العدد 3538 - الإثنين 14 مايو 2012م الموافق 23 جمادى الآخرة 1433هـ

رسالة من أطفال هيروشيما إلى أطفال البحرين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بلا رحمة ولا شفقة منذ نحو 67 عاماً، وبين صباح السادس والتاسع من أغسطس/ آب العام 1945، أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قرارها بإبادة الجنس البشري في اليابان لوقف رحى الحرب العالمية الثانية. قنبلتان بكبسة زر من قائد الطائرة الأميركية ومن علو غير مرتفع كثيراً، سقطتا في ذلكما اليومين المشئومين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي. مدينتان مأهولتان أبيدتا بقدر واحد صاحبه أميركي وصناعته أميركية. في هيروشيما، انفجرت القنبلة في قلب المدينة، فحطمت كلّ شيء تماماً.

نحن أطفال (هيروشيما ونجازاكي) مازلنا نستعيد هذه الرواية في منامنا وصحونا لا لنتجرع الهموم ونعيد البكاء على المآسي التي صنعها الغرب ضدنا بدعم العلم الحديث؛ ولكن كي لا نمحو من الذاكرة فظاعة بعض أنواع الجنس البشري حين تُعامل غيرها كالحشرات فلا تحزن ولا تبتئس بقتلهم بالعشرات بل بالمئات في لحظة واحدة، فقط لأنهم ليسوا من الجنس الذي يريدون له الحياة بمقاسهم وفهمهم.

نستعيد هذه الذكرى الأليمة التي ستمر علينا نحن أطفال هيروشيما بعد أسابيع لنرسل لأطفال البحرين رسالةً من قلوبنا ونحن نعلم ما يحدث لهم اليوم في أرضهم. فقد قرأنا أن عندكم أكثر من 250 طفلاً يعانون من السموم والغازات كالتي خلفتها القنابل الذرية الأميركية التي سحقت أجساد وجلود أجدادنا. فالألم واحد، والدخان واحد، والسموم واحدة.

لقد فُجعنا بأثر مباشر بحيث تسببت القنبلة بقتل ثلث السكان في المدينة نتيجة الحروق أو صدمة الإشعاع. أما التأثيرات المتأخرة الرئيسية للإشعاع فجاءت بظهور السرطان، والذي نخشاه كذلك من كثرة إطلاق الغازات عليكم ليل ونهار، كما أصاب طفولتنا المبكرة والبالغين منهم آنذاك. هل تعلمون أن الضرر وصل إلى أدمغة الأجنة وهم في الأرحام؟ فمن ولد بعد تلك المأساة من الأطفال انتقلت التأثيرات الإشعاعية لأدمغتهم، فتصوّروا كيف وُلدوا وبأيّ حال عاشوا، مآس تمشي على الأرض وليس بشراً سوياً. وإلى اليوم، نحن أطفال اليابان، نعاني من آثار قنبلة أميركية فتاكة ألقيت علينا بلا ذنب جنيناه منذ ستة عقود مضت. فطوبى لكم وأنتم تعيشون في عام فقط ما عشناه في ستة عقود من الزمن الرديء الذي أنتج أسوأ ما في الحضارة البشرية في القرن العشرين، وهي القنابل الذرية أو الغازية الخانقة فكلها صناعة غربية لإبادة البشرية وليس لحمايتها وحماية طفولتها وأجنتها في الأرحام.

نحن أطفال هيروشيما، نرسل لكم هذه الرسالة عبر الهواء مفعمة بأريج السلام والوئام الذي نتمنى أن يحل بين ربوعكم وقلوبكم كي لا تشعروا بعد أذى بروع ولا بعد كدر بخوف؛ بل أن تشعروا بالأمن والحماية ولنوقظ القلوب الصامتة لتقوم بفعل طيب كما فعل الطيبون والصادقون في بلادنا لنا، وهم الذين وقفوا مع أطفال القنبلة الذرية أو لنقل ضحاياها، وأنتم ضحايا الآن بسبب ما يجري من أحداث في بلادكم.

