العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ

الاتحاد بين الدول... وأهمية دور المواطن في تشكيله

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في هذه الأيام أصبحت المجالس الاجتماعية والمنتديات والمحافل الاقتصادية والسياسية تتحدث عن الاتحاد الخليجي ومتطلباته الموضوعية والقانونية والحقوقية وعن مفاهيمه وأهدافه وتطلعاته وانعكاساته الإيجابية والسلبية على شعوب الدول ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.

من غير المنطقي رفض مبدأ الاتحاد، ولكن من المنطق جداً أن تتنوع الآراء وتصنف بين مؤيد ورافض له، ومن الأسس التي تبنى عليها هذه الفكرة «الاتحاد» هو الاستماع إلى كل الآراء التي تتبنى توجهات فكرية وثقافية وسياسية متنوعة، والتي لها مساحات واسعة في كل مجتمع من المجتمعات التي تفكر في الدخول في هذا المشروع الكبير، لما لذلك من أهمية كبرى في تحصين المصالح العليا لكل المجتمعات القابلة أو الرافضة له، فإذا كانت الشعوب حاضرة برأيها وهي التي تحدد مصيره، لا يمكنها بعد ذلك تحميل أنظمتها مسئولية القرار الذي يتخذ في هذا الشأن، سواء كان بالسلب أو الإيجاب، فالكل يعلم أن فكرة الاتحاد بين الدول ليست فكرة جديدة على المجتمعات البشرية، فقد نفذت العام 1957 بعد اتفاقية روما التي وضعت اللبنة الأولى للاتحاد الأوروبي، والتي وقعت عليها ست دول أوروبية هي إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا ولكسمبورغ، وكانت الاتفاقية محدودة بحرية انتقال السلع وخصوصاً الحديد والفحم بين الدول الموقعة على الاتفاقية، بعد النجاح في تنفيذها توسعت وتشعبت وتعمقت حتى شملت جميع المناحي الاقتصادية والمالية والسياسية على مدى أكثر من خمسة عقود شهدت توسعاً في هذا الاتحاد من خلال انضمام بريطانيا وايرلندا والدنمارك في سبعينيات القرن العشرين، والتحقت به في التسعينيات إسبانيا والبرتغال واليونان، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق انضم عدد كبير من دول وسط وشرق أوروبا، وانتقلت من حدود حرية انتقال السلع إلى حرية انتقال البشر فيما عرف باتفاقية «الشنجن» وقد استطاعوا إنشاء برلمان أوروبي موحد يتم انتخابه من الشعب الأوروبي وأصبحت لهم عملة موحدة وهى اليورو، ما سهل التجارة والمعاملات بينهم بشكل كبير جداً، فلديهم الأمل الكبير في أقرار دستور أوروبي موحد مع وجود كل الصعوبات التي تواجه هذا الأمر.

وعلى رغم تلك النجاحات الكبيرة التي حققها الاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات، والذي أوجد للشعوب الأوروبية حقوقهم الإنسانية والسياسية والوطنية، ووفر الرفاهية والديمقراطية لهم، إلا أنها في السنوات الثلاث الماضية قد تعرضت إلى منعطف اقتصادي خطير، هددها في وجودها الاقتصادي والاجتماعي والمالي، فعاشت في أزمات اقتصادية متتالية خانقة لا سابق لها، على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية، أدى إلى سقوط بعض الحكومات، بعد فرضها إجراءات تقشفية وعجزها عن معالجة الأزمة، التي أدت إلى إفلاس الكثير من الشركات العقارية والاستثمارية والبنوك، وازدياد نسبة العاطلين عن العمل بشكل مخيف، وارتفاع عدد المترددين على المصحات النفسية عشرات الأضعاف، وزيادة نسبة المصابين بأمراض السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم، وزادت مصانع الأدوية من تصنيع وإنتاج العقاقير والأدوية المهدئة للقلق والاكتئاب، بسبب الخسائر الفادحة التي أصابتهم في عمق اقتصادهم، في الوقت نفسه فشل العالم العربي في تجاربه الوحدوية التي جرت بين بعض دوله، ولم تستطع جامعة الدول العربية توحيد دولها أو ترسيخ تجارب الدول التي سعت إلى الوحدة، أمثال وحدة مصر وسورية في نهاية الخمسينيات والتي لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات، ووحدة مصر وليبيا والسودان، ووحدة وادي النيل بين مصر والسودان، ومجلس التعاون الخليجي، الذي لم يستطع إنهاء الخلافات الحدودية بين بعض دوله، ولم يتمكن من تحقيق تقدم في مشاريع العملة الخليجية الموحدة والجواز الخليجي الموحد والسوق الخليجية الموحدة، فبعضها دخل في سوق التجارة العالمية الحرة، وبعضها رفضت الدخول فيها، ولم يتمكن من توفير الرفاهية والديمقراطية التي يطمح إلى تحقيقها المواطن الخليجي.

