العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ

أي عراق بعد الحكيم؟

بغداد ، عواصم -الوسط، وكالات 

29 أغسطس 2003

أكد تلفزيون النجف مساء أمس مقتل رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله محمد باقر الحكيم، في اعتداء بسيارة مفخخة أوقع 82 قتيلا على الأقل و229 جريحا أمام ضريح الإمام علي (ع).

وقرر مجلس الحكم إعلان الحداد في مختلف أنحاء العراق، وندد بالحادث المؤسف مؤكدا انه سيزيد الشعب إصرارا على محاربة الإرهاب. كما أعلنت إيران أيضا الحداد لثلاثة أيام وحمّلت «القوات الأميركية المحتلة» المسئولية.

وبعث حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى برقية تعزية ومواساة إلى عضو مجلس الحكم في العراق عبدالعزيز الحكيم أعرب فيها جلالته عن خالص تعازيه وصادق مواساته لأسرة الفقيد قائلا: « لا شك في أن العراق قد فقد شخصية سياسية بارزة اتسمت بالحكمة والرأي السديد كرست نفسها للدفاع عن العراق وشعبه».

فيما صرح مصدر مسئول بوزارة الخارجية بأن مملكة البحرين تدين بشدة الجريمة الارهابية النكراء التي اودت بحياة سماحة آية الله محمد باقر الحكيم وعدد من المواطنين العراقيين الابرياء في مدينة النجف الاشرف. واضاف المصدر « مما لاشك فيه ان من يقوم بعمليات العنف والارهاب بهذا الشكل غير الاخلاقي انما يهدف إلى وأد تطلعات الشعب العراقي إلى استتباب الأمن والاستقرار في ربوع العراق، وهدم طموحاته في بناء العراق الجديد القائم على التمساك والاخاء والوحدة الوطنية الصلبة». وكان الحكيم صرح أخيرا في مقابلة مع صحيفة «العدالة» الناطقة باسم المجلس بأن «منهج القوة لا يعتمد ألا بعد استنفاد كل الأساليب السلمية والكلمة الطيبة والحوار والمنطق وهو ما لم يستنفد بعد (...) وعلينا بذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي لإنهاء الاحتلال». ووصف عضو مجلس الحكم موفق الربيعي، في تصريح لـ «الوسط» استشهاد الحكيم بأنه «خسارة للأمة العربية والإسلامية» لأنه كان يتمتع بعقلية سياسية فذة ومعتدلة. وعن الجهة التي تقف وراء المجزرة قال إنها الجهة نفسها والقوى نفسها التي تحاول زعزعة استقرار العراق.

كما ذكر العضو أحمد الجلبي في اتصال مع «الوسط» من بغداد، أن استشهاد الحكيم هو «فاجعة لجميع المسلمين» وله شخصيا. وأوضح أن الفقيد كان يتوقع الهجوم عليه وقال له ذلك أثناء اجتماعهما يوم الأربعاء الماضي. وأكد استنكار المجلس لهذه العملية وتصميمه على اجتثاث بقايا نظام صدام. موضحا أن إعلان تشكيل الحكومة أرجئ ثلاثة أيام.


ماذا بعد الاغتيال؟

الوسط - وليد نويهض

ماذا بعد اغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الشهيد محمد باقر الحكيم؟

سؤال كبير ينتظر الكثير من الأجوبة الصغيرة حتى تتضح صورة الموقف بعد انجلاء غبار المأساة. الكل يتخوف من أن تؤدي الجريمة إلى المزيد من الفوضى التي يستفيد منها الاحتلال. فالفوضى تسهم في إنشاء مراكز قوى تستغل الفراغ الأمني الذي سيدفع القوى إلى التقاتل لاحتلال المواقع. والكل يتخوف من زرع المزيد من الشكوك والاتهامات المتبادلة بين الفئات السياسية والمراجع الأهلية والدينية بعد غياب رموز العقلانية والاعتدال. ولا شك في أن أول المتضررين من الجريمة هي المقاومة العراقية. فالمقاومة الآن ستخضع للابتزاز لأن تداعيات الموقف ستضعها في دائرة ضيقة بعد ان اجتهدت للخروج من المناطق التي تركزت عملياتها فيها.

واخطر التوقعات هي تفاعل الفوضى واحتمال انتشارها لتفريغ البلاد من المراجع التقليدية التي يراهن عليها أبناء العراق كونها تشكل نقطة ثقل وضمانة سياسية لعودة الدولة.

اغتيال محمد باقر الحكيم خطوة خطرة في مجهول لا يعرف اين ينتهي. فالاغتيال أعلن بوضوح فشل الاحتلال في ضبط الامن وحماية الناس من الجرائم والسرقات والنهب واخيرا قتل الرموز. ويرجح في هذا الاطار ان تسارع القوى المحلية إلى مطالبة الاحتلال بمغادرة المدن والبلدات والقرى وتسليم أمنها لأجهزة عراقية عارفة بتقاليد البلاد وعادات اهلها. وهذا الامر اذا حصل لابد ان تتفق المراجع العليا في العراق على تشكيل هيئات أهلية منتخبة تعمل على تأليف مجلس قيادة يتولى الاشراف على وضع دستور للدولة يتوافق عليه الشعب في مختلف فئاته ومناطقه.

النظام العراقي السابق انتهى وكل التكهنات التي تقول باحتمال عودته باطلة. الخوف الآن على دولة العراق. فغاية الاحتلال في النهاية تمزيق البلاد الى أشلاء ضعيفة وغير قادرة على التماسك مجددا في اطار وحدة سياسية دستورية.

وعلى القوى الحية والفاعلة في العراق ان تمنع تدهور الأمن وانتشار الفوضى من خلال تكاتفها وارتفاعها الى مستوى يسمح لها باعادة تركيب الدولة بعيدا عن الخراب والاطراف الطائفية والمذهبية التي تهدد وحدة البلاد وتغذي الاحتلال وتبرر وجوده واستمراره.

هذا هو الرد العاقل على جريمة ارتكبت ضد رمز من رموز الاعتدال في بلد عاش فترة طويلة في ظل الاستبداد والتطرف.


مخاوف من دخول العراق نفق الفتنة

بغداد - عصام العامري

أعرب عراقيون عن خشيتهم من أن يكون حادث مقتل زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله محمد باقر الحكيم، مقدمة لإشعال فتنة طائفية وعرقية وحرب أهلية بين أبناء الشعب الواحد. وأثارت المجزرة الكثير من الأسئلة التي قد يجيب عنها المستقبل.

