العدد 3525 - الثلثاء 01 مايو 2012م الموافق 10 جمادى الآخرة 1433هـ

على هامش مؤتمر ثورة 25 يناير...بين ماضي الثورات العربية وحاضرها (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الملاحظة الرابعة: ارتباط التاريخ بالواقع الاجتماعي والثقافي. وقد قدم عدد من المشاركين أطروحاته عبر تحليل الواقع الاجتماعي المصري في مختلف العصور، وهو أحد المناهج المهمة في دراسة تاريخ المجتمعات والدول، وهو التركيز على التاريخ الاجتماعي المرتبط بحركة المجتمع وقواه، وليس فقط بنظام الحكم والأسر الحاكمة وهو ما ساد في إطار المنهج التاريخي التقليدي.

ولا ريب أن بحث التاريخ الاجتماعي للمجتمع المصري هو بدوره موضع خلاف بشأن أي من القوى المجتمعية كانت مؤثرة في مرحلة تاريخية ما. كما أشرنا مثلاً لدور العلماء في حشد الجماهير وقيادة الثورات ضد الحملة الفرنسية. والشيء نفسه في تحليل ثورة 25 يناير هل هي انقلاب قصر قام به كبار رجال القوات المسلحة ضد كبيرهم حسني مبارك وحاشيته وعائلته، ومن ثم انحازوا إلى الشباب الثوار في ميدان التحرير؟ أم هي تعبير عن مصالح اجتماعية أو اقتصادية لرجال القوات المسلحة؟ وكذلك هل الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة كانوا يسعون إلى البحث عن الكرامة الشخصية والوطنية؟ أم تعبير عن مصالح الطبقة الوسطى الصاعدة التي أغلقت أمامها السبل في ظل نظام حسني مبارك وسيطرة لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم آنذاك؟ وهكذا قضايا متنوعة سيظل الباحثون والمؤرخون يتناقشون ويتحاورون بشأنها إلى أن تظهر الوثائق الصحيحة والدوافع الحقيقية وراء اتخاذ القرارات بالنسبة لكل مشارك في الثورة.

ولكن المهم أن الجميع اتفق على أنها كانت ثورة شعبية غير طائفية وغير حزبية وغير فئوية، فالجميع شارك فيها ببعد وطني، وحس وطني من مسلمين وأقباط، من قوى ليبرالية ويسارية، وناصرية وامتدت حركتها جغرافياً من العاصمة إلى أقصى حدود مصر الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، الكل كان على قلب رجل واحد وبعد سقوط قمة أو رأس النظام، بدأ الخلاف بشأن منهج العمل، والأولويات والمغانم، وهنا أصبحت ثورة 25 يناير تواجه أصعب وأعقد المشاكل، بل تعرض المشاركون فيها لتبادل الاتهامات فيما بينهم، أي أنهم وصلوا إلى مرحلة الثورة المضادة، وشاركوا فيها بوعي أو بغير وعي، بحسن نية أو بغير ذلك، لأن المهم أن كل فريق يضع أولوياته ويقدم لها تبريرات وتفسيرات، وكما قال الشاعر:

وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى

وليلى لا تقرّ لهم بذاكا

فالحب تضحية، وحب الوطن هو أكبر تضحية للمواطن، أما البحث عن المغانم الشخصية أو الفئوية أو الطائفية أو الدينية في لحظات التغيير والانتقال، فتؤدي للفوضى وعدم الاستقرار بل والصراع وللأسف هذا ما تعاني منه معظم دول الربيع العربي وخاصة في مصر.

وبالنسبة للبعد الثقافي في الثورات المصرية وخاصة ثورة 25 يناير فإن المؤتمر خصص لها جلسة كاملة تناولت الكاريكاتير والهتافات والشعارات والخطب والأدب والفن والمناهج الدراسية وغيرها.

