العدد 3588 - الثلثاء 03 يوليو 2012م الموافق 13 شعبان 1433هـ

المحكمة الجنائية الدولية تسعى لمنع الإفلات من العقاب

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

يحتفل العالم بمرور 10 أعوام على تأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي انطلقت من خلال معاهدة روما في 1 يوليو/تموز 2002، وهذه أول محكمة دولية «دائمة» تنطلق على أساس مفهوم محاكمات نورمبرغ، وهي أشهر المحاكمات التي شهدها العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ أنها قامت بمحاكمة مجرمي الحرب، والنازيين الذين سعوا إلى هلاك من يختلف عنهم من البشر، وحرقه، وإجراء التجارب عليه.

ولقد بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 105 دول حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وقد وقَّعت 41 دولة أخرى على قانون روما، لكنها لم تصادق عليه بعد، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول، منها الصين والهند وأميركا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة. وتُعتبر المحكمة الجنائية هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين، يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.

وتكمن أهمية وجود هذه المحكمة من أجل الحد والمنع من انتشار ثقافة الإفلات من العقاب، التي تنتشر في حال غياب القانون وتفعليه داخل المجتمع، الذي يتحول إلى مجموعات وعصابات تتصارع فيما بينها، لغياب من يردع، أو يعاقب من يتجاوز.

وقد تكون محاكمات نورمبرغ مثالاً جيدا لثقافة الإفلات من العقاب، وهي التي بدأت في 20 نوفمبر 1945، واستمرت حتى 1 أكتوبر/تشرين الأول 1946. وعقدتها قوات الحلفاء التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية في قصر العدل في نورمبرغ، وقيل إن من أهم أسباب ذلك أن الدمار الشامل كان قد دمر مباني المحاكم.

محاكمات نورمبرغ عاقبت مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فظائع بحق الإنسانية في أوروبا، ومن بين تلك الفظائع إنشاء معسكرات لاعتقال المدنيين في ظروف معيشية قاسية، ولم يأبه النازيون بسلامة المعتقلين، كما قاموا بحرق من اختلف معهم، ومارسوا أبشع أنواع الانتهاكات.

بعد محاكمات نورمبرغ لجأت الأمم المتحدة إلى إنشاء محاكم خاصة للبوسنة وراوندا مثلا، عبر قرارات من مجلس الأمن الدولي، ولكن هذه المحاكم الخاصة تنتهي بعد فترة، ويكون نطاق عملها محدودا. وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى إنشاء أول محكمة دائمة تكون مؤهلة لمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداءات، والانتهاكات الممنهجة، على أن يأتي دور المحكمة بعد أن تعجز المحاكم في البلدان التي تحدث فيها الانتهاكات عن القيام بدورها القضائي.

كما إن إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب أن تكون الدول التي تحدث فيها هذه الانتهاكات الممنهجة عضواً، بحيث أن تلك الدولة تكون قد اعتمدت الاتفاقية عبر سلطتها التشريعية، وأصدرته كقانون محلي في الجريد الرسمية.

أما الأسلوب الثاني لإحالة القضايا فيكون عبر قرار صادر من مجلس الأمن الدولي، والذي يستطيع أن يكلف المحكمة الجنائية الدولية برفع قضية ضد شخص ما، كما حدث للرئيس السوداني عمر البشير، ومعمر القذافي وابنه سيف الإسلام.

والأسلوب الثالث الذي لم يتم تفعيله بعد، هو اقتناع المدعي العام الدولي (المختص بالمحكمة الجنائية الدولية) بخطورة القضية، وبالتالي يدفع بالملف إلى أعلى المستويات، لكي تتحرك الدعوى.

وهي منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة - وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصاً واحداً، أسهل من تقديمه لها لقتله 100ألف شخص مثلاً-، فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب، ومرتكبي جرائم بحق الإنسانية، وجرائم إبادة الجنس البشري.

من هنا لابد من نشر ثقافة المنع، والتصدي للإفلات من العقاب في منطقتنا العربية، التي تشهده عواصمها إما تحولات سياسية، أو احتجاجات شعبية لأوضاع مضطربة تتحدى إرادة الشارع، وتتبنى منهجية الترويع، والإرهاب، والاغتيال بدلاً من الحلول السياسية.

والمحكمة الجنائية الدولية وُجدت لمنع هذه الثقافة التي لا تدمر المجتمعات فقط، ولكنها تدمر الدول وأنظمتها الداخلية، لأنها تحتمي تحت غطاء «عصابات مسلحة» لا قانون تفعِّله، أي تبني سياسية « تكسير رأس» لصالح بقائها.

واليوم بدا العالم يتصدى لهذه الثقافة المدمرة للمجتمعات والدول، من خلال تشجيع الدول على إجراء الإصلاحات المناسبة لتشريعاتها ‏الوطنية، وذلك من أجل حماية الفرد، وأن تجعل قوانينها تتماشى مع واجباتها الدولية. وعلاوة على ‏ذلك، يجب تنفيذ تلك التشريعات المحلية، بطرق منها كالتحقيق، والمحاكمة بشكل صارم وفي ‏الوقت المناسب عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأفراد، وإنشاء نظم لتوفير الرعاية للضحايا.‏ وتصبح العدالة عندها عنصراً شديد الأهمية في معالجة الضحايا والمجتمعات المحلية وتعافيها.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3588 - الثلثاء 03 يوليو 2012م الموافق 13 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:21 ص

      وقضى ربك . . وحكم ربك

      ليس من المسلم به ولا بديهي أن الله بين للناس بأن " لا تقلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق... فهل الحق من غير الحق من ربك وليس من الناس. فهذا ليس دليل بل حجة قاطعة على الناس. إذ أن الأصل أن الله من وهب الإنسان الحياة، فكيف لعاقل أن يعقل أن ويقضي ويغير قضاء الله، ويحكم بأحكام ليس لها أول ولا آخر ولا أصل ولا فصل فيها.
      فهل أمر بالقتل أم نهى وحرم القتل؟
      وهل الحكم أساسه الضن والاعتقاد أم على اليقين بنائها قائم؟

    • زائر 5 | 4:23 ص

      عاد خل المحكمة الدولية تسمعها أول

      لا ادري أ بالملح أداوي جراحي أم أضحى طالبا للموت لما جرى على حالي فكل الذي جري أمسى بقانون العالم يلملم جراحي وأرتجي أن أصحى من حلمي وأنا ماسكا شراعي وأردد متى الإنصاف يا نافي بيلاري

    • زائر 4 | 2:59 ص

      الجرم من الجناية ولا جناية بلا جرم

      الجريمة ليست جنحة بل جناية. فهناك مجني عليه قد قضي نحبه في ظروف غامضة، وهناك مجرم فار من العدالة ليس بمتهم بل مدان.
      لذا محكمة الجنايات لا تقاضي ظواهر ولا ثقافات، بل تنظر فى قضايا جرائم أقدم على فعلها أناس، مثل فظائع القتل والإبادة الجماعية و مجمل هذا الفعل موجه ضد البشرية و ضد حق الإنسانية.
      فهل سواء من سعي بين الصفا والمروة كمن سعي في قتل أخيه الإنسان؟

    • زائر 3 | 2:57 ص

      كل ما تقدمت الامم تستحدث طرق للمحافظة على كرامة الانسان

      هذه المحكمة وغيرها هي آلية من الآليّات التي من المفروض ان تسخر لخدمة بني البشر في انزال العقاب بكل من تسوّل له نفسه اللعب بآلام بني الانسان والحطّ من كرامتهم ورغم تحفظ الكثير على هذه المحكمة كونها تخضع نوعما لسيطرة بعض الدول العظمى لكنها في النهاية سوف تتطور الى يصبح سيف عدالتها يطال الجميع وخاصة من يقومون الآن بالتلذذ في تعذيب الناس ليل نهار

    • زائر 2 | 2:21 ص

      المتربص الآمل

      شكرا أختي الكريمة على هذا المقال التوضيحي..نورتينا
      أعتقد إذا استطاعو أن يفلتو من العقاب بالأموال والرشى الأخرى فلن يفلتو من العقاب الأكبر والله من ورائهم محيط كما شاهدنا عن كثب من مدة جدا قصيرة في المجرمين الكبار

    • زائر 1 | 1:30 ص

      مقال رائع

      بس اللي عندنا كلهم بيفلتون من العقاب شكلهم لان ايدهم طايله بس افلاتهم موطوبل الامد ليهم يوم موبعيد عند رب العزة والجلاله وإن غدا لناظره لقريب

اقرأ ايضاً