وعلى رغم أن الاتهامات الأولية جنحت إلى تحميل أعضاء في نظام البعث السابق وأنصار صدام مسئولية تدبير الانفجار، فإن بعض الآراء لم تستبعد أن يكون من تدبير بعض المتشددين. وتتجه بعض الآراء إلى أن الهدف منه إثارة الخلافات بين فرق الشيعة المختلفة.

وفي حين يحمّل العراقيون الاحتلال مسئولية فقدان الأمن وتهاونه في حماية الشخصيات الدينية البارزة، حذر مسئول في المجلس الأعلى - عقب محاولة الاغتيال التي استهدفت آية الله محمد سعيد الحكيم قبل أيام في النجف - من أن هناك «خطة تنظيمية متكاملة يجرى تنفيذها ميدانيا» وتستهدف العناصر الشيعية المؤثرة.


82 قتيلا و229 جريحا في انفجار سيارة ملغومة وإجراءات مشددة في بغداد

اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم في مجزرة بشعة في النجف

النجف - وكالات

قتل رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله السيدمحمد باقر الحكيم و82 شخصا كما جرح نحو 229 آخرين في انفجار سيارة مفخخة أمس أمام ضريح الإمام علي (ع) في مدينة النجف المقدسة التي تبعد 175 كيلومترا جنوب بغداد، حسبما ذكرت مصادر عدة.

وفي طهران أعلن مكتب المجلس الأعلى أن باقر الحكيم قُتل في انفجار السيارة المفخخة في النجف، ثم ما لبث أن أكد مكتب المجلس في بغداد هذا النبأ. وفي بيروت أكد مقتله أيضا شقيقه عبدالعزيز الحكيم في اتصال هاتفي مع تلفزيون المنار الناطق باسم حزب الله اللبناني.

وقد وقع الانفجار بعد انتهاء صلاة الجمعة. ووضعت السيارة المفخخة عند المدخل الجنوبي للضريح وانفجرت عند بدء المصلين مغادرة المكان. ومن هذا المدخل كان يخرج الحكيم دائما بعد إلقاء خطبة الجمعة.

وأفاد شاهد عيان ان جثة متفحمة وجدت داخل سيارته وأشار إلى وجود حفرة عميقة في الأرض عندما سحبت السيارة.

وأوضح الشيخ سعد عباس (45 عاما) ان «السيارة المفخخة، التي هي من طراز فولكسفاغن، كانت متوقفة عند المدخل الجنوبي لمسجد ضريح الإمام علي (ع) قرب سيارة آية الله الحكيم (وهي من نوع) تويوتا لاند كروزر سوداء».

وأضاف: «هذه العملية استهدفت ضريح الإمام علي (ع). ونفذتها حركة تكره الشيعة. كانت تستهدف عائلة الحكيم». ولحقت أضرار بثلاث سيارات لاند كروزر لمرافقي المسئول الشيعي الراحل. كما دمرت تماما سيارة للشرطة وثلاث سيارات مدنية. كذلك انهار المدخل المبني من الطوب على المصلين وتم انتشال الكثير من الجثث لكن الكثير من الجثث لاتزال عالقة تحت الأنقاض.

وانهار أيضا مبنيان يقعان في الجهة الأخرى للشارع قبالة الضريح. ويضم أحدهما مطعما ومحال تجارية لايزال زبائنهما عالقين تحت الأنقاض. وعلى رغم إعلان مقتل آية الله الحكيم فقد بثت مكبرات الصوت في المسجد انه لم يصب بأذى. وقتل 82 شخصا على الأقل وأصيب 229 آخرون في الحادث كما أفادت مصادر في المستشفيات.

وفي خطبته في المسجد قبل حدوث الانفجار مباشرة انتقد الحكيم هجمات أنصار صدام حسين على القوات الأميركية.

وتتوجه جماهير غفيرة أيام الجمعة الى الصلاة في ضريح الإمام علي (ع). واحتشد بعض الأشخاص أمام المسجد يرددون شعارات تحمل صدام وحزب البعث مسئولية الهجوم. وكانوا يرددون أيضا «الله أكبر». وكان مئات الأشخاص يحاولون إخراج الجثث من بين الأنقاض لكن غالبا ما كانوا يعثرون على أشلاء. وفي حركة تدافع يصعب وصفها كان البعض يستخدم الرفوش لكن الكثيرين كانوا يقومون بهذه المهمة بأيديهم. وعند انتشال كل جثة كان الموجودون في المكان يصيحون «الله أكبر»، بينما كانت مكبرات الصوت تدعو السكان للتوجه إلى المستشفيات للتبرع بالدم.

وكانت الدماء تغطي الأرض بينما تبعثرت الأحذية والكوفيات على قارعة الطريق كما كانت النساء تنتحبن وتضربن على صدورهن وهن يرتدين السواد. وجاء رجل يدعى حسين علي وهو يصرخ «أين ولدي أين ولدي؟». ثم لما رأى فجأة كل هذه الفوضى العارمة وقع مغشيا عليه، ورشه بعض المارة بالمياه فاستعاد وعيه عندئذ رأى ولده بالقرب منه فعانقه بحرارة حتى كاد يخنقه.

ومرت شاحنة تنادي على من يريد التبرع بالدم التوجه إلى المستشفى فتهافت الناس عليها ثم انطلقت بسرعة. كذلك أصيب مكتب الزعيم الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر القريب من الموقع بأضرار. وبعد الانفجار أغلق عشرات العناصر من الشرطة جميع منافذ المسجد وتمركزت بالقرب منه ثلاث سيارات إطفاء. وكانت الشرطة تسحب السيارات إلى خارج مكان الانفجار تخوفا من وجود سيارات أخرى مفخخة.

وشهدت بغداد أمس وبعد مضي دقائق على الإعلان مقتل الحكيم إجراءات أمنية تحسبية واسعة ومشددة تمثلت بنشر عشرات من المدرعات والدبابات وسيارات الجيب العسكرية الأميركية وسيارات النجدة التابعة للشرطة العراقية.

وشهد يوم الأحد الماضي محاولة اغتيال فاشلة بسيارة مفخخة استهدفت عضو الحوزة العلمية في النجف آية الله السيدمحمد سعيد الحكيم ونجا الأخير إلا انه أصيب بجروح طفيفة. ولم تعلن بعد أية جهة مسئوليتها عن العمليتين المذكورتين إلا أن عضو مجلس الحكم زعيم حزب المؤتمر الوطني أحمد الجلبي سارع بعد إعلان مقتل الحكيم إلى توجيه أصابع الاتهام إلى من وصفهم بـ «البعثيين من أذناب النظام المنهار». وأبدى عدد من السنة والشيعة غضبا شديدا حيال عملية الاغتيال وحذر أئمة السنة من أن تؤدي إلى فتنة طائفية.