الملاحظة الخامسة: إن الباحثين والمؤرخين في المؤتمر كانوا على مستوى التوقع بالنسبة للبحث العلمي الموضوعي والحوار والعقلاني، وسادت بينهم روح الزمالة بأكثر من روح التنافس أو النقد غير الموضوعي أو الهجوم الشخصي، وكان كل منهم يحترم الآخر، وهذه سمة من سمات العلماء والباحثين الموضوعيين، مهما اختلف كل منهم في وجهة نظره. كما أنهم أو بعضهم أعاد قراءة التاريخ المصري عبر العصور بنظرة موضوعية، فهناك من قدم بحثاً عن «ثورات العامة في مصر العثمانية» وآخر عن الفتنة الطائفية في مصر زمن الثورات والاضطرابات، أو عن الثورة الاجتماعية في مصر القديمة، أو الفساد في مصر عبر العصور مع تركيز على عصر حسني مبارك مع إشارات لعصر السادات أو عصر عبدالناصر، وهذه الموضوعية في التناول واحترام الرأي الآخر حقيقة وليس مجاملة، إنما هي تعبير عن المنهج العلمي الصحيح، وعن الطابع المصري الأصيل، وهو نقد الذات بأسلوب موضوعي وعدم المبالغة في احترامها أو تقديرها، وعدم النظر إليها من خلال الاستعلاء، أو إثبات أن مصر وشعبها أو قياداتها أو ثوّارها لم يرتكبوا أي خطأ عبر تاريخهم.

ولعل هذا هو أحد سمات الشخصية المصرية إذ تجد المصري أكثر نقداً لمجتمعه وتاريخه وحكامه، ولكنه نقد يقوم على الموضوعية والاحترام، وهو نقد علمي، وهو نقد بهدف التطوير والتحسين، وعادة هذا النقد لا يكون من المصري الذي يعيش خارج الوطن، بل تجد المصري خارج أرض الوطن في ديار الغربة أكثر حساسية وتعبيراً عن حبه ورفضه أي نقد للوطن أمام الغرباء، مهما كانت صلته بالغرباء، ولعل تاريخ زعيم وطني مثل مصطفى كامل في مذكراته التي كان ينتقد فيها مصر وسلوك المصريين بينما كان يقول دائماً عن مصر «وطني لو شغلت بالخلد عنه، لنازعتني إليه في الخلد نفسي» كذلك الأمر بالنسبة للبابا شنودة بطريرك الأقباط الراحل الذي كان دائماً يرفض أي تدخل أجنبي بدعوى الدفاع عن المسيحيين أو الادعاء بحمايتهم وله قول مشهور في هذا الصدد «إنه إذ كان الاختيار بين حماية المسيحيين من قوة استعمارية أجنبية وبين التدخل في شئون مصر من هذه القوة، فليذهب المسيحيون للجحيم ولتبقى مصر حرة مستقلة» هذه الروح الوطنية المصرية العميقة الجذور سادت في أثناء ثورة 25 يناير رغم معاناة المسيحيين وما تعرضت له بعض كنائسهم من تدمير أو تعرض له بعضهم من أقوال من قوى إسلامية متشددة تصورت أن مصر إسلامية فقط، ورفعت مثل هذا الشعار، الذي انتقده معظم المسلمين والمسيحيين، على حد سواء، وهذا بخلاف سلوك بعض الشعوب الأخرى الذين يعملون ضد أوطانهم في بلاد الغرب ويحرّضون ضد بلادهم أو يرفعون شعارات ذات فكر ديني أو طائفي أو عنصري أو إقليمي في إطار مفهوم والاستقواء بالخارجي. فالمصريون مسلمون ومسيحيون يرفضون الالتجاء للأجنبي أو الاستعانة به ضد وطنهم، بالطبع ليس كل المصريين ملائكة، فهناك أيضاً بعض من يسلك بخلاف ذلك، ولكنهم قلة ومنبوذة حتى من أقرب الأقرباء إليها.

الملاحظة السادسة: وهي اقتراح للمستقبل وهو يتعلق بأهمية إتاحة البحوث العلمية للمشاركة لاطلاع الآخرين عليهم أثناء المؤتمر، ولكن ربما يفسر ذلك أمران أولهما كثرة الأبحاث المقدمة ومن ثم ارتفاع تكلفة إصدارها جميعاً وإتاحتها لجميع المشاركين والأمر الثاني أن اللجنة المنظمة وزعت الملخصات للأبحاث المقدمة من كل المشاركين، ولعل ذلك هو التقليد المعمول به في كثير من المؤتمرات الكبيرة، بخلاف المؤتمرات الصغيرة المحدودة، فأبحاث المؤتمر أكثر من مئة بحث، وكل منها يتراوح بين 20-30 صفحة، ولكن المنظمين وعدوا بإصدار كتاب علمي يرجع إليه الباحثون والمهتمون في المستقبل.

