العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ

النفط يزحف إلى أعلى قائمة الأخطار الاقتصادية الآسيوية

تتقدَّم أسعار النفط المرتفعة سريعاً لتزيح أوروبا عن موقعها كأكبر خطر على النمو في آسيا؛ إذ تهدّد بخفض الطلب الاستهلاكي والإضرار بالصادرات وتأجيج التضخم. ويسبب ارتفاع خام «برنت» فوق 128 دولاراً للبرميل متاعب للبنوك المركزية أيضاً لأنه يصعب عليها استخدام التيسير النقدي لدعم النمو.

وأي تهديد لآسيا هو تهديد للجميع؛ إذ إن العالم يعوِّل على استمرار النمو الآسيوي لتعويض الركود في أوروبا والتعافي المتقطع في الولايات المتحدة. وقال كبير المستشارين الاقتصاديين لدى «نومورا»، ديفيد ريسلر، في مذكرة للزبائن: «ما إن انحسر التهديد بأزمة مالية حتى برز الارتفاع الشديد في أسعار النفط في الشهرين الأولين من 2012 كأكبر تهديد للآفاق».

والنفط أهميته كبيرة لآسيا فهي الآن أكبر مستهلك له بعد أن تفوقت على أميركا الشمالية العام 2007 لتستحوذ على أكثر من 31 في المئة من الطلب العالمي. وتوجد في آسيا أربعة من أكبر عشرة بلدان مستهلكة للنفط في العالم وهي الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.

وتستورد آسيا ثلثي إجمالي احتياجاتها النفطية وهي فاتورة ضخمة جداً. وبحسب تقدير المحللين لدى «نومورا»، وباستبعاد اليابان تكون آسيا قد أنفقت 447 مليار دولار على واردات النفط العام الماضي (2011) ارتفاعاً من 329 مليار دولار في 2010 و234 مليار دولار في 2009.

ويأخذ الإنفاق على النفط حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الآسيوية مقارنة بالغرب. وكان تعطش آسيا للنفط سبباً في أن الأسعار لم تتراجع إلا قليلاً في العام الماضي على رغم أن النمو العالمي تباطأ وتأجّجت أزمة الديون الأوروبية.

وقال الخبير الاقتصادي لدى «إتش.إس.بي.سي»، فريدريك نيومان، في مذكرة: «معظم الناس يعزون الارتفاع الأخير إلى العوامل السياسية ونحن لا نجادل في ذلك (...) لكن من ناحية العوامل الأساسية فإن شهية آسيا الضخمة للخام هي الأساس لذلك».

وأشار إلى أن مستوى أسعار النفط أكثر أهمية للنمو من نسبة التغير لأن كلفة الخام تكون كالضريبة على المستهلكين. لذلك حين سجّل خام «برنت» أعلى مستوياته في ثلاثة أعوام ونصف عند 128.40 دولاراً الأسبوع الماضي أطلق هذا أجراس إنذار اقتصادية. وقال نيومان: «بالنسبة إلى آسيا الخطر الحالي من ارتفاع أسعار النفط ليس التضخم (...) على الأقل ليس بعد. إنما هو النمو».

وأضاف «الصادرات للغرب التي تبدو مهتزة بالفعل قد تتعرض لضربة أخرى (...) حتى على المستوى المحلي كلما ارتفعت الأسعار كلما أمكن أن يشعر عدد من الاقتصادات مثل الهند وكوريا وتايلند بالضرر». وعند حساب الأثر المحتمل للهزات النفطية يتوقف جزء كبير من النتيجة على سبب هذه الحركة. فإذا ارتفعت الأسعار بسبب قوة الطلب العالمي سيكون الأثر أقل بكثير مما لو كان السبب هو مشكلة في الإمدادات.

ونظراً إلى أن العديد من المؤسسات عدلت في الآونة الأخيرة توقعاتها للنمو العالمي بالخفض فإن الحلقة الراهنة لا تبدو مدفوعة بالطلب. وبدلاً من ذلك يعزو معظم المحللين ارتفاع أسعار النفط إلى التوترات في الشرق الأوسط وإلى التهديد بتشديد العقوبات على إيران أحد المصدرين الرئيسيين للنفط.

