العدد 3473 - السبت 10 مارس 2012م الموافق 17 ربيع الثاني 1433هـ

عرقلة الحوار... لمصلحة من؟

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

عجبي ممن يقتاتون على جراح الوطن، ويهنئون بسماع أناته، ويستغلون حد أقلامهم ونصل سهامهم، لطعن أي محاولة صلح ووأدها في مهدها حتى لا تفضي إلى حل يعم ثماره على أبناء هذا الشعب الحر الأبي، فالحوار يرونه كابوساً يسلبهم الراحة والهناء، فيما الساحة المحلية مفعمة بالمنغصات والآلام التي تتصاعد ولا تهدأ.

إن كانت البحرين أطلقت حواراً في يوليو/ تموز 2011، ولم يعالج الأزمة ولم ينزع فتيلها، فما المانع من خوض حوار آخر وآخر لبلوغ اتفاق وصلح نهائي يشارك في وضع لبناته كل أطياف المجتمع وفئاته بلا إقصاء أو تمييز؟

الحوار لغة إنسانية حضارية، الغرض منها تضييق هوة الخلاف وتقريب وجهات النظر، والبحث عن حل وسط يرضي الأطراف في زمن طغى عليه التباغض والتناحر والخلاف. كما إنه وسيلة لكشف الشبهات والرد على الأباطيل، فلا ترد الحجة إلا بالحجة. والنقاش مآله الخروج برؤية مشتركة ترتكز على ثوابت محددة بعيداً عن مواضع الاختلاف.

ولعل فيما يحصل من مناوشات يومية في القرى نتيجة وليست سبباً، ومن الأرجح طرح الأمر على طاولة البحث، وسبر أغوار المشكلة للوصول إلى أصلها ومعالجته بلا انفعال أو تعصب أو خوف على ضياع مكاسب.

المستغرب أن من يطالبون بعدم وضع شروط مسبقة للحوار وبسط الأمن والقانون، هم أول من يضع العراقيل أمام اكتمال هذه الحالة التوافقية التي ربما تخرجنا سريعاً من المحنة بأقل قدر من الخسائر، حين يدفعون جمعيات باتجاه السيطرة على شارع يعيش احتقاناً شديداً، ولا يوجد واقعاً من يمتلك زمام التحكم فيه.

وتحقيق هذه الغاية التي يسعى لها الجميع، بالعيش في مجتمع آمن مستقر هادئ، لا تتحقق إلا باجتماع كل الفرقاء في مكان واحد وطرح جميع المطالب والقضايا الخلافية، حتى وإن أدى ذلك إلى تصادم وتنافر بينهم، ولكن الأهم أن يخرجوا بحل فاعل مؤثر، فالمسكنات لن تحافظ على إيقاع متناغم بعيد الأمد، إذ ما تلبث المشكلة أن تتفاعل وتتصاعد بعد سنوات بسيطة لتطفو على السطح من جديد.

من يتصدى لمعالجة المشكلة البحرينية، عليه أن يتجرد من العواطف ويحكم عقله، ويتخلى عن لقب عائلته ونسبه وأصله، ويترك كل ذلك عند الباب ويدخل بقلب منفتح وروح وثابة متجردة من الذكريات والماضي والمواقف المحزنة، حتى يستطيع أن يتخذ قراراً في مواقف ينتصر فيها للوطن بكل من فيه، وليس جماعته أو الشارع الذي يمثله على طاولة الحوار.

أدرك أن هذا الطموح صعب المنال، وخصوصاً في المشهد البحريني الذي يطغى عليه في هذا الوقت الاصطفافات والانقسام ليس على المستوى الطائفي وحسب، وإنما في داخل كل طائفة على حدة، فكل جانب لديه قراءة خاصة به للواقع السياسي، ويمتلك رؤية معينة يراها الأصوب والأقدر على حلحلة الأزمة.

ومثل هذا الانقسام والتشرذم، لم يغير شيئاً فالحال من سيء إلى أسوأ، والمعنويات والنفسيات في انتكاسة شديدة، وكل فرد يعاني مما يجري، ولا يوجد منزل لم تطله تداعيات الأحداث. أي أن جميع البحرينيين باتوا في مرحلة من الضيق والوجع لم يعد من الممكن إغفالها أو التغاضي عنها أبداً.

وإذا كان الحوار ليس حلاً بالنسبة للفريق المؤزم، فما هي البدائل؟ فالمنطق يقول إن من يرفض شيئاً عليه أن يقدم ما البديل، إما أن يكون الرفض بدافع الخوف من المجهول أو تحسباً لغياب الأضواء المسلطة على بعض من صعدوا على ظهور الناس من أجل الشهرة والبروز والتفاخر بالوطنية، فذلك تفريط بالبحرين الأم الحاضنة لنا جميعاً، وتضييع للأمانة التي سنسلمها يوماً للأجيال المقبلة من أجل إرضاء غرور أشخاص لا يحبون الخير إلا لأنفسهم.

الحديث عن الحوار يتجدد كل يوم في صيغة بالونات اختبار لقياس نبض الشارع ومدى تقبله للفكرة، وهو في نهاية المطاف حل يجب أن يقبله الجميع، وكلما تأخر توسع رتق الجرح وأصبح علاجه عسيراً وشاقاً، فربما يتطلب وقتاً أطول حتى يلتئم.

وإذا كنا حقاً نؤمن بأن هذا البلد يجب أن يخرج منتصراً من الأزمة، فعلينا أن نمتلك الشجاعة لأن نخطو هذه الخطوة، وندعم كل الجهود المبذولة للبدء بحوار جاد وحقيقي، وأن نتخلى ولو ليوم واحد عن العزة بالنفس والكبرياء والارتهان للوهم الذي لن يؤدي إلا لتضييع حقوق هذا الشعب وتجزئة مطالبه وإرجائها إلى أجل غير معلوم.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3473 - السبت 10 مارس 2012م الموافق 17 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:11 ص

      المصلحة؟ هي للمستفيدين من الوضع الحالي

      المصلحة للمستفيدين من الوضع الحالي, من المأزمين, من الراقصين على جراحات اخوانهم, ممكن لايريدوا ان يسألوا غدا عما فعلوه في حق اخوانهم في الوطن والدين. من الذين يبكون على سوريا ويتناسون اخوة لهم في الوطن لا بل ويتسببون في المزيد لهم من الآلام ويزدادون في الكيل لهم بشتى التهم والاهانات والشتائم لهم ولذهبهم.

    • زائر 1 | 11:26 م

      تسأل لمصلحة من؟ ليش مو معروفة عند الكل

      كلنا اولاد ارقية وكل من يعرف اخيه
      الوطنية ليست الركض وراء المصالح الفردية والطائفية الوطنية هي الذوبان في الوطن بكل طوائفه رحمك الله يا عبد الله فخروا هذا الرجل كان مثال الوطنية الحقة اما هؤلاء الذين اختزلوا الوطن في مصالحهم الخاصة فقد كشفهم الناس وسوف يصبحون منبوذين حين يتحقق للوطن حريته وما يصبِوا اليه مواطنوه الحقيقيون الذين
      لا يبخلون عليه بالدم. اما ارباب المصالح الفردية
      والذين يلهثون وراءها ويحاولون تعطيل الحلول لكي يكتمل لهم ما خططوا له من الاستحواذ على اكبر كم من الغنائم

اقرأ ايضاً