ولو سألنا ما ذنبنا وذنبكم؟ ما ذنب الطفولة أن تعذب وتهان وتسحق كرامتها ولعبها ومواهبها بدل أن تصان وتحمى بجميع قوانين الطفولة الدولية التي يتشدقون هنا وهناك بصونها ومن أجلها يذرفون دموع التماسيح، ليست يابانية بل عربية، ويستنزفون أموالاً هائلة لتدبيج قوانين تملأ آلاف الأوراق، وفي النهاية لا كرامة ولا حماية للطفولة في وطنها. فلن نجد جواباً لتساؤلنا معكم: لماذا تعاملون الأطفال بهذا الشكل المهين؟ أيعقل أن يكون طفل رضيع في المهد يقود ثورة؟ أيعقل أن يكون طفلٌ في العاشرة أو الثالثة عشرة من عمره مقاوماً شرساً يمزق ثياب من يملك السلاح؟ وكيف يجرؤ وهو يعلم ربما يقتل؟

ثقوا بأننا نسمع آهاتكم في سويعات الليل البهيم من جراء الغازات الخانقة المميتة لأننا نعرف ما فعلت أختها الأميركية بأجدادنا في تلك الأيام الحالكة. نعرف كم تعانون من أجل مواصلة يومكم الدراسي في مدارس قد مُلئت غازاً طائفياً ضدكم هو لعمرنا أفدح وأعظم ضرراً من الغاز المسيل للدموع أو الخانق. فذاك تعرف كيف تهرب منه وتتقيه، ولكن غاز الحقد والإقصاء والتهميش كيف تتقيه وتكافحه وهو أصبح جزءاً من النفوس المريضة. هو غازٌ يبث للفرقة والكراهية البغيضة التي يبثها البعض عندكم ضد إخوتهم في الأرض والملة كما تقولون.

نعرف كم فقدتم براءة الطفولة في المهد حتى أوصلتكم سريعاً إلى اللحد. نعرف كم تعانون من لقمة العيش بسبب فصل آبائكم وأمهاتكم من العمل. نعرف ونعرف... أن حتى شايكم ما زال أحمر قانياً، بينما نحن صار الشاي عندنا، بعد مآسي القنابل الذرية وغازاتها التي أثرت على أجيال من الشعب الياباني؛ أخضر... وبالتالي لم نعد نُقبل على الشاي الأحمر كثيراً لأنه يذكرنا بمآسي القتل والحروب المدمرة.

نقول لكم بصدق انه ربما ما يخفف عنا بقايا الألم لما أحدثته قنابل (هيروشيما ونجازاكي) أن من قام بذاك الفعل المدمر ضدنا هو من خارج بلادنا؛ ولذا نشعر بتعاطفنا الشديد معكم. فلا نستطيع دعوتكم لزيارة اليابان لنخفف عنكم البلاء لما يحصل لطفولتكم البريئة كما حدث لطفولة أجدادنا، ولا نحن نستطيع أن نزوركم لنعلن وقفتنا الإنسانية معكم ونخفف من آلامكم. فإذا كان العالم الذي يدّعي التحضر لا يسمح لأطفال العالم بأن يزوروا أرض فلسطين المحتلة ليعلنوا من هناك وقوفهم وتضامنهم ومواساتهم لأطفال فلسطين؛ فكيف سيسمح العالم لنا بزيارتكم. ونقول بعدها: تصبحون على وطن بلا جراح ولا عيون حاقدة لا ترتجي للناس الفلاح، تصبحون على يوم يجمعنا ببراءة الطفولة في ملاعب الفجر القادم لنا ولكم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3538 - الإثنين 14 مايو 2012م الموافق 23 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:00 ص

      المصيبة أعظم

      موضوع رائع ،لكن أطفال هيروشيما لم ينظروا وجهًا لوجه مع من يتميز حقدًا عليهم ولا من يتمنى زوالهم ، وحين أصابهم ما أصابهم التحم كل المجتمع صفًا ليوفروا الدعم النفسي لهم وحين رأى من أطلق القنبلة نتائج فعلته عليهم هناك مقولات أنه انتحر من الاحساس بالعار ، وفي وطننا كلما أصابت جزء من المجتمع مصيبة فرح بها من يريد الفتك بأطفالنا وأرسل رسالات التعيير و التشفي من دون أدنى إحساس أو إنسانية

    • زائر 1 | 1:23 ص

      آه

      والله آلمني الواقع المرير لاطفالنا اليوم وذلك بسبب حقد الكبار ونفوسهم المريضة وما ترتب عليه من اثار مضره بالصغار

اقرأ ايضاً