرج منه هذا حالنا

    • زائر 2 | 3:07 ص

      ومازالت المدماء تنزف

      كيف .. السبيل ومازالت المدماء تنزف وعطش البطش يرزف والدراهم تترى والدراهم تفسد الأخلاق وهي المحاقة وما بقي من القدر الا قدر صبابة القدر او أقل !

اقرأ ايضاً