وصدرت وثيقة ظهرت في الثامن والعشرين من مايو/ أيار الماضي عن القيادة المخلوعة وتتضمن أوامر لعملاء المخابرات بتنفيذ عدة أعمال في أنحاء البلاد وخصوصا أئمة المساجد والمرجعيات.


اغتيال الحكيم: الاحتلال هو المستفيد

الوسط - وليد نويهض

حادث الاغتيال المدبر لرئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية السيد محمد باقر الحكيم فتح باب الأسئلة على حال الفوضى التي تضرب العراق من شماله إلى جنوبه.

وبعيدا عن الأجوبة المتسرعة فإن المسئولية المعنوية والمادية تقع دائما، وكما تنص اتفاقات جنيف، على قوات الاحتلال. فالاحتلال هو المتهم المباشر عن جريمة الاغتيال لأن الحرب المفتعلة أدت إلى تفكيك الدولة وتعطيل الأجهزة الأمر الذي أسهم في نشوب «حروب صغيرة» تمثلت في السرقات والنهب والاعتداءات.

عملية اغتيال الحكيم ليست الأولى، فقد سبقتها قبل أسبوع محاولة فاشلة لاغتيال السيد محمد سعيد الحكيم... وقبلها جرت محاولة ناجحة، وإن تمت بظروف مختلفة، أدت إلى اغتيال السيد عبدالمجيد الخوئي.

إلى هذه الاغتيالات حصلت الكثير من التصرفات الشاذة من نوع تفجير السفارة الأردنية وتدمير مبنى الأمم المتحدة وغيرها من حوادث تشير إلى نوع من «الفوضى المنظمة» المقصود منها إشاعة نوع من المخاوف الأمنية وترهيب الآمنين من السكان المدنيين وبالتالي تبرير وجود الاحتلال كأداة لضبط الانفلات تعطيه ذريعة لاستخدام كل وسائل العنف ضد البلدات والقرى والمدن العراقية.

لاشك في أن الضحية الأولى لحوادث الاغتيال والعبث بأمن المواطنين والفوضى الدائمة هي المقاومة العراقية. لأن مثل هذه الأعمال الشاذة تعطل التركيز السياسي وتثير شبهات وتعمد إلى إثارة نعرات طائفية ومذهبية ومناطقية تشتت الانتباه وتلهي الناس بمشكلات تافهة بعيدة كل البعد عن أهداف المقاومة في التحرير واستعادة الوحدة والاستقلال. فالانقسامات هي أفضل حل لفشل الولايات المتحدة في فرض هيمنتها وسيادتها المطلقة... وبالتالي هي وسيلة من وسائل تسهيل السيطرة.

من الصعب الآن كشف المسئول عن حادث التفجير في النجف، فمثل هذه الأمور لا يعلن عنها عادة وتبقى طي الكتمان والسرية لفترة طويلة... إلا أن المستفيد من الانفجار هو الاحتلال والمتضرر الأول المقاومة.


المجلس الأعلى للثورة الإسلامية

تشكل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق العام 1982. وهو عبارة عن تحالف بين القوى والمنظمات الإسلامية إضافة إلى شخصيات دينية وسياسية إسلامية مستقلة.

ويتشكل من الهيئة العامة التي تتكون من حوالي 70 عضوا، وتنتخب «الشورى المركزية» وعدد أعضائها 11 عضوا وهي أعلى سلطة في المجلس الأعلى.

وتنتخب الشورى المركزية رئيس المجلس الأعلى. ويرأس المجلس الأعلى آية الله السيدمحمد باقر الحكيم (رحمه الله) وهو ابن المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيدمحسن الحكيم (رحمه الله) الذي كان المرجع الديني الأعلى للشيعة في العالم بين العام 1950 والعام 1970.


من يقف وراء مقتل الحكيم؟

روبرت فيسك

قبل أسبوعين تم اغتيال المسئول الكبير للأمم المتحدة في العراق، واغتيل أمس أعظم عالم مسلم شيعي مؤثر هناك. وكما يقول المثل الشائع في لبنان، إذا أراد عدد كاف من الناس موتك ستموت. ولهذا يأتي السؤال: من يرغب في موت محمد باقر الحكيم؟ أو بمعنى آخر: من الذي لا يهتم إذا مات؟ نعم هناك «فلول صدام» التي تتهمها أسرة الحكيم من قبل باغتيالات النجف.

لقد عذب الحكيم بواسطة رجالات صدام، ومجرد أن انتقل الحكيم إلى منفاه في إيران، طلب صدام عودته وقام بإعدام أقربائه سنويا في محاولة فاشلة لإجباره على العودة. وفي الواقع، خلال ديسمبر/ كانون الأول فقط، كان شقيقه، عبدالعزيز، في واشنطن مناقشا الملف العراقي لأسلحة الدمار الشامل.

ثم هناك دول مجاورة لا ترغب في أن يكون لمجلسه الأعلى للثورة الإسلامية أي إنجاز «لثورة إسلامية» في حدودها. وهناك أيضا كثير من اليمينيين الجدد في الولايات المتحدة الذين لا يثقون أبدا في الحكيم، على رغم اتصالاته بالمجلس الانتقالي العراقي الذي عينته أميركا في بغداد.

ثم هناك الشيعة. قبل شهرين ماضيين فقط، أذكر أنني استمعت إلى موعظة للحكيم في صلاة جمعة، طالب فيها بنهاية للاحتلال الانجلو - أميركي ولكن تحدث عن السلام «أي بطرق سلمية»، وحث على أن تلتحق حتى النساء بالجيش العراقي الجديد. فقال لي أحد المصلين «لا تعتقد أننا جميعا نؤيد هذا الرجل؟». وهناك من يؤاخذه على علاقاته بإيران، فضلا عن الخلاف الداخلي على المرجعية الشيعية.

إن مقتل الحكيم يثبت أن الأميركيين لن يستطيعوا السيطرة على العراق. قبل 24 ساعة فقط من الحادثة أعلن قائد القوات الأميركية في العراق أنه لا يحتاج إلى مزيد من القوات. ولكن من الواضح أنه يحتاجها إذا أراد أن يوقف العنف الذي عمّ العراق بعد «التحرير».

