العدد 3559 - الإثنين 04 يونيو 2012م الموافق 14 رجب 1433هـ

هلال وموقف تجار البحرين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هذه حكاية اقتصادية - وطنية بامتياز، ولأنها حقيقية مثبتة بالوثائق وفي كتابات المؤرخين، فإننا نهديها مع التحية لبعض تجارنا الأفاضل الذين، للأسف، ركبوا موجة بث الكراهية ضد مكون مهم جداً من مكونات المجتمع منذ فبراير/ شباط 2011 ولم ينظروا ملياً في تداعيات عملهم هذا على الاقتصاد وهم أحد أطرافه سواء في غرفة التجارة أو خارجها؛ لعل وعسى يرتقي فكر كل تاجر، بشكل اقتصادي عملي، لمستوى ما وصل إليه أصاحب هذه الحكاية من تجار الخليج في زمان ما.

في عرض البحر وفي شهر أغسطس/ آب من العام 1910 وقع حدث مهم في تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي. كانت الرياح هادئة والسكون يلف هيرات اللؤلؤ عند جزيرة أبوعلي في نهاية شهر أغسطس وموسم غوص ذلك العام يشارف على نهايته. مع رنة الفرح المشوبة بآهة التعب في أصوات النهامة، يبدأ موسم «القفال» وعودة الغواصين إلى الديار، رُفعت الأشرعة البيضاء على صواري السفن الكويتية المتجهة نحو سواحل الوطن بعد حوالي أربعة أشهر في عرض البحر. ولكن بعض نواخذة السفن المتجهة إلى الكويت لاحظوا أن عدداً يربو على 200 سفينة لم تواصل الإبحار معهم بقيادة ثلاثة من كبار تجار اللؤلؤ وممولي سفن الغوص الكويتية.

حدث ذلك خلال أزمة حادة غلفت سماء الكويت في مطلع القرن العشرين بين بعض تجار اللؤلؤ وبين الحكومة آنذاك في عهد الشيخ مبارك الصباح لأسباب اقتصادية-سياسية- عسكرية. تذكر كتب التاريخ الكويتية أن تجار اللؤلؤ الثلاثة أولئك هم (هلال فجحان المطيري وشملان آل سيف وإبراهيم المضف)، وهم من كبار عائلات الكويت، ومعهم العديد من نواخذة السفن والغواصين الذين يعملون لحسابهم، خرجوا وحملوا معهم معظم ثروتهم مما خف حمله وغلا ثمنه دون علم السلطات بنيتهم الحقيقية والتي - كما تذكر الباحثة سلوى الغانم- كانت سرية بين الثلاثة فقط وهي:عدم العودة إلى الكويت بعد موسم الغوص في تلك السنة. إلا أن شملان - كما يضيف المؤرخ عبدالعزيز الرشيد - رجع إلى الكويت لفترة وجيزة جداً لأخذ بعض الحاجيات وعاد في الحال للانضمام إلى زملائه.

وبعد وقت ليس بالطويل شوهدت 17 سفينة غوص كويتية تغادر موقع رأس جزيرة أبوعلي متجهة إلى جزر البحرين جنوباً لطلب اللجوء عندها - إن صح التعبير- وكان من بين السفن المتجهة إلى البحرين، عشر سفن تتبع إبراهيم المضف والسبع الأخرى تتبع هلال المطيري.

