العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ

الواقع العربي وأسئلة الاقتصاد: الحماية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

بيّنا في مقالة الأسبوع الماضي بأنّ أسئلة السياسة لفترة ما بعد الثورات والحراكات العربية الربيعيّة، بشأن استعادة الاستقلال الوطني والقومي وبشأن استئصال مؤسسات الاستبداد واستبدالها بمؤسسات ديمقراطية عادلة وبشأن قضايا الحريات والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، على سبيل المثال، أسئلة السياسة تلك يجب أن تصاحبها أسئلة الاقتصاد الوطني والقومي أيضاً. فالسياسة وحدها لن تكون كافية لإخراج العرب من تخلّفهم التاريخي الى رحاب الحداثة والتقدم والنمو.

دعنا اليوم نطرح أسئلة الحماية المطلوبة لقيام اقتصاد إنتاجي وخدمي ومعرفي عربي، سواء أكان على المستوى القطري أو القومي.

إن المعسكر الرأسمالي العولمي المتبني لمبادئ الليبرالية الجديدة، ممثلاً بدول من مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، قد نادى بإزالة كل أنواع الحماية الجمركية والضريبية وغيرها التي كانت تمارسها الكثير من الدول لحماية مؤسساتها الاقتصادية الناشئة. وادعى ذلك المعسكر زوراً وبهتاناً بأن غناه وتقدمه الاقتصادي الحالي هو نتيجة تبنِّيه الدائم، عبر تاريخ دوله جميعها، بسياسة التجارة الحرَّة مع الدول الأخرى وبسياسة ترك السُّوق حراً ليقرر نجاح أو فشل المشاريع الاقتصادية من خلال منافسة شريفة.

لكنَّ تاريخ تلك الدول يدحض ذلك الادّعاء. فبريطانيا مارست سياسة حمائية بالغة الشدّة حتى استطاعت أن تنتقل من دولة مصدرة لأصواف أغنامها كمادة خام إلى هولندا التي كانت متقدمة صناعياً وقادرة على قلب الأصواف الى بضائع مصنَّعة يعاد تصديرها إلى بريطانيا، من دولة مصدرة للأصواف إلى دولة صناعية قادرة على منافسة الدول الأخرى. لقد دامت السياسة الحمائية تلك لأكثر من مئة عام.

أما أميركا فتبنّت سياسة حمائية لصناعاتها النّاشئة لمدة قرن ونصف، ولم تتخلّ عن تلك السياسة إلا بعد أن وقفت صناعاتها على أرجلها بثبات وكفاءة لتنافس الآخرين في سوقها الوطني وأسواق العالم. ولم تشد الكثير من الدول الصناعية الغنيّة عن تلك القاعدة. فقد مارست فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وفنلندا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها من الدول سياسات حمائية بأشكال مختلفة، ولم تتبنَّ سياسة التجارة الحرة إلا بعد إن شبَّت صناعاتها عن الطّوق وأصبحت قادرة على المنافسة.

على ضوء ذلك التاريخ لا يحق لدول ذلك المعسكر أن تفرض على أحد، من خلال سياسات وإملاءات منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن خلال مدارس اقتصادية فكرية كمدرسة شيكاغو أو عرّابين وصوليين كالاقتصادي ملتون فريدمان، لا يحقّ لها أن تنادي برفع كل أنواع الحماية ومنع دول العالم الثالث من حماية صناعاتها الناشئة إلى حين قدرتها على المنافسة.

إذن، إذا كان من أهداف ثورات وحراكات الربيع العربي بناء اقتصاد تنموي مستقل ذاتي قادر على التفاعل الإيجابي التنافسي مع الاقتصاد العولمي، سواء على مستوى القطر أو على مستوى الوطن العربي، فان السؤال الأساسي هو: هل سيكون بالإمكان بناء صناعات ومؤسسات خدمات وتنمية زراعية واقتصاد معرفي قادرين على الوقوف على أرجلهم، بل والدخول في منافسة مع الغير، دون الإصرار على ممارسة سياسات حمائية تحمي الاقتصاد الوطني والقومي من الانسحاق تحت قوة مؤسسات الدول المتقدمة العملاقة أو بقاء الاقتصاد العربي تابعاً وخاضعاً للدول الرأسمالية الكبرى؟

إن الغرب ذا الوجهين ينادي بإسقاط الحماية بالنسبة لبضائع صناعاته ومؤسساته المالية والخدمية ولكنه في الوقت نفسه يمارس سياسة الحماية والدعم لمنتجاته الزراعية. فلماذا لا تتبنّى دول الأمة العربية مطلباً واضحاً، مع دول العالم الثالث المتضررة كثيراً من سياسات منظمة التجارة العالمية، يصّر على رفض إسقاط الحماية الكامل والرجوع الى الحماية المنتقاة، ولو لبضع عقود قادمة، إلى حين بناء قدراتها الصناعية والزراعية والخدمية والمعرفية؟

هناك أدبيات لا تعدُّ ولا تحصى تشير إلى أنه بدون حماية، لسنين معقولة على الأقل، للصناعات والمؤسسات الاقتصادية الأخرى الوطنية فإن دول العالم الثالث، ومنها دول الأمة العربية، لن تستطيع قط اللّحاق بالآخرين فضلاً عن منافستهم. مطلوب طرح هذه الأسئلة على أنفسنا والإجابة عليها.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:31 ص

      امريكا والدول الاوربية

      يطبقون الدكتاتورية علينا ويريدون مصالحهم باسم العولمة ويريدوا الاستحواد على اسوقنا واقتصادنا لكنهم يطبقون الديمقراطية في دولهم يريدون الحكم والسيطرة علينا وممارسة الدكتاتورية

    • زائر 3 | 1:11 ص

      التدريج .

      الدول الكبرى استطاعوا ان يصلوا الى القمه بتدريج ولكن لا يريدون غيرهم ان يتحركوا على نفس الأسلوب و فى الأصل هم لا يريدون ان يصل غيرهم الى القمه لذلك تراهم يبتكرون انواع من القوانين ليمنعوا غيرهم للوصول الى القمه . و هذا من مميزات الفكر اللبرالى .

    • زائر 2 | 12:32 ص

      بارك الله فيك ولكن

      نحن في حاجة الى الاقلام الشريفة ولكن الحاجة



      لملامسة ما نحن فيه عن قرب فالرؤى متباينة



      والمصطلحات متباعدة والتعريفات تشوبها الشوائب



      فهلا تفضلت بتوضيحها

اقرأ ايضاً