الملاحظة السابعة: الجلسة الخاصة عن الموقف الإسرائيلي من الثورة، والتي ترأسها أحمد عبداللطيف حماد المتخصص في الدراسات العبرية وشارك فيها كوكبة من الباحثين في الثقافة واللغة العبرية والسياسة الإسرائيلية، وترجع أهمية هذه الجلسة إلى دور إسرائيل في الأمن الوطني المصري إيجاباً أو سلباً وفي الأمن القومي العربي، وفي التأثير على التطور السياسي في المنطقة العربية برمتها.

ومن هنا، تأتي أهمية دراسة الحضارة والثقافة اليهودية وما يدور في إسرائيل المعاصرة من تطورات وأفكار عبر وسائل الإعلام والأبحاث الجامعية التي تصدر باللغة العبرية وقد أثار انتباهي اطلاع حماد والهواري، وهما أستاذان قديران من المتخصصين في الدراسات العبرية، على أحدث ما يصدر في إسرائيل ودورها ومواقفها بالنسبة لثورة 25 يناير والأحداث في المنطقة العربية بوجه عام.

وبالطبع هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الموضوع، ولكنها ملاحظات سريعة، وكان أول المعلقين على الأبحاث رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية عادل غنيم، في نصيحة هادئة لجيل الباحثين الشباب بأهمية التدقيق في المصطلحات العلمية، وعدم استخدام التعبيرات غير الدقيقة التي تتردد في الصحف، وكذلك أهمية تقديم التحليل والرؤية من واقع ما توصل إليه الباحث، وعدم الاكتفاء فقط بسرد الأحداث والوقائع لأن الباحث الشاب هو مشروع عالم، ومن ثم فلابد أن تكون له رؤية.

ولفت نظري في تلك الجلسة ما ذكره أحد الباحثين منسوباً لبحوث إسرائيلية بأن أكثر الدول المعرضة للقلاقل مستقبلاً هي الأردن وبعض دول الخليج. وكذلك إشارة إحدى الباحثات بأن المصادر الإسرائيلية ذكرت أن أكثر الرابحين من الربيع العربي هو الإسلام السياسي الراديكالي، وأكثر الخاسرين هم الأقليات والمرأة والحكام العرب وأميركا وإسرائيل، وكذلك قول باحثة أخرى بأن ملاحظتها على رجال الدين في إسرائيل أنهم يكيّفون آراءهم وفقاً لمصالح إسرائيل وليس وفقاً للفكر الديني اليهودي وقواعده الأصولية الصحيحة. وتمنيت في مداخلتي أن يدرك رجال الدين في بلادنا العربية ذلك ويفكروا في أوطانهم وليس من منظور ديني أو خارجي وولاء لغير الأوطان، وكذلك أشارت باحثة أخرى متخصصة في اللغة العبرية، وأيدها حماد، حيث ذكرت أن المصطلحات العبرية عن الانتفاضة الفلسطينية وأحداث الربيع العربي كما عبرت عنها الصحف والكتابات الإسرائيلية في الأبحاث عن الثورات العربية هي وصفها بأنها «هبة أو انتفاضة «وليست ثورات حتى تنتزع عن الأحداث أهميتها وتصورها بأنها حركة في المكان نفسه، كما يدل على ذلك معنى الكلمة العبرية أي أن الهدف هو تصوير ما يحدث بأنه محلك سر وليس سعياً للديمقراطية والحرية التي يراها الإسرائيليون أنها حكراً عليهم في هذه المنطقة. رحم الله مفكرنا الكبير أحمد بهاء الدين الذي قال بعد هزيمة العام 1967 أنها هزيمة حضارية وليست فقط عسكرية، ودعا للاهتمام باللغة والثقافة العبرية لفهم العدو أو الخصم وحقاً ورد في الحكم والأمثال العربية «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم»، فهل تفهم مؤسساتنا السياسية والأمنية أهمية معرفة لغة الدول الأخرى ذات التأثير على أمننا الوطني والقومي أم ماتزال تنظر لمن يدرس تلك اللغة بأنه عميل أو تابع لتلك الدول المعادية.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3525 - الثلثاء 01 مايو 2012م الموافق 10 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً