العدد 3610 - الأربعاء 25 يوليو 2012م الموافق 06 رمضان 1433هـ

فلتلد الثورات اقتصاداً عربياً إنسانياً

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هذا الإقحام المتعمَّد للاقتصاد في مسيرة الثورات والحراكات العربية يتطلب فهماً عميقاً للموضوع واتفاقاً على نوع العلاقة التي يجب أن تسود فيما بين الاقتصاد والسياسة. إن قوى الثورات المضادة تتحدث ليل نهار عن تراجع السياحة والاستثمارات، وعن ارتفاع نسب البطالة وغيرها من جوانب الاقتصاد في بلدان الثورات والحراكات. وهي بذلك تريد حشر المواطنين في زاوية الاختيار بين حلّ الإشكاليات السياسية أو حلّ الإشكاليات الاقتصادية.

هذا اختيار لا معنى له، ذلك أن الاقتصاد لم يكن قط مستقلاً عن السياسة وعن هيمنتها عليه حتى يضطرَّ المواطنون للاختيار. فالحياة السياسية المؤسَّسية الديمقراطية غير الفاسدة وغير المسيطر عليها من قبل أقليّات الامتيازات، لا يمكن إلا أن تؤدّي إلى اقتصاد إنساني أخلاقي عادل. والعكس صحيح. ولذا فالمحاولة العولمية لإقناعنا بأن الاقتصاد له قوانينه الذاتية التي لا رادّ لها هي محاولة مضلّلة، ذلك أن الاقتصاد والسياسة هما من صنع الإنسان، ومن صنع المواطنين، وبالتالي يمكن تغييرهما وإصلاحهما ووضع مسار جديد لهما.

قيادات الثورات والحراكات إذن يجب أن لا تخضع للابتزاز ولا تستبدل الديمقراطية والحرية والكرامة التي تحارب من أجلها بنجاحات، هي في الأصل كانت متواضعة ومتذبذبة، في بعض جوانب الاقتصاد من مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية والمظاهر الكمالية.

لكن ذلك لا يعني إعفاء قوى الثورات والحراكات من إعطاء الاقتصاد اهتمامها الكبير، بل على العكس من ذلك. إنّما المطلوب في الحال هو الاتفاق على أسس وقوانين وضوابط الاقتصاد التي يجب أن تتبنّاها أنظمة وحكومات وبرلمانات ما بعد الثورات والحراكات، والتي يجب أن يحارب المواطنون بشتى الطرق من أجل تبنّيها من قبل تلك الجهات التشريعية والتنفيذية.

مربط الفرس هو أن تعرف قيادات الثورات والحراكات نوع وأسس الاقتصاد الذي تريد من أنظمة الحكم الجديدة التوجّه إليه. أن تعرفه وتجعله جزءاً من المسار السياسي للثورات والحراكات حتى يطمئنّ المواطنون بأن المستقبل يحمل حلولاً اقتصادية تنموية عادلة من أجل الجميع وبالجميع.

هنا دعنا نذكّر أنفسنا بأننا نحن العرب لا نحتاج إلى أن نبدأ من الصّفر أو المربّع الأول. فمنذ بضع سنوات صدر بيان مدعوم من مئات الباحثين الاجتماعيين في مختلف دول الغرب الرأسمالي تحت عنوان «مانفستو من أجل اقتصاد إنساني»، وقد صدر ذلك البيان من قلب ساحات العولمة الرأسمالية المتوحّشة الجائرة كردّ فعل على ما أدّى إليه ذلك الاقتصاد العولمي من ظلم وتهميش وإفقار وتوزيع غير عادل للثروات طال جميع المجتمعات البشرية. يقول ذلك البيان:

«إن النهاية الشرعية الوحيدة لأي اقتصاد هي كيفيّة الحياة التي يعيشها الرجال والنساء، بدءاً من أولئك المحرومين منهم. إن كيفيّة الحياة تلك يجب أن لا تشمل فقط الاستجابة لحاجات وتطلعات الإنسان المادية وإنّما أيضاً مجموعة التطلعات الأخرى من مثل الكرامة الإنسانية، السَّلام، الأمن، الحريَّة، التربية والتعليم، الصحَّة، حق َّ الاختيار، نوع البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وحقوق الأجيال القادمة... إلخ.

