العدد 3578 - السبت 23 يونيو 2012م الموافق 03 شعبان 1433هـ

المصالحة في ظل تحديات المرحلة

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

في محاضرة نظمتها المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس التنفيذي لجمعية «كوو بريشن أيرلند» بيتر شرايدن، عن النزاع العنيف في ايرلندا الشمالية الذي استمر 30 عاماً.

وقال شرايدن: «إن مأساتنا في ايرلندا الشمالية، هي أننا لم نتمكن حتى اليوم من الاتفاق على هوية مشتركة، وبدلاً من أن نقف مع بعضنا البعض فإننا نتنافس، وعلى رغم أننا نشترك في اللغة ونتشابه في المظهر ولدينا ثقافة مشتركة، فإننا نتمسك بعناد للأمور التي تفرّقنا ونختلف عليها».

شرايدن يتطرق إلى تجربة ايرلندا الشمالية في إسقاط غير مباشر على الواقع البحريني الحالي، والذي يكاد يتشابه في كثير من أوجهه مع ما يجري في ايرلندا الشمالية، فغالبية البحرينيين مسلمون ويتحدثون اللغة العربية، وتجمعهم عادات وتقاليد واحدة وإرث اجتماعي قديم ضارب في جذور التاريخ، وأهدافهم مشتركة، ومصيرهم واحد، وبينهم مصاهرات ودم مختلط من مختلف الأطياف والمذاهب والتلاوين.

وعلى رغم كل ذلك، هناك جهات تعكف على تحشيد طائفة مقابل طائفة أخرى، لا لشيء سوى الحرص على عدم اجتماع شمل الجانبين، وأن لا تتوحد رؤاهم ولا يشكلون أي عامل ضغط وقوة بتوحّدهم.

ولتحقيق هذا الغرض، تعمل هذه الجهات على توظيف الأحداث التي مرت بها البحرين في العام 2011، لتثبيت حالة القطيعة، من خلال ربط المعارضة بطائفة من الناس، وحشر كل من ينتمي إليها في زاوية الولاء للخارج وخيانة الوطن والسعي لتحقيق أهداف تضرّ بالسلم والأمن الاجتماعي، حتى بات مواليد هذه الطائفة عملاء بالهوية وهم في المهد لا يفقهون ما يجري من حولهم، ولا يعلمون أيّ مستقبل ينتظره هذا الوطن وأبناؤه.

حتى الأطفال على مقاعد الدراسة باتوا يتنازعون على أساس طائفي، ويسألون أولياء أمورهم عن الفرق بين زميليهم عبدالرحمن وحسين، وهم أبناء وطن واحد، ولسنوات يجلسون جنباً إلى جنب على طاولة واحدة في الصف المدرسي، ولم يسأل أحدهما الآخر عن كيف يؤدي صلاته أو سبب اختلاف لهجة كل منهما. والآن يجلسان في مكانين مختلفين في الصف ذاته، ويتناولان وجبة الإفطار بعيداً عن بعضهما البعض، ويتحاشيان العبور في الممر ذاته.

إذا كان هذا هو مصير أطفال صغار تشبّعوا بأفكار مفخّخة مسمومة، فما هو مستقبلهم بعد مضي 18 عاماً، حين ينهون دراستهم الجامعية ويدخلون إلى سوق العمل، هل يمكن أن ينهض الوطن على سواعدهم وهم متفرقون في جماعات تحيا وسط بيئة معدومة الثقة، ويطغى عليها الريبة والتوجّس.

بيتر شرايدن - الذي يرأس أكبر المنظمات الإيرلندية العاملة في مجال بناء السلام - أكد على الدور المهم الذي يلعبه الشباب في خلق مجتمع مشترك، لافتاً إلى أن «الكل يعلم أنه لا يمكن خلق مستقبل مشترك دون الاستثمار في الشباب، ولن يتحقق أي تقدم إلا إذا كان هناك عمل للشباب، وأيضاً عمل في المدارس يدعم الشباب لتحديد وتغيير الثقافات الطائفية غير الطبيعية في مجتمعاتنا».

للأسف أن من يتم استغلالهم لتحقيق الصدام الاجتماعي هم الشباب في سن يمثل فورة الانفعال والتعاطي مع الأمور باندفاع، يدعم ذلك منظومة متقدمة للاتصال المباشر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، يتم من خلالها تناقل دعوات التحريض على الكراهية.

تثقيف وتعريف الناس لتقوية تضامنهم وتناغمهم الاجتماعي، عبر عرض تجارب دول متقدمة سلكت طرق مختلفة تتوافق مع خصوصية مجتمعاتنا لتوفير أجواء المصالحة وتحقيقها على أرض الواقع، هي خطوة مهمة على طريق امتصاص الحالة الطائفية التي يراد لمجتمعنا المتسامح أن ينزلق فيها، ولكن يبقى أن هناك أدواراً مكملة يجب أن تتبوّأها جهات رسمية وأهلية لدعم هذا المسعى، فلا يكفي تنظيم احتفالية مشتركة أو ماراثون للمشي أو مهرجان ترفيهي لردم الهوّة وتقريب وجهات النظر من أجل التمهيد للمصالحة، فقضية بحجم الوطن لا يمكن التعافي منها بالمهدئات المؤقتة، بل تحتاج إلى مصل وعلاج ينتزع المشكلة من جذورها.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3578 - السبت 23 يونيو 2012م الموافق 03 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:16 ص

      الثقة المكسورة

      إن أي علاقة يجب أن تبنى على أساس متين من الثقة ، و في حين تمّ كسر هذه الثقة فلن تكون هنالك علاقة قائمة ، الحكومة عليها قبل أن تدعو لحوار وطني عليها أن ترجع لبناء الثقة بين الحكومة و الشعب لتبدي مدى نيتها المخلصة للحوار و لكن حوار و الشعب بين الحديد و النار هو إنتزاع بيعة لا أكثر.

    • زائر 3 | 5:11 ص

      ياسلام ..ولكن ولللأسف.

      أولا : نتمنى كل الخير ونرجوا من المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار أن تكون خير على مملكة البحرين باذن الله تعالى .

      ثانيا : ولكن : يجب أن يتوقف العنف وتعطيل ارزاق الناس ليس بمعقول ان اشخاص مراهقين لا يفقهون شي وعندهم اندفاع يغلقون الشوراع وعندما تاتي مكافحة الشغب تقف صامتة بسبب اغلاق الشوراع ليس بمعقول ..ليس دفاع عن هذا وهذاك فقط هذا الواقع يجب أن يكون العقلاء طرف واين هم .من الذي يستخدم المراهقين ؟؟ الجواب انظر الي الشوراع وألأطارات .

اقرأ ايضاً