العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ

استقرار سياسي داخلي = سياسة خارجية فاعلة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شئون البلدان الخارجية، مرتبطة بشكل أساسي بمدى نجاحها على المستوى الداخلي. والعلاقة ما بين الداخل والخارج هي علاقة طردية بامتياز. فكلما زاد تماسك الداخل، زاد تماسك الخارج. ويُمكن لشئون البلدان الداخلية أن تقوى، عندما ينشط ما يُمكن أن نسمِّيه، بعامل التقدم والمبادرة، الذي يلعب دورًا مهمًا في استقرار الأنظمة السياسية، وبالتالي انعكاسه مباشرة على السياسات الخارجية لتلك الأنظمة. فهو الذي يُفعِّل من نشاط النظام السياسي، ويجعل منه أكثر ديناميكية، وبالتالي سببًا في تطوره، ومواكبته للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعله لا يقِف عند حدٍّ معيَّن في التطور.

لكن، ما هو عامل التقدم والمبادرة الذي نعنيه هنا؟ وكيف نعرف أن هذا النظام السياسي يتمتع بذلك العامل أصلاً؟ إن ما نعنيه في عامل التقدم والمبادرة بالتحديد، هو وجود مؤسسات دستورية فاعلة وتمتلك صلاحيات مناسبة، وأيضًا، وجود إصلاح اقتصادي، وتنمية اجتماعية وشبكة من الخدمات العامة، مقرونة جميعها بصفة الديمومة المستمرة.

عندما تتحقق تلك العناوين في أيّ نظام سياسي، فإننا نستطيع أن نطلِق عليه، بأنه نظامٌ يتمتع بعامل التقدم والمبادرة. وعندما تتحقق تلك العناوين أيضًا، فإن ذلك عادة ما يخلق مناخًا داخليًا مستقرًا، يُساعد السياسة الخارجية للدول لأن تلعب دورًا أكثر فاعلية. هذا الأمر يمكن إسقاطه على العديد من نماذج الحكم، في الشرق والغرب، والخروج بعدد من النتائج الخاصة بتأثيرات ذلك العامل على السياسة الخارجية للدول بدون استثناء.

بالتأكيد، فإن هناك مقاييس لنجاح الدول، تكون ترجمة طبيعية لذلك العامل الذي أشرنا إليه، ومتماثلة معه بشكل آلي. فالدولة كتجمع سياسي يُقيم كيانه السيادي ضمن نطاق جغرافي وإقليمي، ويمارس السلطة العامة عبر منظومة متعددة من المؤسسات الدائمة، تخضع لمجموعة من المقاييس الهيكلية، من خلالها يمكن معرفة مدى نجاحها في الأداء، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، أو الثقافي ومد الخدمات إلى مواطني تلك الدولة والمقيمين فيها. وقد وضعت تلك المقاييس هيئات ومؤسسات دولية متخصصة، راعت فيها جميع ما يفترَض أن تقوم به وتمتلكه الدولة الناجحة، بالإضافة إلى صفات الدولة الفاشلة.

فالدولة الناجحة، يجب أن يكون لها أرض، وموارد وخدمات. وأن يكون لها هوية جامعة. وأنظمة وتشريعات وقوانين ناظمة للسلوك السياسي والاقتصادي والقانوني. وأن يكون لديها تقدم علمي. وقدرات عسكرية وأمنية تدافع بها عن استقلال البلد. وأخيرًا، يجب أن يكون لديها شبكة من العلاقات الخارجية المؤثرة والقوية. كل هذه الأمور الخاصة بنجاح الدول، مرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بمسألة قدرة النظام السياسي على مبدأ التقدم والمبادرة المشار إليه. لأنه بالأساس، القادر على توظيف كل هذا المشهد، لخلق استقرار داخلي، وبالتالي نشاط سياسي خارجي ملموس سواء في داخل الإقليم أو مع العالم. فذلك العامل، يمثل المقود لكل ذلك المشهد المركَّب، في سبيل تظهير رشاقة النظام السياسي وقوته.

هنا، يمكن الإشارة، إلى مدى ارتباط تقدم الأنظمة السياسية على المستوى الداخلي، بمسألة السياسة الخارجية، وكيف تتأثر الدبلوماسية عادة بشئون الداخل، عبر التذكير بالأمور التالية:

أولاً: يمنح تماسك الدولة في الداخل السياسة الخارجية للدول المزيد من الثقة، من خلال صياغة قرارات سياسية غير متأثرة بهزات أو مشكلات أو حتى حسابات داخلية معقدة.

ثانياً: عدم تعرض النظام السياسي، وتمثيله الدبلوماسي إلى المحاسبة الأخلاقية والمساءلة الدولية عندما يكون في حالة استقرار سياسي داخلي، وبالتالي تفرغ العلاقات الخارجية إلى القيام بمسئولياتها الطبيعية.

ثالثاً: بوجود الاستقرار الداخلي تكون العلاقات الخارجية قادرة بشكل فعال، على جلب أكبر عدد ممكن من الاستثمارات الخارجية إلى الداخل المستقر.

رابعاً: قدرة العلاقات الخارجية على بناء مصداقية أكبر أمام المنظمات الدولية والعالم الخارجي، التي تكون في حالة اطمئنان للأوضاع الداخلية للبلد.

خامساً: عدم انشغال السياسة الخارجية بسياسات تبرير الإجراءات المتخذة في الداخل، إذا كانت تتعارض مع المواثيق الدولية، وخصوصًا عند الأزمات الأمنية وتداعياتها.

سادساً: القدرة على نمذجة التجربة السياسية في الداخل، ضمن خطاب السياسة الخارجية، والذي يتحوَّل إلى مسار متزن وقابل للتفاعل في ذات الأوان.

سابعاً: قدرة السياسة الخارجية على توسيع رقعة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع العالم الخارجي بتحقق السلامة السياسية الداخلية.

ثامناً: قدرة السياسة الخارجية على دعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والحوار، وكذلك التمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن الدولي.

تاسعاً: قدرة السياسة الخارجية على العمل في بيئة تمتلك حماية فيما خصّ الأمن القومي للبلد، وهو أمر غاية في الارتباط مع الشأن الداخلي.

عاشراً: القدرة على القيام بدور مباشر في التوسط ما بين الدول، فالبلدان المستقرة محليًا، قادرة على تصدير ثقافة الاستقرار إلى الجوار وإلى ما هو أبعد من الجوار.

حادي عشر: قدرة السياسة الخارجية على اختطاط منهج مستقل عن القرارات الجماعية لمعالجة ملفات جدلية. وهي بذلك تُعيد إنتاج مفهوم الاستقلال كأحد المصادر المهمّة لديمومة الوظائف السياسية الشرعية لمسيرة النظام السياسي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:20 ص

      important

      عدم تعرض النظام السياسي، وتمثيله الدبلوماسي إلى المحاسبة الأخلاقية والمساءلة الدولية عندما يكون في حالة استقرار سياسي داخلي، وبالتالي تفرغ العلاقات الخارجية إلى القيام بمسئولياتها الطبيعية

    • زائر 1 | 7:20 ص

      ابجديات

      استاذ كيف تريد استقرار داخلي من غير تفعيل القانون علي كل مُتجاوز حتى خارجياً لن يحترموك

اقرأ ايضاً