يتابع البيان بالتأكيد على أن الكرامة الإنسانية والعدالة لا يتعارضان على الإطلاق مع الكفاءة الاقتصادية في استعمال الموارد وتصنيعها وعدم بعثرة جهود العاملين في حقل الاقتصاد. هذا التعارض وُجد في خيال من يريدون الاقتصاد مستقلاً عن أية التزامات قيمية وإنسانية وسياسية.

هناك ضرورة أن لا تنشغل قوى الثورات والحراكات بظواهر مؤقتة من مثل تناقص عدد السوَّاح في هذا البلد وتباطؤ الاستثمارات في ذاك البلد، أو تحذيرات يطلقها ذاك الصندوق الدولي أو تلك الجهة الإعلامية المشبوهة. بدلاً من بعثرة الجهود في مواجهة قضايا اقتصادية هي نتاج نظام أو فكر اقتصادي سابق فاشل، مطلوب التعاون مع مفكّري السياسة والاقتصاد والاجتماع العربي لوضع تصوُّر جديد تنموي إنساني لاقتصاد المستقبل ليصبح برنامج كل الأنظمة التي سيلدُها الربيع العربي مستقبلاً. برنامجاً لا ينحصر في متطلبات العولمة فقط وإنما يتخطاها إلى رحاب قومية وإنسانية أكبر وأعدل.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3610 - الأربعاء 25 يوليو 2012م الموافق 06 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:58 م

      ننشد المجد ... التليــــــــد

      الواجب علىمفكّري السياسة والاقتصاد والاجتماع العربي أن يتعاونوا – من الآن - في خدمة الحق وفي خدمة الفضيلة الإنسانية ، فان تعاونهم وتناصرهم رفاهية الشعوب وسعادتهم مما يكفل طمأنيتهم وسموهم وذلك هو الأساس والذي يبنى عليه صروح التقدم المنشود . وكل الشكر للروح القومية الصافية ... نهوض

    • زائر 5 | 10:13 ص

      التجارة بيع وشراء فما علاقة تربية الدجاج والمواشي

      قد يقرن قطاع التجارة بحقل الاقتصاد كزوج الا أن لهما طريقان متعاكسان. فالتجارة تشجع على الاسراف والاستهلاك بينما الاقتصاد يدعو الى عدم الإسراف وترشيد الاستهلاك.
      و من الأزواج ذات العلاقة بالتجارة الأبقار التي تلد وتدر الحليب لتنعش التجارة. وليس بسر مساهمة الثور في ازدهار التجارة البينية، إلا أن الثور ليس كالبقرة. فرغم أن الثورات جعلت من الثور مؤنث لكنه لا يلد. من المعلوم أن التجارة تنعشها المنتجات مثل البضائع والخدمات.
      فما البضائع والخدمات التي تقدمها الثورات للشركات الاجنبية والمحلية؟

    • زائر 4 | 7:19 ص

      فكر رائد

      الفكر المطروح رائد بقدر صاحب المقال، والواقع في العالم العربي أن الثورات في الأساس ثورات إقتصادية تتحول في النهاية إلى ثورات سياسية

    • زائر 3 | 6:50 ص

      يادكتور

      اللي يده في النار غير اللي يده في الماء والظاهر انت يدك في الماء وما تحس بالذى يده في النار معذور

    • زائر 2 | 6:11 ص

      ما فهمنا شي

      رحم الله والديك يا دكتور يعني انت راضي علي الوضع
      سياسيين بدون استراتيجيه ولكن مجرد تكتيكات والمواطن الفقير يدفع الثمن

    • زائر 1 | 4:48 ص

      مقال ممتاز ... على الحكومة فهمه

      دائماً ما تتذرع السلطة و من يدورون في فلكها بأن الحراك السياسي و أدواته توثر سلباً على الاقتصاد و على حركة السوق و الاستثمارات ... السؤال الأهم : كيف للاقتصاد أن يزدهر ما لم يتمتع المواطن بكل متطلباته من العدل و الحرية و الكرامة ؟ ... أي اقتصاد نتحدث عنه هنا ... هل هو اقتصاد الهوامير ام فتات الشعب ؟ ... نحن أما خيارين .. إما العيش بكرامة او الموت بعزة.

اقرأ ايضاً