إن ما يحدث حول بغداد وما جرى أمس في الجنوب لا يعتبر نتيجة حتمية للاحتلال أو حرب عصابات متنامية ضده ولكن أيضا بداية حرب أهلية في العراق ستنهك الأمة بكاملها إذا لم يهجر الحكام الجدد تحليلات أصدقائهم اليمينيين الجدد ويناشدوا العالم بمشاركتهم في مستقبل بلادهم.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»)


فضل الله: استهداف لوحدة المسلمين... بريمر: التحالف سيحيل الجناة إلى القضاء

إدانة عربية ودولية لجريمة الاغتيال

بيروت، عواصم - منى سكرية، وكالات

أكد المرجع الديني الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله أن اغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله محمد باقر الحكيم «يستهدف الوحدة الإسلامية». وقال في بيان نعى فيه «المجاهد الحكيم»، «اننا نرى في عملية الاغتيال عملا إرهابيا وحشيا يستهدف الإسلام والوحدة الإسلامية». وأضاف: «إن فقده في هذه الظروف الصعبة، ولا سيما في العراق الجريح، يمثل خسارة كبرى على أكثر من صعيد».

من ناحيته اعتبر وزير الإعلام اللبناني ميشال سماحة العملية «عملية إرهابية توظف في سياق سياسة الفوضى الشاملة التي تنفذها كل مراكز القرار المتطرفة في العراق والشرق الأوسط». وأكد في تصريح صحافي ان هدف العملية «وضع حواجز على طريق عودة الهدوء والاستقرار من جهة وخصوصا ممارسة أهل العراق بأطيافهم كافة السلطة الشرعية في وطنهم».

وأدان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، أعلى هيئة دينية للشيعة في لبنان، بشاعة «المجزرة». وأكد المجلس في بيان «إن هذه المجزرة تحمل في دلالاتها البصمات الوحشية لمنفذيها إذ استهدفت في حقدها أرضا مقدسة وانتهكت حرمة وقدسية الإمام علي، ما يكشف عن إرهاب وإجرام مرتكبي هذه المجرزة».

كما أدان الأردن عملية الاغتيال مؤكدا انها عمل «إجرامي» يستهدف إعاقة الجهود الدولية المبذولة من اجل انتقال العراق إلى حالة سياسية مستقرة. وقال وزير الإعلام نبيل الشريف في تصريح: إن عملية اغتيال آية الله محمد باقر «عملا موجها ضد استقرار العراق وضد محاولات نقل العراق نحو حالة سياسية أفضل».

واستنكر رئيس المؤتمر الوطني العراقي وعضو مجلس الحكم احمد الجلبي بشدة الجريمة. وقال في تصريحات لقناة «الجزيرة»: إن الحكيم كان زعيما مناضلا قضى زهرة شبابه في قتال الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكان له دور فعال وبارز وقيادي في إسقاط نظامه.

من جهته اتهم الزعيم الشيعي محمد مقتدى الصدر فلول النظام العراقي السابق ومن أسماهم «بالكفرة أعداء الله» بالوقوف خلف اغتيال المرجع الشيعي. ودعا إلى إعلان الحداد لمدة أسبوع حزنا على مقتل الحكيم وتسيير المظاهرات للتنديد بالعملية وتنظيم إضراب عام عن العمل. وحذر الصدر من حدوث انفلات في صفوف الشيعة والرد على نحو عنيف.

كما أدان الحاكم المدني للعراق بول بريمر الاعتداء وقال في بيان: إن «الاعتداء يظهر أن أعداء العراق الجديد لن يتراجعوا أمام شيء. لقد قتلوا عراقيين أبرياء ودنسوا أكثر الأماكن قداسة لدى الإسلام». وأضاف: «مرة جديدة ومن خلال عملهم الحاقد اظهروا وجه الإرهاب الشرير. اعبر باسم سلطة التحالف المؤقتة والشعب الأميركي وكل أصدقاء العراق عن تعاطفي الشديد مع عائلات القتلى والمصابين».

وتابع يقول: إن «الشرطة العراقية تحظى بكامل دعمنا في التحقيق. وأتعهد بان التحالف سيقوم بكل ما في وسعه لإحالة المسئولين إلى القضاء».

واستنكر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الاعتداء وقال من روما: «أريد أن اعبر هنا عن غضبي وأقول كم صدمت لهذا الانفجار الجديد». وأضاف: إن هذا الاعتداء لن يكون من شأنه سوى «تعزيز الكفاح ضد الإرهاب» مقدما تعازيه إلى أقارب الضحايا.


اغتيال آية الله السيد محمد باقر الحكيم يفجع العالم الإسلامي

عبد العزيز الحكيم: القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة

الوسط - المحرر السياسي

فجع العالمان الاسلامي والعربي برحيل آية الله السيد محمد باقر الحكيم الذي اغتالته الايدي الآثمة في مدينة النجف الاشرف العراقية بعد أداء صلاة الجمعة في حضرة الامام (ع) يوم امس الجمعة 29 أغسطس/اب2003م. فعندما هم بالخروج من مرقد الامام علي انفجرت سيارة مما تسبب في استشهاده وعدد ممن معه.

وعلق السيد عبد العزيز الحكيم (شقيق السيد محمد باقر) بالقول «القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة». وكان المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم (ابن اخت السيد محمد باقر) قد تعرض لمحاولة اغتيال في النجف بتاريخ 24 اغسطس الجاري، مما يؤكد ان الجهة التي استهدفتهما واحدة وهي ذاتها التي قتلت افرادهم في السنوات الماضية.

ولد محمد باقر الحكيم في العام 1939م في مدينة النجف الأشرف مركز المرجعية الدينية، وهو نجل الامام محسن الطباطبائي الحكيم الذي توفي في العام 1970م ـ

قبيل وفاة الامام الحكيم عملت الحكومة البعثية التي وصلت الى الحكم في العام 1968م على استهدافه وبدأت بمطاردة ابنه السيد مهدي الحكيم الذي اضطر إلى الهرب من بلاده منذ 1970 ولقي حتفه على ايدي افراد السفارة العراقية في الخرطوم حيث اردوه قتيلا في فندق الهيلتون امام اعين الناس في يناير / كانون الثاني 1988 م.

وبعد ذلك استهدفوا بقية افراد الاسرة وسجن السيد محمد باقر الحكيم في العام 1977 م وتمكن في العام 1980 من الهجرة الى ايران بعد الافراج عنه لفترة وجيزة.

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي تعرضت أسرة ال الحكيم الى حملة اعتقال وإبادة واسعة على يد حكومة صدام حسين البائد. ففي ليلة واحدة اعتقل النظام أكثر من سبعين شخصا من هذه الأسرة رهائن بينهم من قارب الثمانين من العمر كآية الله العظمى المغفور له السيد يوسف نجل الامام الحكيم (رض)، وآية الله السيد محمد حسن نجل آية الله السيد سعيد الحكيم (قده)، وبينهم من لم يبلغ الحلم بعد، وزج بهم جميعا في السجون دون أن توجه لهم أي تهمة، إلاّ لأنهم من أقرباء السيد محمد باقر الحكيم ولأنهم رفضوا الخضوع للنظام وتنفيذ سياساته الهوجاء.