وفي البحرين الحاضنة آنذاك للمعارضين الكويتيين ممثلين في تاجر اللؤلؤ هلال المطيري ومن معه، أبدى هؤلاء قلقهم للانجليز هناك كما تذكر- الغانم- على لسان هلال المطيري حين قال للمعتمد البريطاني في الكويت (شكسبير) وللمعتمد السياسي البريطاني في البحرين (شارلز ماكنزي): «من غير المجدي أن يعرّض الأشخاص المعروفين في المجتمع أنفسهم للانتقام». وقد جاءت الأحداث مصداقاً لقول هلال الذي لم يأت بالطبع من فراغ. فبعد وصول بعض المبعوثين من قبل الشيخ مبارك لاسترضاء هلال المطيري وإبراهيم المضف ليعودا إلى الكويت، رفض الأخيران ذلك بشكل قاطع قبل إبداء الاعتذار العلني لهما كسبيل للتسامح والعودة. فما كان من حاكم الكويت إلا أن بعث برسالة للشيخ عيسى آل خليفة حاكم البحرين بتاريخ 4/ 9/ 1910، يشرح فيها موقفه مما عُرف بقضية الطواويش الثلاثة. وهنا فضل حاكم البحرين - كما تشير احدى الوثائق البريطانية - أن يتم الوصول لاتفاق ودي بين حاكم الكويت وبين أولئك الطواويش بدلاً من استمرار الخصام والفعل ورد الفعل.

تحت وطأة مجمل تلك الأوضاع والمشكلات السياسية والعسكرية والاقتصادية كانت تلك الأزمة - كما تصفها الغانم- أشبه بالضربة الاقتصادية التي جعلت الشيخ مبارك بحكمة الخبير يفكر بعقلانية أكثر. لذا قرر، في الوقت المناسب، التخلي عن حملته ضد السعدون على حدوده البرية الشمالية الغربية والتوجه لحل مشكلة المعارضين وإطفاء شعلتها في مهدها وذلك بأعلى مستوى من الإرضاء والتوافق لكل الأطراف، حتى يؤمن الجبهة الداخلية قبل فتح جبهة خارجية ضد أعداء الكويت. فأي معارضة من قوى الشعب الفاعلة لها وجهة نظر فيما تفعل ويجب تقديرها والنظر ملياً في كيفية التماهي معها لا الوقوف دائماً ضدها. ولأن الشيخ مبارك يقدر أهل بلده وشعبه وخصوصاً القوى المؤثرة في الاقتصاد، فقد أرسل عدة وفود للتوصل إلى صلح مرضٍ مع أولئك الطواويش المعارضين في الخارج. بدءاً بإرسال بعض أعز أصدقاء الطواويش من تجار اللؤلؤ في الكويت الذين وقفوا على الأقل على الحياد، ليس كما فعل بعض تجارنا سامحهم الله، لاسترضاء هلال وصحبه. ثم بإرسال ابنه وولي عهده الشيخ سالم الذي نجح في استرضاء اثنين من الثلاثة. وعندما أصر هلال المطيري في البحرين على موقفه وخوفه من العودة دون ضمانات حقوقية بعدم التعرض له شخصياً في حياته وأهله، ركب الشيخ مبارك بنفسه يخته البخاري المسمي «مشرف صباح» قاصداً البحرين ومعه شملان وإبراهيم المضف العائدين قبل هلال، وبعض الوجهاء في الوفد المرافق.

وفي البحرين وفي قصر الشيخ عيسى تم الصلح بين الشيخ مبارك وهلال برعاية حاكم البحرين، وعاد هلال إلى الكويت، ولكن ليس في مركب حاكم الكويت بل انتظر مركباً آخر لنوخذة من الشعب الكويتي ليركب معه ويصل إلى وطنه الكويت أواخر شهر شعبان 1329 هـ (20/ 8/ 1911م) أي قبل حلول شهر رمضان وهلاله بحوالي ستة أيام. وقد استُقبل هلال في الكويت بكل تقدير واحترام وتكريم من قِبل الشيخ مبارك. وسارت الأمور بين الجانبين على خير ما يرام حتى وفاة الشيخ مبارك الصباح العام 1915.

وبموقف هلال ذاك وبحكمة من عالج الأمر، انتهت أهم أزمة أرّقت السلطة السياسية والشارع التجاري في الكويت لأكثر من عام وتعلم منها الجميع الدرس جيداً، فهل تتعلمون الدروس تجارنا الأفاضل من نظرائكم في نفس المنظومة وإن بعُدت المسافة والسنوات بيننا وبينهم؟ أم ستتركونها أُمنيات يداعبها الموج الأزرق وزبده عند سواحل بلادي الحبيبة؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3559 - الإثنين 04 يونيو 2012م الموافق 14 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:46 ص

      هل يعقل التجار بتجارب الاخرين؟

      لان الخاسر الاكبر من الاستمرار بالازمة على المستوى البعيد هم التجار (الاقتصاد الوطني)
      ليتحرك التجار لحوار يرضي جميع الاطراف

    • زائر 5 | 2:29 ص

      لقد سقت قصصا وعبرا ايها الكاتب لو يسمعها عاقل لوعاها

      من يعي ومن يسمع ومن يأخذ الامثلة والعظات لقد ولّى الزمن الذي يستمع الناس القول فيتبعون احسنه.
      بل هناك عكس ذلك هناك من الكتاب من يستخدم اشد انواع الالفاظ فتكا في المجتمع غير عابيء بما سيؤول له حال البلد المهم ما يحصل عليه من حفنة الاموال او ما يفرغه من حقد من صدره لكي يرتاح منه
      بعد ان يفرغ سمه الذي اثقل صدره.
      ضربت امثلة ومواعظ فيها البيان الواضح والطريق الصحيح
      ولكن لقد اسمعت لو ناديت حيا

    • زائر 4 | 1:41 ص

      الاستقلالية

      معروف عن تجار الكويت أنهم تجار مستقلون صنعوا كياناتهم بأنفسهم فاستقلت إرادتهم منذ ذلك الوقت عكس بعض الدمى عندنا صناعة محلية فاقدة الإرادة والاستقلالية

    • زائر 3 | 1:13 ص

      للقصة عبر من المواقف.. قد يحتاج لها من يهمه الأمر..

      - هلال: «من غير المجدي أن يعرّض الأشخاص المعروفين في المجتمع أنفسهم للانتقام».
      - فضّل حاكم البحرين أن يتم الوصول لاتفاق ودي بين حاكم الكويت وبين أولئك الطواويش بدلاً من استمرار الخصام والفعل ورد الفعل.
      - الشيخ مبارك بحكمة الخبير يفكر بعقلانية لحل مشكلة المعارضين وإطفاءها في مهدها بأعلى مستوى من الإرضاء والتوافق لكل الأطراف. فأي معارضة من قوى الشعب الفاعلة لها وجهة نظر ويجب تقديرها والنظر ملياً في كيفية التماهي معها لا الوقوف دائماً ضدها. ولأن الشيخ يقدر أهل بلده وشعبه وخصوصاً القوى المؤثرة.

    • زائر 2 | 10:51 م

      الدور السلبي للتجار

      الله يهديهم تجارنا دورهم سلبي ليس فقط في هذه الأزمة بل من قبل ايضا لا أتذكر أن لهم دورا في احتضان برامج تنموية أو أفكار مبدعة للشباب أو المشاركة في حل مشكلة البطالة بل على العكس كانوا سببا في تمكين الأجانب والأسيويون من رقاب المواطنين وكأن للأنانية والرغبة في احتكار الثروة والجاه دورا في تعاطيهم السلبي مع أبناء بلدهم، اللهم اصلح حالنا وتجارنا ليكونوا عون وليس فرعون

    • زائر 1 | 9:04 م

      سنابسيون

      على الرغم من عدم توافر التكنلوجيا والتطور عند السابقين لكن كان عندهم ما ينقصنا اليوم الا وهو (( الحكمه )) صحيح فقد كانوا من الحكمة والحنكة بحيث كانت تحل المشاكل قبل أن تتفاقم الأمور أما في عصرنا هذا فقد قل الحكماء إن لم نقل اصبحوا من الندرة مثلهم مثل اللؤلؤ الذي صار نادرا مثلهم

اقرأ ايضاً