العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

هل شَعري يشبه شَعرك؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بكل عفوية وبساطة وأمان انحنى حاكم أكبر دولة في العالم، أمام طفل ذي خمس سنوات. هل تعلمون لماذا؟ لأن الطفل سأل الرئيس بكل فضول: (?Is my hair like your hair).

الطفل هو أحد أطفال عائلة أميركية قابل رئيس الدولة (Barack Obama) في البيت الأبيض فنظر إلى شعر رأس الرئيس ثم تلمس شعر رأسه لبرهة وفكر ثم نطق سريعاً بلا خوف ولا رهبة ولم يكن هناك أي رجل أمن مدجج بالسلاح ليمنعه من النطق أو ينظر إليه شزراً بعين حمراء ووجه مكفهر، ولم يقذف بشتائم لا أنزل الله لها من سلطان، فقال الطفل متسائلاً ببراءة كل طفل: يا ترى هل شعر الرئيس مثل شعر كل الناس؟ أو لأنه رئيس دولة فيجب أن يكون دمه وشعره وجلده وعظامه وأسنانه وضحكاته ونومه وصحوته وشربه وأكله غير عن كل الناس!

فأجابه الرئيس بالبساطة نفسها وببشاشة أبوية وبلا رعونة أو تصلف أو تعالٍ على الشعب. فقال له: لماذا لا تجرب بنفسك يا عزيزي ملامسة شعر رأسي لتعرف.

ولكن كيف السبيل و(Obama) طويل القامة. فجاء الرد بنفس توارد الخواطر، بسيطاً، كما فهمها الرئيس، فانحنى برأسه بشكل تام وبكل أمن، وبلا خوف من أي حركة إرهاب مدعٍ بها على الطفل، أمام أبو خمس سنوات حتى يتمكن الطفل من ملامسة شعر رأسه. فأصبحت هذه الصورة، التي التقطها مصور الرئيس المدعو (Betty Souza)، أفضل دعاية انتخابية للرئيس في عالم الأطفال والكبار في الولايات المتحدة وحول العالم. وبالطبع لا أحد يجرأ في العالم العربي على فعل هذا، وإن حدث، بغير تدبير مسبق، فالويل للطفل ويا سواد ليله مما سيحصل له ولعائلته من الأولين والآخرين ولجيرانه وأصدقائه بتهم من قبيل: خدش حياء الرئيس، ضرب الرئيس على وجهه، التعدي على عفة الرئيس، واستخرج من جراب التهم يا حاوي، ونحن شطار في هذا ولا يغلبنا أحد.

فهذا الرجل، قبل أن يكون رئيساً، وإن اختلفنا مع توجهات وسياسة دولته في العالم، يعطي من يتحالفون معه، أكبر مثل في كيفية التعامل مع الأطفال قبل الكبار، ويقول لهم بطريق غير مباشر، إن لب القضية تكمن في شيء من الإدراك التربوي والسلوكي لكيفية التعامل مع الآخرين من موقع المسئولية التي كلفه بها الشعب، كما هو المفترض. فهذا الرد القوي جداً من قِبل الرئيس في وجه الطفل ذي الخمس سنوات يوضح للآخرين كيف يمكن كسب ود الناس من حولك وإن كانوا أطفالاً، وكسر حاجز الخوف في قلوبهم من الحاكم وهو الذي يصورونه وكأنه شيء مقدس لا يمكن الاقتراب منه أو المساس به، فكيف بملامسة شعر رأسه!

في هذه الحركة أمام طفل بريء بسؤاله يكون الحاكم تربوياً قبل أن يكون سياسياً، وهذا لعمري هو بيت القصيد ومربط الفرس في شخصية الحاكم المحبوب من الناس حوله. فأحياناً كثيرة تكون السياسة قذرة ولكن التربية ليس بها قذارة أبداً لمن عاشها وشرب من معينها الأصيل بين أهله وذويه ليستطيع نقلها للآخرين إذا تسلم زمام الأمر، أما من هم دون ذلك فهيهات أن يحدث ما حدث بين الرئيس والطفل.

فهل وصلنا الدرس في الفروق بين السلوكيات التي يتربي عليها ناس وناس؟ والمناهج التربوية الصحيحة في مواد التربية الوطنية التي يدرج عليها ابن «الصديق الأميركي» فتعلمه معنى الحرية في الرأي والسؤال، حتى ولو كان عن شعر الرئيس، بلا خوف وتوجّس من ألف تهمة وتهمة، ومعنى احترام رأي الآخرين، وإن كان عن شيء خاص بك جداً، فلا تصب جام غضبك عليه لدرجة أن تعدمه الحياة لمجرد أنه قال لك: إن مفرق شعر رأسك أيها الرئيس لا يعجبني!

إذن المعضلة هي أزمة في مناهج التربية والتعبير وفي السلوكيات الاجتماعية قبل أن تكون أزمة سياسية، أزمة في النفس الأمارة بالسوء فتظن أن كل من حولها يكنون لها السوء بالسليقة، وبالتالي يجب القضاء عليهم كالجراد لأنني أملك الدخان الذي يكتم أنفاسهم ويبيدهم. وهذا مصداقاً للقول الشائع بيننا، من شب على شيء ولم يحاول تغييره نحو الأفضل، إن كان ناقصاً، أو الأحسن، إن كان سيئاً، شاب عليه.

وكم من دروس مجانية عظيمة يعطينا إياها عدد من الأطفال هذه الأيام هنا وهناك وكأنها أجراس إنذار تقرع في الدار لكل حفلات الزار السياسي اليومية وما (يُعجبر) في ثنايا بخورها ذي الرائحة الكريهة على أيدي الدجالين والمشعوذين من شيفرات غريبة، والعبرة لمن يعي ويفهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:28 ص

      مقال جميل

      مقال رائع يستحق الاشاده فيه من الرويا البعيده والتمعن بالسلوك

    • زائر 1 | 4:23 ص

      هذه لهم وحدهم لا تصدر للخارج

      الديمقراطية الحقة حكرا عليهم كما هي تقنيتهم الدقيقة لا يرضون ان يضطلع عليها احد
      حقوق انسانهم ليست كحقوق انساننا نحن كلا هم غير
      رئيسهم يتغير كل اربع وخمس سنوات ذلك لهم

اقرأ ايضاً