وفي فترات لاحقة قتل منهم النظام أكثر من ستة عشر شخصا بينهم مجتهدون وعلماء كبار، كما ان عدد الشهداء منهم على يد طاغية العراق زادوا على العشرين، ومازال قسما منهم لا يعلم له أثر.

لقد جسدت هذه الأسرة مظلومية المؤمنين ولا سيما الأسر العلمية منهم في أجلى صورها، حيث تحملت ما تحملت من المصائب والآلام.

نشأ السيد محمد باقر ـ وهو في تسلسل العمر الخامس بين اخوته التسعة ـ في أحضان والده الإمام الحكيم (قدس سره)، حيث التقى والورع والجهاد ... فتشرب منذ طفولته بمعاني الصبر والصمود.

تلقى السيد محمد باقر الحكيم علومه الأولية في كتاتيب النجف الأشرف، ثم دخل في مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر الابتدائية حيث أنهى فيها الصف الرابع فتركها بعد أن نشأت عنده الرغبة في الدخول في الدراسات الحوزوية بصورة مبكرة عندما كان في الثانية عشرة من عمره.

وقد درس عند المرجع آية الله العظمى السيد محمد سعيد بن السيد محمد علي الحكيم (الذي حاولت فلولو النظام البعثي البائد اغتياله في 24 اغسطس الجاري)، وعند آية الله السيد محمد حسين بن السيد سعيد الحكيم، وعند آية الله السيد محمد حسين الحكيم، وعند أخيه الاكبر آية الله العظمى السيد يوسف الحكيم (قدس سره)، وواصل دراسته عند الشهيد الامام محمد باقر الصدر وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.

ساهم في تأسيس الحركة الاسلامية في العراق ورعايتها، وعندما تأسست جماعة العلماء في النجف الأشرف في أواخر الخمسينات اختير عضوا في اللجنة المشرفة على مجلة الأضواء الإسلامية، وهي مجلة اسلامية ساهمت كثيرا في تشكيل الوعي الفكري والسياسي الإسلامي لدى جيل الخمسينيات.

وبعد أن نال مرتبة عالية في العلم بفروعه وفنونه المختلفة مارس التدريس في الفقه والأصول، وكانت له حلقة للدرس في مسجد الهندي في النجف الأشرف، وعرف بقوة الدليل، وعمق الاستدلال، ودقة البحث والنظر، فتخرج على يديه علماء انتشروا في مختلف أنحاء العالم الاسلامي، منهم شقيقه الشهيد آية الله السيد عبدالصاحب الحكيم والسيد محمد باقر المهري، والسيد عباس الموسوي (الأمين العام الأسبق لحزب الله ـ لبنان)، وغير هؤلاء كثيرون.

لقد كتب الشهيد الصدر كتاب فلسفتنا مرتين بمنهجين، وكان للسيد محمد باقر الحكيم دور في تشخيص التصميم العام للمنهج في الكتاب، وكذلك قراءة الكتاب لمناقشة افكاره ووضع العناوين وتقسيمها لفصول وموضوعات ومن ثم الاشراف على تصحيحه وطبعه. كما اهله ذلك ليكتب بعض الموضوعات للتثقيف في صفوف حزب الدعوة الاسلامية الذي اسسه الامام محمد باقر الصدر واية الله السيد محمد حسين فضل الله وعلماء اخرون في العام 1958 م.

انتخب العام 1964م ليكون أستاذا في كلية أصول الدين في بغداد يدرس علوم القرآن، والشريعة، والفقه المقارن، وقد استمر في ذلك النشاط حتى عام 1975م، وتوقف عن التدريس في الكلية بعد مصادرتها من قبل نظام حكم حزب البعث العراقي في ذلك العام حيث كان عمره حين شرع بالتدريس خمسة وعشرين عاما.

وكانت كلية أصول الدين تقع ضمن المشروع الثقافي والاجتماعي العام لمرجعية الامام الحكيم (رض) ومؤسساتها، وكان السيد محمد باقر يشترك في التخطيط والاسناد والمتابعة لهذه المشاريع ضمن تلك المرجعية الكبرى، كما كان يشترك في ذلك الشهيد الصدر (رض) والسيد مرتضى العسكري، والشهيد السيد مهدي الحكيم وعلماء آخرون.

باقتراح من الشهيد الصدر قام بتدريس مادتي علوم القرآن والفقه المقارن، مضافا الى المشاركة في اجتماعات الهيئة التدريسية والاشراف على مجلة (رسالة الاسلام)، وكان يسافر اسبوعيا الى بغداد مع صعوبة الظروف والتنقّل في ذلك الوقت لأداء هذه المهمة. وقد تعاظم دوره في هذه الكلية بعد غياب العلامة السيد مرتضى العسكري عن عمادة الكلية بسبب ظروف المطاردة التي حدثت بعد وصول حزب البعث الى الحكم في العام 1968.

مؤلفاته

صدرت لباقر الحكيم كتب ودراسات وأبحاث عديدة، منها:

1ـ علوم القرآن (مجموعة محاضراته التي ألقاها على تلامذته في كلية أصول الدين).

2ـ القصص القرآني. وهو كتاب كبير أصبح منهجا يدرس في بعض الجامعات.

3ـ الهدف من نزول القرآن وآثاره على منهجه في التغيير.

4ـ مقدمة التفسير .

5ـ منهج التزكية في القرآن.

6ـ المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن.

7ـ الظاهرة الطاغوتية في القرآن.

8ـ أهل البيت (ع) ودورهم في الدفاع عن الإسلام.

9 ـ دور أهل البيت (ع) في بناء الجماعة الصالحة.

10ـ ثورة الإمام الحسين.

11ـ الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق.

12ـ دور الفرد في النظرية الاقتصادية الإسلامية.

13ـ حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية.

14ـ النظرية الإسلامية في العلاقات الاجتماعية.

15ـ النظرية الإسلامية في التحرك الإسلامي.

16ـ لمحة عن مرجعية الإمام الحكيم.

17ـ دعبل بن علي الخزاعي .

18ـ أفكار ونظرات جماعة العلماء.

19ـ العلاقة بين القيادة الإسلامية والأمة (مطبوع).

20ـ الوحدة الإسلامية.

21ـ القضية الكردية من وجهة نظر إسلامية.

22ـ الوجه الآخر للنظام العراقي.

23ـ النظرية السياسية للشهيد الصدر .

24ـ الصراع الحضاري والقضية الفلسطينية.

25ـ العراق.. تصورات الحاضر والمستقبل.

حركته الاجتماعية الدينية

مارس السيد محمد باقر الحكيم النشاط الاجتماعي العام منذ وقت مبكر من حياته، وقد منحته المواصفات الذاتية التي يمتلكها، وانتماؤه للمرجع الأعلى كابن وعنصر فاعل ونشط في جهاز المرجعية، فرصة واسعة للتحرك في الأوساط الاجتماعية المختلفة.

فعلى صعيد التحرك الإجتماعي العام، كان يقوم بزيارات عمل وتفقد للمدن العراقية واللقاء بالمؤمنين ورعاية نشاطاتهم العامة، مثل زيارته للبصرة، وزيارته للناصرية والحمزة الشرقية، وافتتاح جامع وحسينية الشرقي، والديوانية، والعمارة والكوت، وغيرها، حيث كان يتم اجراء استقبالات شعبية واسعة فيها، فيتعرف عن قرب على طبيعة الجهود التي تبذلها الحركة الاسلامية والمؤمنون في تلك المدن لنشر الثقافة والوعي الاسلامي بين الشباب العراقي المسلم في كل أنحاء العراق.

كما كان يولي المجالس الحسينية والمواكب والجهود المبذولة لتطويرها من ناحية المحتوى والمضمون والتنظيم اهتماما خاصا، ونذكر على هذا الصعيد عنايته الخاصة بالمشاركة في مواكب الطلبة ممثلا عن والده المرجع الاعلى (رض) والتي كانت تنطلق في أربعين الامام الحسين (ع) في مدينة كربلاء منذ منتصف الستينيات وحتى توقفها بعد مجيء حزب البعث العراقي ومضايقته للشعائر الحسينية.

وكانت مواكب الطلبة ومشاركة المؤمنين المثقفين من الأوساط الطلابية والجامعية بالخصوص فيها من ضمن المشاريع الثقافية والسياسية العامة التي خطط لها لفسح المجال لمشاركة قطاعات واسعة من الاوساط الشعبية في الشعائر الحسينية، حيث كانت الممارسة لهذه الشعائر في السابق تقتصر تقريبا على القطاعات العامة مع مشاركة رمزية من الحوزة العلمية او بعض الشخصيات.

كما كان يولي اهتماما خاصا لتأسيس المكتبات والجمعيات الاسلامية لما لها من دور كبير في نشر الوعي الاسلامي وكونها تمثل منتدى لتجمع المؤمنين في كل المدن العراقية.

وشارك بشكل كبير باقامة الاحتفالات الدينية ذات الطابع الجماهيري والسياسي والعقائدي كما هو الحال في احتفال مدينة النجف الاشرف بميلاد الامام الحسين (ع) في شعبان، وميلاد الامام علي (ع) في كربلاء في رجب، ومولد الرسول الأعظم (ص) في ربيع الأول في بغداد.

وكان له دور المساهمة في التأسيس لهذه الاحتفالات، كما كان إلى جانب شقيقه الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم (رض) يتناوبان في القاء كلمة المرجعية في مثل هذه الاحتفالات.

كما كان مسؤولا عن بعثة الحج الدينية التابعة لوالده الامام الحكيم (قدس سره) حيث كان في كل عام ولمدة تسع سنوات متوالية (1960 ـ 1968م) يسافر الى الحج، ليلتقي بالمسلمين من كل مكان من أجل بث الوعي الديني في صفوف المسلمين وتعليمهم الاحكام الشرعية وتنظيم أمورهم الدينية.

حركته السياسية

دخل منذ البداية في دائرة الاهتمام بايجاد التنظيم السياسي الاسلامي الذي يكفل ايجاد القدرة على التحرك السياسي المدروس في أوساط الشعب العراقي. وبهدف ردم الهوة بين الحوزة العلمية والشرائح الاجتماعية المثقفة، حيث كان هناك شعور بالحاجة لتنظيم اسلامي يتبنى النظرية الاسلامية وضرورة مدّ الجسور إلى الاوساط المثقفة بالثقافة الحديثة من خريجي الجامعات والموظفين والطلبة والمعلمين وغيرهم، وكذلك التحولات السياسية المهمة في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا بعد سقوط الملكية وقيام النظام الجمهوري وهي الاسباب التي تشكل خلفية اتخاذ قرار تأسيس تنظيم اسلامي باسم حزب الدعوة الاسلامية العام 1958م، الذي شارك فيه مع آخرين من العلماء الكبار.

وعلى الرغم من تركه العمل الحزبي لاحقا إلا انه بقي على علاقته بالعمل السياسي المنظم على مستوى الرعاية والاسناد والتوجيه من خلال جهاز مرجعية والده الامام الحكيم (قده سره)، وبعد ذلك بشكل مستقل، أو من خلال الموقع القيادي العام للنهوض الاسلامي الذي كان يمارسه الشهيد الصدر (قده سره).

لقد اتصف السيد الحكيم في نشاطه السياسي بالاقدام والشجاعة والجرأة والتدبير. وعندما اشتدت المواجهة بين الامام الحكيم (قدس سره) وبين النظام البعثي العام 1969م وبعد اختفاء أكثر العناصر القوية المحيطة بالامام الحكيم (قدس سره) تولى إدارة شؤون والده المرجع الاعلى، وكان بيت الامام الحكيم (رض) في الكوفة محاصرا ومحاطا بعناصر الأمن والمخابرات، فكان يلتقي ببعض الوفود ويخطب فيهم ويوضّح الحقيقة بالرغم من قساوة الظروف. كما كان قد اتخذ موقفا صلبا وشجاعا تجاه محاولات احمد حسن البكر وصدام حسين المخلوع اللقاء بالامام الحكيم (رض).

فقد كانت خطة الامام الحكيم في مواجهة حزب البعث العراقي هي تعبئة الامة ضدهم وكشف زيفهم وانحرافهم وتآمرهم على مقدراتها ومصالحها، وكانت السلطة، وبالذات مجموعة البكر وصدام يعملون من أجل محاربة الاسلام وضرب كل القوى السياسية الصالحة وفي مقدمتها المرجعية الدينية والحوزة العلمية لما لها من أهمية دينية وثقافية وسياسية وتعبوية تقف امام هذه المخططات الاجرامية.

وقد نص على هذا الموقف السياسي ضد المرجعية قرار للمؤتمر القطري السابع لحزب البعث وكان يسمي حركة المرجعية الدينية والاجهزة والمؤسسات المرتبطة بها بـ «التيار الرجعي الفاطمي» ولكن في الوقت نفسه كان القرار المذكور يؤكد أن يتم التعامل بحذر شديد مع ذلك التيار لاحساسه بالخطر من المواجهة العلنية المباشرة معه.

وبعد الأزمة التي حدثت بين نظام أحمد حسن البكر ونظام الشاه حول السيادة على شط العرب، حاول النظام الاستفادة من موقع المرجعية في هذه الأزمة.

ولذلك طُرح منذ البداية أن يقوم أحمد حسن البكر أو صدام بزيارة للامام الحكيم للظهور بمظهر التقرب من المرجعية، وطرح موضوع الخلاف المفتعل مع ايران الشاه في ذلك الوقت على المرجعية، ولكن الامام الحكيم لم يوافق على هذه الزيارة حتى قام أحمد حسن البكر (رئيس الجمهورية) آنذاك بزيارة مفاجئة للامام الحكيم في مدينة الكوفة دون تنسيق أو خبر مسبق، وحاول النظام أن يستغلّ هذه الزيارة للدعاية فقام باعلان خبر الزيارة في وسائله الاعلامية، ولكنه عاد بعد تهديد المرجعية بتكذيب هذه الزيارة إلى القول انها كانت زيارة مفاجئة ومن دون ترتيب سابق.

ثم قام النظام بعملية تسفير واسعة لعلماء واساتذة وطلاب الحوزة العلمية والايرانيين المقيمين في العراق، والعراقيين ذوي الأصول الايرانية الأمر الذي أدى إلى احتجاج الامام الحكيم الذي كان يؤدي زيارة الاربعين للامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء في العام 1969 م، حيث عاد مسرعا الى النجف وتم اعلان ذلك على الناس. وعقد اجتماعا كبيرا للعلماء لمتابعة هذا الأمر، فيما اضطر النظام إلى أن يرسل وفدا كبيرا من بغداد للتفاوض حول الأحداث. وهنا قدم السيد محمد باقر الحكيم في محضر الوفد الادلة الثبوتية على وجود قرار للنظام بمحاربة الاسلام والدين بعد ان أنكر الوفد ذلك وكان الوفد برئاسة محافظ بغداد خير الله طلفاح وعضوية الوزير حامد علوان الجبوري، ومتصرف كربلاء في ذلك الوقت عبد الصاحب القرغولي وبعض المسؤولين الآخرين. وعلى إثر هذا اللقاء تم ايقاف التسفيرات بصورة مؤقتة.

ثم شن النظام مرة أخرى حملة اعتقالات واسعة، فكان سفر الامام الحكيم إلى بغداد للاحتجاج على هذا الموقف للنظام وتم الاتفاق مع العلماء وأطراف الحركة الاسلامية أن يكون موقف المجابهة واحدة وتمت الاستجابة الى ذلك في البداية.

ولكن النظام قام بهجوم جديد من خلال اعلان الاتهام للعلامة السيد مهدي بالتعاون مع الحركة الكردية في شمال العراق والعمالة لتركيا، وقامت قوة عسكرية مخابراتية في مساء ذلك اليوم باقتحام الدار التي كان ينزل فيها الامام الحكيم في بغداد لاعتقال العلامة السيد مهدي الحكيم، كما قامت في الوقت نفسه باعتقال عدد من العلماء والشخصيات وتهديد عدد آخر منهم.

صمدت المرجعية وعاد الامام الحكيم (رض) إلى النجف الأشرف وتحرك طلبة الحوزة العلمية ودخلوا في مواجهة عنيفة مع النظام في النجف الأشرف وأعلن الامام الحكيم احتجاجه على هذه المواقف.

وحاولت بعض الأوساط العلمية وغير العلمية أن تقوم بدور الوسيط لحل هذه الأزمة عن طريق قيام صدام حسين بزيارة الامام الحكيم ـ وصدام كان مسؤولا في ذلك الوقت عن جهاز المخابرات جديد التأسيس والذي كان يسمى بالعلاقات العامة لمجلس قيادة الثورة. ووجهت ضغوط كبيرة على المرجعية نفسية وسياسية وأمنية من النظام ومن داخل الحوزة ومن أوساط الامة التي كانت تتأثر بالنظام أو بالخوف والارهاب الذي أوجده النظام او غيره كانت غير واعية، كل ذلك من أجل ان تتنازل عن موقفها.

وفي تلك الاجواء المتوترة المنذرة بخطر داهم كان السيدمحمد باقر مع الامام الحكيم (قده) في بيته في الكوفة من أجل مراقبة الوضع بدقة ومعالجة هذه الضغوط بطريقة مناسبة.

وقد تم افشال كل هذه المحاولات ومنها المحاولة التي قام بها صدام اثناء زيارته المفاجئة الى النجف للمشاركة في تشييع جنازة عبد الوهاب كريم (عضو القيادة القطرية الذي قتل في حادث سيارة ودفن في النجف الأشرف واتهم بقتله صدام وحضر جنازته لابعاد هذه التهمة)، وحاول في هذه الزيارة المفاجئة أن يلتقي بالامام الحكيم (رض)لكن السيد محمد باقر واجهه بالرفض.

وبعد وفاة والده الامام الحكيم (قدس سره) سنة 1970م، استمر على هذا المنهج وهو يقف الى جانب الشهيد الصدر (قدس سره)، ومع تطورات الأوضاع السياسية وتنامي حركة الوعي الاسلامي في العراق ازداد ثقل المسؤولية التي تحملها المرجع الشهيد الصدر (قدس سره) ومعه آية الله السيد محمد باقر الحكيم.

ومن هنا تصاعدت حركة نشاطه السياسي على الرغم من الرقابة الشديدة السرية التي كان يتعرض لها من قبل أجهزة السلطة واعوانها متحينين الفرص لاعتقاله.

اعتقالاته

كان نشاطه يثير قلق السلطة ويزعجها لدوره الفاعل في تصعيد حركة النهضة الاسلامية المعارضة، ورعايته للمشاريع الاسلامية المتعددة وتنامي مركزه العلمي والاجتماعي المتمثل بشبكة العلاقات الاجتماعية الواسعة داخل العراق ولكونه يحتل موقعا متميزا في حركة النهوض الاسلامي، فهو الرجل الثاني بعد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) من الناحية السياسية في قيادة التحرك السياسي الاسلامي في العراق.

ولأجل ذلك فقد كان نصيبه الاعتقال في حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت عددا من العلماء وفي مقدمتهم السيد الشهيد الصدر (قدس سره) عام 1972م أيضا من قبل نظام احمد حسن البكر وفي ذلك الاعتقال تعرض للتعذيب القاسي الشديد، حيث كان المعتقل الوحيد من بين عدد من العلماء والمعتقلين الذين تم اعتقالهم في هذه الحادثة إذ تم نقله الى بغداد، ولكنه صمد صمود الابطال ولم يكل او يستكين... وعندما صدر قرار الافراج عنه اصر على ان لا يخرج من السجن حتى يصدر قرار الافراج عن السيد الشهيد الصدر (قدس سره)، وبالفعل تم اخباره بالافراج عن الشهيد الصدر (قدس سره)، حيث أطلق سراحه بعد الضغط الجماهيري على السلطة.

وبعد إطلاق سراح سماحته، استمر في مواصلة نشاطه السياسي والاجتماعي والعلمي على الرغم من الظروف العصيبة والقاسية ووضعه تحت المراقبة الشديدة ومنعه من السفر الى خارج العراق.

وفي عام 1974م قام النظام بحملة واسعة من الاعتقالات ضد الاسلاميين تعرض فيها الشهيد الصدر والسيد الحكيم وقائمة كبيرة من العلماء للتهديد بالاعتقال بعد ان تم اعتقال عدد آخر منهم، واخذت منهم اعترافات كاذبة تحت التهديد، ولكن الضغط الجماهيري خصوصا من خارج العراق الذي قاده الامام موسى الصدر أوقف حملة الاعتقالات.

ثم اقدم النظام على تنفيذ جريمته البشعة باعدام الشهداء الخمسة (الشيخ عارف البصري والسيد عماد الدين الطباطبائي والسيد عز الدين القبانجي والسيد حسين جلوخان والسيد نوري آل طعمه) كانذار لجميع الناشطين بالتخلي عن النشاط الاسلامي. ولكن جذوة الجهاد لم تخفت عنده، واستمر سيدنا المجاهد في نهجه الجهادي ضد النظام العفلقي حتى انطلقت انتفاضة صفر الاسلامية المباركة عام 1977م، بسبب تدخل النظام في الشعائر الحسينية ومنعه لأبناء الشعب العراقي من أداء مراسم المواكب والزيارة مشيا على الاقدام للامام الحسين (عليه السلام).

فكانت أول انتفاضة جماهيرية واسعة بعد وفاة الامام الحكيم (رض) (انتفاضة صفر)، حيث شارك فيها مئات الآلاف من أبناء العراق. وفي تلك الانتفاضة الجماهيرية ارسل الشهيد الصدر (قدس سره) السيد محمد باقر ممثلا عنه لتوجيه خطابه السياسي بالشكل الذي يحبط مؤامرات النظام، الامر الذي أدى الى اعتقاله في 22 صفر 1397 هـ الموافق فبراير /شباط 1977م بطريقة غادرة. وتلقى في الاعتقال تعذيبا فظيعا، ثم صدر عليه الحكم بالسجن المؤبد... ثم أطلق سراحه في عفو عام عن السجناء السياسيين والعاديين في 17 يوليو/ تموز عام 1978م، ولكنه منع من السفر ووضع تحت المراقبة السرية والمستمرة. وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، واثناء فترة الاحتجاز طرح عليه الامام الشهيد الصدر (رض)، فكرة الخروج من العراق. وبعد أن نفذ النظام جريمته بقتل السيد محمد باقر الصدر في9 أبريل / نيسان عام 1980م، اتخذ السيد الحكيم قرار الهجرة من العراق لقيادة عملية الجهاد ضد النظام الدموي من الخارج،

اسس المجلس الاعلى للثورة ودراعه العسكري «قوات بدر». عاد الى العراق بعد سقوط صدام في 9 أبريل (في نفس اليوم الذي استشهد فيه الصدر) وساهم في اعادة بناء العراق على اساس مقبول للجميع حتى تم اغتياله يوم أمس.


شهادة بدم مسفوح...

وسام عز لقامتك العالية يا ابا صادق

«تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوّا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين» (83، القصص)

صدق الله العظيم

رحمك الله يا ابا صادق...لقد دفعت ثمن قامتك العالية، فنعم الثمن الذي يتمناه كل الذين تخرجوا في مدرسة الصدرين الشهيدين...

مثل كل العظماء رحلت...

كآبائك واجدادك الطيبين الطاهرين،مثل الشهيد الصدر، واخته العلوية بنت الهدى ...

الم تكن-كما قال عنك استاذك الشهيد- عضده المفدى، فهل من المنطقي ألا تلتحق باستاذك مضرجا بدمك المسفوح وشلوك المذبوح بحقد البعثيين الجبناء؟

لم يكن الفراش مكانا مناسبا ليؤرخ رحيلك، فشخصية بحجمك، و صاحب تاريخ كتاريخك حري بها ان ترحل-في يومها الموعود- عبر بوابة الشهادة ،هذه البوابة التي دخلها قبلك امير المؤمنين علي (عليه السلام)،وابيت الا ان تختار مكان الشهادة في جواره، وستجاوره حتما في مثواك الاخير...

بوابة الشهادة هذه لايدخلها الا من احبه الله واصطفاه،والا ما اكثر الذين يرحلون،عبر البوابات الاخرى، دون ان يتوقف عند شخصياتهم التاريخ، او يلتفت نحوهم حتى على استحياء ...

لقد فقدناك ايها السيد الشهيد في منعطف تاريخي حاسم، فقدناك ونحن احوج مانكون اليك،والى خطك الاسلامي الاصيل ...

موقعك الريادي -يا ابا صادق - سيبقى شاغرا لانك انت،ومثلك لايجود الزمان-كثيرا- بمثله ...

سيفتقدك احباؤك لانك كنت لهم المثل في الجهاد والوعي والمثابرة ...

وسيفقدك اعداؤك من ازلام النظام البائد ايضا،لانهم لم يجدوا من ينازلهم بقوتك وعزمك واصرارك...

تاريخك الجهادي انطق بكثير من ان يترجم استشهادك ببضع كلمات ...

لقد سبقتنا الى الشهادة،كما سبقتنا من قبل في اكثر من مضمار ...

الا ان دمك الطاهر سيبقى دينا في اعناقنا لنكمل المشوار الذي بدأناه معا مهما كان الثمن ...

لقد فرقتنا الهجرة من قبل، وكنا نتمنى اللقاء على ارض الوطن، الا ان القدر كان اسرع،فاختطفك منا.

رحمك الله ياابا صادق واسكنك فسيح جناته والهم ذويك ومحبيك واصدقاءك وكل الاسلاميين المنكوبين بفقدك الصبر والسلوان.

«إنا لله وإنا إليه راجعون»

عصام حسن

العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً