العدد 3563 - الجمعة 08 يونيو 2012م الموافق 18 رجب 1433هـ

«النانو» والورقة الأخيرة في وردة «المحمدي» البحريني

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال الأسبوع الماضي عُقدت ندوة فكرية متطورة مقارنة بغيرها من الندوات التقليدية لكنها لم تنل حظها إعلامياً في خضم الأوضاع «المؤزمة قسراً والمؤجلة دائماً» في حراك الساحة البحرينية العام. الندوة أقامتها الجامعة الأهلية بعنوان «استراتيجيات المعرفة في عالم متغير»، قُدمت فيها أوراق ذات مواضيع غير مكررة كثيراً مثل «التقانة النانوية: بوابة نحو المستقبل»، لشوقي الدلال، و«المعرفة المدجّنة: الجامعة والجمالية المفرطة والرقابة» لنادر كاظم، و«البارادايم والفيلسوف توماس كون» لإسماعيل الربيعي.

وقد استوقفتني ورقتا «النانو والمعرفة المدجّنة» لما لهما من علاقة وثيقة بواقعنا البحريني الآني تحديداً، وخصوصاً المعرفة التي وقفت الجهات الرسمية ضدها دائماً على مر التاريخ ثم استخدمتها للبهرجة زمناً ثم أهملتها كلياً في آخر الزمن واحتقرت رجالها. وورقة «النانو» لا من حيث فقط أهميتها العلمية، بل من حيث المقاربة في صغر حجم «النانو» الذي يوحي إلينا اليوم باللجوء لكل صغير وتافه من ذرات الغبار وتحويله لمشكلة وتُهم عويصة تستخدم طائفياً بكل ما في بُغض الاستخدام من معنى كما في تغريدة نبيل رجب عن المحرق، فتحولت هذه «النانو» لقضية وصلت إلى التحقيق والقبض على من نطق بها والإطلاق المؤجل له.

كم كنت أتمنى لو حضر تلك الندوة بعض رجال السياسة في بلدي سواء منهم من يتبنون الوسطية وهم لا يفقهون معنى اليمين أو اليسار، أو من يعلنون جهاراً أنهم يمين في يمين متطرف وبفخر.

وحتى لا نأخذكم بعيداً في موضوع لم نتعرف عليه جيداً بعد، فالعلماء يذكرون، ليس بينهم بحريني واحد بالطبع من المعارضة، أن تقنية «النانو» (Nanotechnology)، أو تقنية الصغائر، هي العلم الذي يهتم بدراسة ومعالجة المادة على المقياس الذري والجزيئي. ويعني مصطلح «نانو» الجزء من المليار؛ ولكي نتخيل صغر «النانو متر» نذكر ما يلي: تبلغ سماكة الشعرة الواحدة للإنسان 50 (ميكرومتر) أي 50,000 نانو متر. فتصور بهذا المثل ما هو حجم «النانو».

ثورة «النانو» تعمّ العالم اليوم وقد انطلقت بعض الدول لعمل دراسات عن هذه التقنية، وقامت دول أخرى بعمل مراكز بحوث ودراسات وجامعات مخصصة لتقنية «النانو». في الوقت الذي مازلنا نستخدم المصطلح في البحث عن تهم «نانوية» لا ترى بالعين المجردة لإلصاقها ببعض الشرفاء لزجّهم في التوقيف المؤقت والمؤجل لأجل غير مسمى أو مسمى، لا فرق!

في مجال الصحة سيكون لدى الأطباء، الذين لم تلمس شعرة من جسدهم في الدول التي تعرف قدر الطبيب المواطن الصادق والوفي؛ القدرة على السيطرة على بعض الأورام الصغيرة التي لا يمكن التأثير عليها في السابق، وأيضاً في مجالات أخرى.

هذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم، ويرى المتفائلون أنها ستلقي بظلالها على جميع مجالات الطب الحديث والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وحتى الحياة اليومية للفرد العادي، فهي وبكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله. مثل حواسيب خارقة الأداء يمكن وضعها على رؤوس الأقلام والدبابيس، ولنتخيل أسطولاً من روبوتات «النانو» الطبية والتي يمكن لنا حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية والأورام والأمراض المستعصية. ونحن بدل أن نرسل أطباءنا وأكاديميينا للنهل من علم هذه التقنية الحديثة؛ إذا بنا نزجّهم في السجون والمعتقلات لنهين كرامتهم ونصغرها في أنفسهم وأمام الناس لتصبح أقل من «النانو»!.

العالم من حولنا سيقبل على ثورة تتغير معها المفاهيم والتطلعات، وحتى لا يتهمنا أحد بأن هذه الثورة «النانوية» من صنع المعارضة وقوى خارجية لا تريد الاستقرار للبحرين؛ فإنه سيمكن من خلال تقنية «النانو» صنع سفينة فضائية في حجم الذرة يمكنها الإبحار في جسد الإنسان لإجراء عملية جراحية والخروج من دون جراحة. كما تتمكن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة.

ويقول أحد العلماء، أرجو ألا يسمع بقوله رجال الأمن والمخططين لهم، إنه ليس هناك من حدود لتقنية «النانو»، ولنستعد لما يسميه بـ «الرواصف» الذين سيبنون كل شيء، من أجهزة التلفزيون إلى شرائح اللحم، بينما سيتجول آخرون في أجسامنا وفي مجاري الدم محطمين كل جسم غريب أو مرض عضال وليس كل من ينتمي للمعارضة! وسيكون بإمكاننا إطلاق جيش من «الرواصف» وليس الروافض، غير المرئية لتتجول في بيوتنا على السجاد والرفوف والأوعية محوّلة الوسخ والغبار إلى ذرات يمكن إعادة تركيبها إلى محارم وصابون وأي شيء آخر بحاجة إليه». اللهم لا تجعل «جيش من الرواصف غير المرئية تتجول في بيوتنا» هذه الأيام دون أن نراهم!

ولمن يسارعون في استيراد آلات النار والعذاب من أسلحة مختلفة وغازات خانقة قاتلة من الولايات المتحدة بملايين الدنانير؛ تذكر التقارير أنها هي والصين تعتبر من أكبر اللاعبين في العالم في عصر تقنية «النانو». فكلتاهما تنفق مليارات الدولارات سنوياً من أجل تملك حق هذه التقنية المستقبلية والتحكم فيها، وتأتي اليابان معهما في هذه المرتبة لدرجة أن الأخيرة ستصنع، كما يذكر شوقي الدلال، مصعداً فضائياً إلى القمر العام 2050 باستخدام تقنية «النانو» ليستغرق الصعود فيه إلى القمر نحو عشرين يوماً. ووفقاً للتقرير الصادر عن (RNCOS Report) فإن تقنية «النانو» ومنتجاتها في الأسواق الصينية من المتوقع أن تزيد على 144.9 مليار دولار أميركي بحلول العام 2015. ويعود الجزء الأكبر من التطور السريع للصين في مجال صناعة «النانو» إلى دعم الحكومة المركزية، وانظر إلى أين تتجه حكومات العرب اليوم وأين تنفق ملايينها؟

ويكفي أن نذكر بأن جامعة واحدة فقط في الصين من بين عشر جامعات، وهي جامعة العلوم والتقنية الصينية، يبلغ عدد الأبحاث في علم «تقنية النانو» بها 1019 بحثاً موزعة على 6135 موقعاً. وعدد الشركات في مجال صناعة «النانو» أكثر من 800 شركة، لم تعاقب أي منها لأي موقف سياسي أو تم فصل أي عامل من عمالها بأمر حكومي، على اختلاف طبقات وأديان ومذاهب وقوميات الصين. فأين منها الحكومة الإلكترونية؟!

فيأتي الجواب، نحن و«النانو» فما زلنا نبحث في «نانوية» عقوبة من يكتب تغريدة على موقع «التويتر»! و«نانوية» تهمة عكاز مكسور لاحتلال مستشفى ضخم! ونناقش «نانوية» إضافة مواد جديدة لعقوبات إيذاء رجال الأمن في الشوارع! والبحث في «نانوية» رصد ملايين الدولارات والدنانير لجلب مزيد من الأسلحة الفتاكة والمناطيد بمليار دولار في العام لفائدة شركات الأسلحة الأميركية لتستطيع تطوير بحوث «النانو» للتفوق على الصين!

وأغرب نتاج عقلية «النانو» البحرينية الأحادية التفكير، حين يمسك بعضهم بوردة «محمدي» بحرينية وهم ينتفون في أوراقها على طريقة «بيحبني ما بيحبنيش»، مرددين ترنيمة ملّها الناس: «معالجة أمنية... أم مصالحة ديمقراطية»، حتى وصلنا إلى الورقة الأخيرة في هذه الوردة بعد استنفاذ كل الخيارات، فتخيلوا معي، ولو كنتم مكان هؤلاء، بماذا ستنطقون حين قطف آخر ورقة ليست في خيار استخدام أو عدم استخدام «تقنية النانو» وعلم المستقبل والحضارة الحديثة؛ بل الحيرة في الورقة الأخيرة لحل الأزمة المستعصية منذ نحو 15 شهراً. هل ستكون النهاية بحل أمني أم بمصالحة ديمقراطية ذات حقوق مدنية؟ ولا تقترحوا أن نحيل أمر هذه الورقة لعلماء «النانو»، لأنها أعقد وأصغر من أن يستوعبوها رغم علمهم الذي يفوقها، ألم تستغربها ستون دولة قبلهم بـ 176 توصية؟ إذن كل «نانو» وأنتم بخير.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3563 - الجمعة 08 يونيو 2012م الموافق 18 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:32 م

      خبير النانو

      مقال راع مزج بين النانو الديمقراطي والتفكير في طريقة استخدامه وبين النانو الذي يجلب الاسلحه والدمار وكأن لديها سلاح ليزر مستورد يستفيد من أموالنا لابحاث النانو

    • زائر 2 | 7:46 ص

      أبكيتني

      و نخشى أن يقضى على كل الورد المحمدي في بلدنا على ( الحل الأمني ).
      مقال رائع.

    • زائر 1 | 4:21 ص

      داود

      لا و لا يفوتك ، فوزارة التربية و التعليم لدينا ) لا تعترف بشهادات أي من الجامعات الصينية !!!!!!!!!!!!!

اقرأ ايضاً