وفي يناير/كانون الثاني 2012، حذر صندوق النقد الدولي من أن توقف الصادرات الإيرانية بالكامل قد يسبب قفزة في الأسعار تصل إلى 30 في المئة.

وهذا يعني أن النفط قد يقفز إلى نحو 160 دولاراً للبرميل متجاوزاً ذروته في 2008 التي اعتبرت السبب في تدهور الاقتصاد العالمي آنذاك قبل أن يفلس بنك ليمان براذرز وتتهاوى الأسعار. وهذا سيكون صعباً على آسيا خصوصاً؛ لأن الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية هم أكبر أربعة مستوردين للنفط الإيراني.

ومن المتوقع أن يؤثر أي ارتفاع آخر كبير لسعر النفط بشكل سلبي على آسيا بأكملها لكنه سيتفاوت بنسبة كبيرة من بلد إلى بلد. فماليزيا مثلاً مصدّر للنفط ولذلك قد تستفيد من الوضع.

في المقابل، يعتقد المحللون لدى «باركليز» أن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10 في المئة سيضيف نحو مليار دولار إلى فاتورة الواردات الشهرية لكوريا الجنوبية. وعموماً، يرى المحللون أن اقتصادات الهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وتايلند والفلبين هي الأكثر عرضة للتضرر جراء ارتفاع أسعار النفط. وستكون الصين وسنغافورة أقل تأثراً بينما ستستفيد ماليزيا وفيتنام المصدِّرتان للنفط. وبالنسبة إلى اليابان قد يبدو ارتفاع الأسعار سيئاً من كل الأوجه؛ فهي ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم وقد زاد اعتمادها على واردات الطاقة منذ إغلاق كل مفاعلاتها النووية المولدة للكهرباء تقريباً بعد كارثة فوكوشيما النووية قبل عام. لكن التوقعات باضطرار المستوردين اليابانيين لشراء المزيد من الدولارات لدفع ثمن النفط ساعدت على خفض سعر الين مقابل كل العملات الرئيسة في الأسابيع القليلة الماضية. وسجَّل الدولار أعلى مستوياته في تسعة أشهر عند 81.86 يناً يوم الإثنين (5مارس/آذار 2012)، بعد أن زاد أكثر 7 في المئة منذ مطلع فبراير/شباط الماضي.

ويعد انخفاض الين نعمة للمصدّرين اليابانيين الذين يتعرضون إلى ضغط شديد وقد رحّب به أيضاً صنّاع السياسة في اليابان. علاوة على ذلك وفي ظل استمرار انكماش الأسعار في اليابان قد لا يكون أمراً سلبياً بالضرورة أن يحدث تضخم مدفوع بأسعار النفط. وفيما يتعلق بالتضخم تكون وتيرة ارتفاع أسعار النفط أكثر أهمية من مستوى الأسعار.

والحركة حتى الآن لاتزال أقل خطراً عمّا كانت عليه في 2007 و2008. ففي ذلك الوقت ارتفع خام «برنت» من 50.25 دولاراً في مطلع 2007 ليسجل ذروة عند 147.50 دولاراً في يوليو/تموز 2008 وهو صعود لا يقل عن 193 في المئة. ومنذ مطلع العام الجاري ارتفع «برنت» 15 في المئة فقط وإن كان هذا في فترة زمنية قصيرة.

وإذا استقرت الأسعار هنا فإن الأثر التضخمي سيكون محدوداً نسبياً ولن يسبب مشكلات كثيرة للسياسة النقدية. لكن إذا ارتفعت الأسعار حقاً صوب 150 دولاراً للبرميل فحينئذ قد يصبح التضخم معوقاً للتيسير النقدي في الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان. أما ماليزيا وتايلند وإندونيسيا والفلبين فقد تضطر إلى التفكير في رفع أسعار الفائدة

العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً