العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ

الجنة حيلة الفقراء

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لطالما عانت الفئات الأضعف من اجحاف الحياة، من قوانين لا تنصفهم، ودول تميز بين مواطنيها على اساس الطبقة، والاصل، واللون، على امتداد الزمن كان الفقراء والمساكين، المظلومون والعاجزون يحتالون على بؤسهم بوعد الجنة، لا يبدو غريباً اننا مازلنا نمارس ذات الحيلة حتى اليوم، يشتكي البؤساء حاجتهم، ولأننا عاجزون عن تغيير واقعهم نذكرهم بأن الله سيعوضهم ذات يوم، من لا يملك بيتاً سيبني له الله آخر اكبر واجمل في الجنة، الفقير سيكون غنياً ذات يوم، او ربما ان لم يحدث ذلك فوعده الآخرة، المظلوم سينتقم له الله ايضاً، ان لم يحدث هذا في حياته، سيجد انتقام الله في الاخرة، كل الأمور ستصبح رائعة ذات يوم.

الحيلة القدرية التي نمارسها للتغلب على بؤسنا وعجزنا عن تغيير الواقع هي الاتكال على الله، وتمرير احلامنا وامنياتنا التي نستسلم في تحقيقها ليقوم بها عوضاً عنا، من لا يملك بيتاً ليس عليه ان ينتظر ليعوضه الله في الآخرة، لأننا نعيش في دولةٍ ينص دستورها على حقنا في توفير المسكن اللائق، وحين نعجز عن محاسبة حكوماتنا، ونستصعب سؤالها عن سبب عيشنا مشردين في دولةٍ نفطية، فنلقي بعبئنا على الله، نطالبه بمنازل في الاخرة، وقصور وحدائق، وأمنيات خضراء تعيننا على العيش محرومين في الأرض، المظلوم أيضاً ليس عليه الاتجاه للقضاء، ولا طلب العدالة الضائعة وسط دهاليز فوضى القانون؛ لأننا نعجز عن مراقبة تطبيق العدالة فنحيلها إلى محكمة الآخرة، وتؤجل القضايا الى يومٍ غير معلوم، نستمر في الدعاء ليل نهار لنرى آثار انتقام الله، وننسى اننا في دولة يحكمها القانون أيضاً، وأن محكمة الآخرة لا تلغي محاكم الدنيا، التي علينا التأكد انها تقوم بدورها كما يجب ان يكون، الفقير والمحروم عليه ان يعيش كذلك للأبد؛ لأننا لا نملك قدرة محاسبة المعنيين بالشئون الاجتماعية، ليس عليهم خشية مراقبتنا لعملهم في دعم ومساندة هذه الفئات المحتاجة، ولأننا لا نقوم بواجبنا في رقابتهم ومحاسبتهم كما يجب فإنهم يوغلون في تقييد صرف هذه المساعدات، وتصعيب امورها على المواطنين، يستحدثون المعايير تلو المعايير، لا لتصب في صالح المحتاجين بل ليستثنى اكبر عددٍ منهم، هؤلاء ايضاً سيعوضهم الله في الجنة بالنعيم، والأطياب، ولتبقى بطونهم في الأرض خاوية، فتلك حيل البؤساء.

لم يخلقنا الله في الدنيا لنؤجل الحياة، بل لنعمر الأرض، ونقضي الحياة في العمل والعطاء، لنعيش هذه الحياة بكل تفاصيلها، دون اغفال الحياة الأخرى، ولكن أيضاً دون تأجيل هذه الحياة، لذا لن نحتال بعد الآن، لن نعِد المحرومين بجنات النعيم لنصرف انظارهم عن تقاعسنا عن مساعدتهم، لنكن قوة قادرة على الدفع نحو اصلاح حقيقي في مؤسسات الدولة لتقوم بدورها باهتمام عوضاً عن رمي ثقلنا على الله وخلق حيل نتجاوز بها عن تنازلنا عن حقوقنا في الوطن.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:36 م

      البيضة والدجاجة

      رغم أن الانسان لم خلق كي لا يموت الا ان افعال أكثر الناس غير دالة على ذلك.
      ليس سرا:
      انما الاعمال بالنيات .. ولكل امريء ما نوى!
      ومن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره.
      إعمل لدنياك كانك تعيش أبدا، واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا
      فبما يقرن الانسان ويوزن؟؟

    • زائر 8 | 4:56 ص

      هذا حقنا

      صح لسانج اختي على كل واحد منا ما يتنازل عن حقه ويخلي المجال للوافد ياكل الخضر واليابس ومن اجل ذلك ثورتنا مستمرة حتى ننال الحقوق

    • زائر 7 | 2:26 ص

      فرق بين الاستسلام والتسليم

      يا بنتي الإنسان المؤمن بالله لا بد ان يكون مسلّما لقضائه راضيا به ولا يعني كلام الاستسلام متعذرا بالظروف وإنما على الإنسان أن يبذل قصارى جهده دون كلل او ملل ويترك التوفيق لله وحده مسلما له ما اراد
      فنحن نرى في الحياة الكثير ممن يبذلون ويبذلون ويعطون قد لا يصلون الى ما يطمحون ولكنهم مسلمون امرهم لله بعد كل جهدهم هنا يأتي دور التسليم لله
      والرضا بقدره وقضائه وكما نعرف انه من لوازم الانسان المسلم الإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما. وقانا الله وإياكم جميع الشرور

    • زائر 2 | 1:12 ص

      كيفية معرفة إختيار ممثل الشعب

      غياب الوعي وقصر ثقافة الشعب في إختيار من يمثلهم أوصل الأحزاب المتنفذة باسم الدين والطائفية لقبة البرلمان من دون أن يستفيذ منهم الشعب في أبسط حقوقهم من حيث المعيشة والسكن. ولايزال الشعب لم يستفيذ من أخطائه للأكثر من ثمان سنوات.

    • زائر 1 | 1:05 ص

      الحياة بكرامة!

      عم ولاتنس نصيبك من الدنيا ... وحتى لا نكن قدريين ، على أن الإنسان أن يوازن بين طموح الحياة ورضا الله وهذا يحد من الجشع والظلم ويرسخ الحقوق الإنسانية ويقدّر قيمة العمل والسعي للتوازن في مطالب الحياة. إن الأمم تشترك في مبادئ عامة يتساوى فيها البشر بغض النظر عن أعراقهم وديناتهم، فكيف بأمة المصطفى (ص) وهي خير الأمم وهي تتشرذم وتجزأ المجزأ ، وهذا ليس من الدين والخلق في شيء. أخيرا، لنبحث عن الصدق والامانة والشفافية والحرية والكرامة في قاموس البشرية ونطبقها بدلا من العيش على حساب كرامة الآخرين!

اقرأ ايضاً