وكذلك لم يستطع الاتحاد بين العراق واليمن والأردن ومصر، لوجود مجموعة من التناقضات السياسية والاقتصادية الكبيرة بينها، ولهذا لم يبقَ سنوات طويلة، فبمجرد دخول القوات العراقية إلى الكويت واحتلالها، انتهى وجوده السياسي وساءت جداً العلاقات بين دوله، فبعضها وقف سياسياً وإعلامياً مع العدوان الذي وقع على الشعب الكويتي الشقيق، والبعض الآخر شارك في الحملة العسكرية التي أدت إلى تحريره من أيدي القوات العراقية الغازية، وتجربة مجلس التعاون المغاربي الذي ضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وهذا المجلس أيضاً لم يستطع الاستمرار بسبب الخلافات السياسية العميقة بين الجزائر والمغرب، السؤال الذي يطرح في الساحة السياسية العربية، لماذا لم تنجح الدول العربية في تجاربها الاتحادية، ونجحت الدول الأوروبية؟

نعتقد أن الأسباب عديدة ومتشعبة، ولكن أهمها الديمقراطية، من المعروف أن الاتحاد الأوروبي يطلب من الدول التي ترغب في الانضمام إليه شروطاً قاسية جداً، أبرزها الالتزام بالديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، فالكل يعلم أن إسبانيا والبرتغال طلبتا الانضمام للاتحاد، فلم يقبلهما إلا بعد تحولهما للنظام الديمقراطي، وأما السبب الأبرز الذي أدى إلى فشل الدول العربية التي سعت إلى إيجاد كيانات وحدوية، هو عدم أخذها بالمنهج الديمقراطي في دولها، فمعظم تلك التجارب الوحدوية بنيت على أساس الرغبات الوقتية والهيمنة السياسية، التي لم تنتج مستقبلاً ديمقراطياً واقتصادياً زاهراً للإنسان العربي، نأمل أن تشكل الدول العربية في المستقبل المنظور اتحاداً مماثلاً للاتحاد الأوروبي، يبنى على الأسس الديمقراطية والمشاركة الحقيقية للمواطن العربي في اتخاذ القرار، ويكون هو مصدر السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويكون له برلمانات كاملة الصلاحية وحكومات منتخبة وقضاء مستقل، ويحقق عدالة سياسية واقتصادية واجتماعية، من دون تمييز طائفي أو عرقي، والتعامل معه على أساس مبدأ المواطنة التي تحفظ له كرامته الإنسانية وحقوقه الوطنية في التوظيف والمكافآت والحوافز والخدمات بكل أنواعها، وتفتح له آفاقاً واسعة في التنمية الاقتصادية والتطوير العلمي والتكنولوجي وتوجد له تكافؤ للفرص في كل المجالات العلمية والأدبية والفنية والإعلامية والتكنولوجية.

وخلاصة ما قاله السياسيون، أنه لا يمكن أن يكتب النجاح الحقيقي لأي اتحاد في العالم الإنساني، إلا بشرطه وشروطه الديمقراطية والوطنية والحقوقية والسياسية، نسأل الله جلت عظمته أن يوفق الدول العربية والإسلامية في توحيد صفوفها وجهودها وطاقاتها وإمكانياتها البشرية والمادية، لتشكيل اتحاد حقيقي بينها، ويكون فيه المواطن المحور الأساس في تكوينه وتطويره.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:24 م

      زائر 2

      لا يا أخي في أمور يجب بناء الهرم من الاعلى وبمتانة كما في الشركات والبنوك واذا نظرت الي الدول ستجدها في نفس الطريقة راس المال قوي روئساء و مدراء اكفاء و الهدف المراد الوصول الية

    • زائر 4 | 2:02 م

      مفهوم

      ما في طاعى للتطويل .. فهمنا قصدك

    • زائر 3 | 2:01 م

      مفهوم

      ما في طاعى للتطويل .. فهمنا قصدك

    • زائر 2 | 2:29 ص

      لا يمكن بناء الهرم من أعلى

      مقالك مهم جدا واعقب ببعض الكلمات البسيطة تصديقا لمقالك أنه لا يمكن البدء ببناء اي شيء من فوق اي من أعلى الهرم، وإنما يبدأ البناء من القاعدة
      هذا مقتضى المنطق والعقل ولكن على ما يبدو ان ذلك غائبا هذه الأيام.
      فتؤخذ الأمور من طريقها العكسي وسوف لن يتم امر
      بهذه الطريقة ونهايته فاشلة

    • زائر 1 | 1:17 ص

      الاتحداد قاصمة ظهر العدو

      اللهم وفق قادة دول مجلس التعاون الى الاتحاد الذي يحفظ .بعد الله .شعوب وحكومات المنطقة

اقرأ ايضاً