العدد 3494 - السبت 31 مارس 2012م الموافق 09 جمادى الأولى 1433هـ

«قمة بغداد 2012»... وخطة التربية على حقوق الإنسان

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

وأنا أتصفح الموقع الإلكتروني الخاص بـ «قمة بغداد 2012» لفت نظري موضوعٌ تمَّ إدراجه ضمن الفهرس في (المجال السياسي)، البند (20) رقم القرار 432، الصفحة 72 «وضع خطة عربية نموذجية للتربية على مبادئ حقوق الإنسان للفترة 2009 ـ 2014م».

يشير الإطار العام للخطة التي أقرَّها مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بدمشق في 30 مارس/ آذار 2008م إلى أن التربية على حقوق الإنسان عملية طويلة المدى ومستمرة مدى الحياة؛ لأنها تهدف أساساً إلى تعزيز قيم التسامح والتضامن والتعاون بين البشر على أساس الحرية والعدالة والكرامة والمساواة ومنع الصراعات وانتهاكات حقوق الإنسان ودعم عمليات المشاركة الديمقراطية.

ولكن السؤال المطروح: ما موقعية التربية والتعليم في هذه الخطة؟

اعتبرتِ الخطةُ التربيةَ والتعليم أداة فعالة لنشر مفاهيم حقوق الإنسان بين الأجيال، وتشربهم بمضامينها والأنشطة المصاحبة لها، وضرورة استحداث رؤية جديدة للتعليم تنطلق من توسيع التعريف التقليدي للتعليم لكي يعالج تحديات جديدة مرتبطة بواقع المتعلمين وفئة الشباب على وجه الخصوص، وتلبية احتياجاتهم في عالم يموج بالمتغيرات والتحديات، والتأكيد على القيم العالمية لحقوق الإنسان واتخاذ القرارات على أساس من المعرفة، وهي من المسائل المهمة جداً في هذا السياق كما أشرنا في مقالات سابقة، إذ المسألة لا تتعلق بمجرد توفير المعارف أو المعلومات أو المهارات، وإنما بتمثُّل وتعزيز الاتجاهات والمواقف والسلوكيات التي تسمح للناس بالمشاركة في الحياة المحلية والوطنية بطريقة بناءة وإيجابية يحترمون بها أنفسهم والآخرين، عبر تعلُّم مبادئ حقوق الإنسان وهي تترجم على أرض الواقع وفي قاعات الدرس والفضاء المدرسي وفي المنزل وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفقاً لأحدث المعايير والممارسات الدولية.

مجلس الجامعة وإن كان قد ربط الخطة العربية النموذجية للتربية على مبادئ حقوق الإنسان بعدة مبادرات سابقة مثل: متابعة توصيات ندوة بيروت 1997 بشأن التربية على مبادئ حقوق الإنسان في التعليم الأساسي، ومؤتمر الرباط الإقليمي 1999 للتربية على حقوق الإنسان في الدول العربية، وندوة بيروت 2003 الخاصة بالتربية على حقوق الإنسان بالتعليم الثانوي، وورشة الدوحة 2004 عن التربية على حقوق الإنسان في المنهج الدراسي بدول مجلس التعاون بدول الخليج العربي، ووثيقة تونس 2004 بشأن المساهمة العربية في البرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان، إلا أن الأهم من ذلك كله ـ من وجهة نظرنا ـ هو الالتزام الأممي بتفعيل القرار 2004/71 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الذي أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته للعام 2004 بدعوة الجمعية العامة في دورتها التاسعة والخمسين بإعلان برنامج عالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان يبدأ في يناير/ كانون الثاني 2005م، بحيث يقسَّم على مراحل متعاقبة من أجل دعم وتطوير تنفيذ البرامج الخاصة بالتثقيف في مجال حقوق الإنسان في جميع القطاعات، كما ويطلب القرار ـ صراحة ـ من مفوضية الأمم المتحدة أن تعد بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومع سائر العناصر الفاعلة المعنية الحكومية وغير الحكومية خطة عمل للمرحلة الأولى 2005-2007 من البرنامج العالمي المفتوح تركز على نظم المدارس الابتدائية والثانوية.

