العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ

نماذج من عدل الله... فهل من متعظ؟

أحمد العنيسي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حينما تتفكر في عطايا الله للمخلوقات، ومكونات الكون المتفرعة المتشابكة من المجرات والمجموعات الشمسية، والسموات والنجوم والكواكب الأخرى التي تسبح في أفلاك متناسقة، ليستفيد منها جميع المخلوقات من غير منة أو تفضل، أو مقابل شروط مذلة كتقديم الولاء أو العبادة لله بالقوة.

أعطى الله الناس الحرية في العبادة مع أنه قد أوضح للبشر في آياته المحكمات منها «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: 56)، ولكن لم يقم جلت عظمته، بقطع الرزق عن أحد من عباده، ولم يُعاقِب من يعصيه من عباده المشركين والملحدين، بعدم إعطائهم الأبناء أو منع الذرية بسبب عصيانه لأوامره أو منع عنصر من عناصر الحياة لينتقم منهم «حاشا رب العزة والجلالة والإكرام»، في حين أن الله على كل شيء قدير.

لذا لا نرى تفضيل إنسان على آخر، ولم نشهد نشر الكواكب والنجوم وعناصر الكون المختلفة على منطقة مقدسة، ومنعها عن أخرى. ليس هناك إنسان أعطاه الله وفضله على غيره من الهبات كأن يعطي القائد أو الغني الأولاد والفقير الإناث فالكل سواسية في هبات الله (الفقير والغني يهديهم الله الإناث والذكور ووفقاً لأحكامه)، ولم يخلد الله في الأرض الملوك ويميت الفقير فكل منهما له أجله المحتوم.

كذلك لا نرى تفضيل أحد من عباده على آخر – إلا بالتقوى - مهما علا شأنه، أي لم يهب الرؤساء أكثر من معدة أو أن يعطي الفقير أنفاً وعيناً واحدة ويعطي الرؤساء أنفين وعينين، وهبنا الله أعضاء متكاملة في الجسم (قلب ورئتان وعينان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وعقل وكريات الدم والخلايا... الخ) لكل من الفقير والغني بالتساوي، ومكن الجميع في السعي للرزق بالتساوي، في قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، (الملك: 15).

فيما تقدم، يقودنا لأمر مهم أو نستخلص منه أن الله عز وجل قد بسط العدل وطالبنا به كما أمرنا بالمساواة بين الناس وفقاً للآية الكريمة الصريحة «وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل» (النساء: 58) فهل من متعظ؟

في الحقيقة لم أتوقع أن بني البشر فرعون «ملك القبط بالديار المصرية»، وهامان «وزير في مملكة فرعون» وقارون «أغنى رجل جاه ومال في زمانه»-، كما أنه في زماننا كثير من هذه التصنيفات، ما يودون أو يرغبون في الاستحواذ على مقدرات الأمة وتحويش المال من غير حدود بهدف استعباد الناس، وحرمان الآخرين من حقوقهم الذي وهبها الله لهم كرزق وطالبهم بتوزيعها بالميزان والعدل والحق.

لم أتصور أن يصبح هذا المخلوق جشعاً لهذا المستوى، مع يقينه أنه لن يستخلف الأرض: قول الإمام علي (ع):

أين الملوك التي كانت مسلطنة...

حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

وهذا الجشع مقابل أن يتخلى عن القيم الدينية الأساسية، ويصبح ممقوتاً أخلاقياً واجتماعياً ودينياً. فليس من المال فائدة إذا ما عَرَف الإنسان: بأن ذل المرء في الطمع والعزة في القناعة، كما قال أمير المؤمنين علي (ع)، وقال أيضاً لمن يكدس الأموال:

أموالنا لذوي الميراث نجمعها...

ودورنا لخراب الدهر نبنيها

خلاصة القول يجب علينا أن نكتسب مواعظنا من الله، تتلخص في نشر الخير للجميع وتكريس الحق، والحرية في الاعتقاد والرأي، والحكم بالعدل بين الناس، كما أمرنا الله في كتابه العزيز، وكذلك عدم البطش بالفقير وإذلال صاحب المطالب، فلنستقي المحاسن من الله عز وجل، فجل جلاله لطيف بالعباد وحليم وغفور رحيم، فلنكن أصحاب تسامح وعفو وسلم، ونحافظ على الرعية من الجور والظلم، ولنتذكر القول المأثور: إذا دعتك قدرتك على ظلم الآخرين فتذكر قدرة الله عليك.

إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"

العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 5:41 ص

      فواد

      ههههه ومن عداله الله ان خلق شخص غني وواحد فقير وواحد سليم وواحد معاق. ثم يحاسبهم نفس الحساب. الله ظالم ظالم غشوم

    • زائر 14 | 11:27 ص

      موضوع رائع ولكن!

      ألفت انتباهك الى ان آية 58 من سورة النساء كتبت خطأ يستوجب التصحيح لبيان معنى الأمر من العدل الإلهي فهو العدل كله بلا ريب/مع تحياتي

    • زائر 13 | 8:13 ص

      لو يتعظون

      جان ما وصلوا الى هالحالة المخزية والعياذ بالله

    • زائر 12 | 6:39 ص

      الجشع مقابل التخلي عن الدين برمته وليس القيم فقط

      وصلت الرسالة يا دكتور

      سترواي

    • زائر 10 | 3:06 ص

      أين الملوكأين الملوك أين الملوك

      أين الملوك التي كانت مسلطنة...

      حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

    • زائر 9 | 2:38 ص

      المواعظ تفيد في من لم يترك الرين اثره على قلوبهم

      (كلا بل ران على قلوبهم ما كانو يكسبون) ذلك الرين له اسبابه والآية ذكرت ذلك وهو الكسب اي الكسب غير المشروع ليس الكسب المقصود منه المال وإنما اي كسب اي عمل يقوم به الانسان هو الذي يسبب له الرين ان كان في الطريق المخالف لشرع الله.فكل المعاصي تعتبر كسبا والمعصية الأولى تمحى لو تداركها صاحبها باستغفار وتوبة ولكن اذا اعقبها بمعصية أخرى ثم اخرى هنا يكون التراكم وهنا يكون الرين وبعد الرين لن يوفق الانسان لسماع العظة والمواعظ حتى ساعة الغرغرة وهو مصر على ما نهجه
      فلا يوفق لتوبة حتى لا تكن له حجة على الله

    • زائر 8 | 2:30 ص

      الموسوي الستري

      مقالك يا دكتور على الجرح ..
      بارك الله فيك و زادك الله من نعيمه و نعمه ..

    • زائر 7 | 1:34 ص

      لا متعظ

      نارً لونفخت بها لأضاءت ولكن ضاع نفخك في رمادِ. هذا هو حالنا

    • قلم أسود | 1:18 ص

      أين تكمن العلّة

      عندما ينسى الانسان الموت ينزلق الى أدنى ما لا يتصوره الانسان فيعتقد السلطان أنه سيد الزمان وأنه المخلد الباقي والرزاق المشافي

      ولكن عندما يأتيه الزائر الذي من غير ميعاد يأتي يفغر فاه ويقول يا ليتني كنت ترابا ليذوق عذاب ربه ويبقى مخلداً في النار وبئس المصير

    • زائر 3 | 12:16 ص

      الله لا يفضل انسان على اخر

      كما قلت لم نشهد تفضيل غني او ملك على فقير فالكل له يوم يموت ويندفن تحت التراب في حفرة صغيرة قد بعض. لا متعظ بعظمة الخالق

    • زائر 1 | 11:40 م

      رمزية المقال وصلت يا دكتور وتمنيت منك أكثر!!

      هذا المقال الرمزي نتعلم منه عدم إعطاء الولاء لأحد غير الله جلت قدرته ، فمن المعيب أن نعطي الولاء لشخص فانٍ ةيستعبدنا استعباد العبيد، فإذا كانت هنالك عبودية فهي لله جل وعلا، اما العبودية المتحققة في بني البشر فليس من الصحيح الانصياع نحوها، كما هو حال بعض الفئات المريضة التي تذل نفسها وترغم أنفها وتمرغ عزتها على أعتاب الجبابرة من أجل فتات من منصب أو زعامة أو شيئا من المال الزائل... لم يعلموا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولا يحق لعبد ان يبيع نفسه لجبروت!!!

اقرأ ايضاً