إن المبادئ العامة لحقوق الإنسان (العالمية والكونية والشمولية والتكاملية والمساواة وعدم التمييز والمشاركة) وردت جميعها في الخطة كدلالة واضحة على البعد الأممي، ليس ذلك فحسب، بل وحدَّدت الخطة أكثر من 16 وثيقة ومرجعية من المرجعيات المعنية بالتربية على حقوق الإنسان ـ حتى وإن سجلت بعض الدول العربية تحفظاتها على بعض البنود في هذه الاتفاقيات أو المعاهدات أو لم تصادق على البعض الآخر منها إلى حد الآن ـ كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، والاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم الصادرة في باريس العام 1960م، والعهدين الدوليين (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) و(الحقوق المدنية والسياسية)، والتوصية الخاصة بشأن التربية من أجل التفاهم والتعاون والسلام على الصعيد الدولي والتربية في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية الصادرة عن المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة عشر 1974م، واتفاقيات جنيف الأربعة 1949 والبروتوكولين الملحقين بها 1977م، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة 1984م، والاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل 1989 والبروتوكولين الملحقين بها الصادرين العام 2000م، وإعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام 1990م، والتوصية 49/184 التي أعلنت بموجبها الجمعية العامة للأمم المتحدة عشرية الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان, 1995-2004م، والإعلان المتعلق بالتربية على السلم وحقوق الإنسان والديمقراطية المعتمد من قبل المؤتمر الدولي للتربية وتبناه المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين 1995م... إلخ وغير ذلك من المبادرات والمؤتمرات والندوات العربية والدولية ذات الصلة (راجع الموقع الإلكتروني لقمة بغداد 20).

لم يغب عن الخطة طرح الإشكاليات الحقيقية التي مازالت تواجه التربية على حقوق الإنسان، كالتوفيق بين العالمية والخصوصية، وتضمين المناهج والبرامج ثقافة حقوق الإنسان، وتوافر العنصر البشري المؤهل والموازنات المالية لتنفيذ البرامج، ومدى إسهام القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني في مجال التربية على حقوق الإنسان.

للخطة رؤية مستقبلية تكمن في تنشئة أجيال مؤمنة بحقوق الإنسان ومتمثلة لها.

أما أهدافها، فهي أربعة: إدماج حقوق الإنسان في المنظومة التربوية في مختلف المراحل التعليمية، وتأهيل الكوادر البشرية وتدريبها في مجال التربية على حقوق الإنسان، وتهيئة البيئة التعليمية للتربية على حقوق الإنسان، وتوسيع المشاركة المجتمعية في نشر ثقافة حقوق الإنسان.

للخطة حدود زمانية (مراحل تنفيذ الخطة) من العام 2009م وحتى العام 2014م، كما لها في الوقت ذاته متطلبات تنفيذ رئيسية، وهي: التشريعات والسياسات، والهياكل والبنيات، والعنصر البشري، والجانب المالي، وآليات التواصل والتمثيل والشراكة.

يُحسب للخطة أنها جاءت شاملة لتحدِّد الجهات المعنية بالتنفيذ، وهي جميع القطاعات الحكومية (التربية والتعليم العالي، حقوق الإنسان، الخارجية، الأوقاف والشئون الإسلامية، الداخلية، العدل، الإعلام، العمل والشئون الاجتماعية، التنمية الاجتماعية، مجالس الطفولة) إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني في إطار من العمل التكاملي على مستوى الأدوار والجهود.

الخطة في جانبها التربوي تتضمن جزءين أساسيين، الأول:التربية على حقوق الإنسان في المجال التعليمي (المناهج والبيئة التربوية والتدريب). والآخر: التربية على حقوق الإنسان في باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى (التدريب والتوعية).

خلاصة القول، إن كان إطار عمل مجلس الجامعة ثلاثة مجالات أساسية (المجال السياسي، والمجال الاقتصادي والاجتماعي، والمجال المالي والإداري)، وإن كانت التربية في مجملها عملاً مرتبطاً بالحقل الثقافي والاجتماعي، رغم ذلك فقد ألحقت الخطة بالمجال السياسي للدول العربية، وهو أمر لا مفر منه!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3494 - السبت 31 مارس 2012م الموافق 09 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً