العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

«الصوم» من أجل العدالة

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

قراءة التاريخ السياسي الحديث؛ تدفع إلى القول بأن المتغيرات التي تحدث داخل المجتمعات لا يمكن أن تحدث عند مجتمع ولا تحدث عند آخر، ومن يقول إن بلدان المنطقة العربية محصنة من التغيير؛ فهذه مقولة لم تعد دقيقة منذ العام 2011 حتى اليوم.

إذ أثبتت التصفيات الجسدية أو محاولات الاغتيال والزج في السجون أو الملاحقات القضائية (الصورية) ضد المعارضين من الأحزاب السياسية أو من المتظاهرين في الشوارع بالعواصم العربية تحت مختلف الأعذار والتصريحات؛ أن الوضع المتأجج وغير المستقر داخل المجتمعات المتعطشة للعدالة والحقوق المسلوبة لا يمكن أن يستمر رغم السياسة التي اشتهرت بها أنظمة الديكتاتوريين في بلدان أميركا اللاتينية في حقبتي السبعينات والثمانينات وصولاً الى أوائل التسعينات من القرن الماضي.

واليوم؛ تحولت حركة المطالبة بالحرية والعدالة إلى مطلب عالمي؛ لأنها أصبحت حركة عالمية تعزز وتنشر مبادىء حقوق الإنسان، وقد تكون الناشطة الهندية ايروم شاميلا نموذجاً ومثالاً لامرأة اختارت الصوم أسلوباً وأداة لمقاومة العنف والدم في مسقط رأسها في مانيبور بالهند. فقد استخدمت جسدها على مدى 12 عاماً كسلاح للتغيير السياسي، وقامت بتجويع نفسها اعتراضاً على قانون السلطات الخاصة للقوات المسلحة (يعطي هذا القانون سلطات شاملة للجيش الهندي)، إلا أنها لم تنجح بعدُ في إلغاء القانون ومازالت صائمة من أجل العدالة. (راجع مجلة كل اليوم الالكترونية ومجلة «تيهيلكا» تحت عنوان: «إرادة إيروم الحديدية») .

ويعود استمرار إضراب أطول مضربة عن الطعام في العالم إلى استمرار القبض على أي شخص واتهامه بالإرهاب وسجنه أو حتى قتله من دون توجيه أية تهمة إليه أو محاكمته، ويقدر عدد القتلى منذ العام 1980 بحوالي 25000 مواطن.

وقد زج بشاميلا عاماً كاملاً في السجن ثم أفرج عنها ولم تغير موقفها إلى الآن ولم تتناول لقمة واحدة أو تشرب قطرة ماء واحدة، لكن السلطات الهندية أجبرتها بالقوة على تركيب أنبوب يمد جسمها بمحاليل حتى لا تموت من الجوع وتفرض عليها رقابة صارمة ليلاً ونهاراً لا تمارس أي نشاط أو حياة طبيعية لكنها تنتظر الموت، وتحمل الجميع مسئولية موتها؛ فتقول شاميلا: «إذا لقيت حتفي ستكون السلبية والجبن هما المتهم الأول». هذه شاميلا المرأة المبدئية والحديدية، كما وصفتها الصحافة الهندية، وأسلوب نضال من خلال التجويع لتحقيق عدالة غائبة. ولو عدنا وقرأنا ما كانت ومازالت تكتبه الصحافة التشيلية عن ديكتاتورها أوغستو بينوشيه؛ فهي دائمة الذكر عن علاقة «بينوشيه» بالولايات المتحدة والتذكير بـ «سلفادور ألليندي» الرئيس التشيلي الذي سبقه في حكم البلاد. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1970 وصل الزعيم الاشتراكي «ألليندي» إلى رئاسة تشيلي في انتخابات حرة ومباشرة، في وقت كانت الاشتراكية ترتفع في أميركا اللاتينية.

وفي هذه الأوقات العصيبة للولايات المتحدة كان «سلفادور ألليندي» الذي عرف بطبيب الفقراء يتخذ سياسات شجاعة ضربت المصالح الأميركية في تشيلي بانتصارها لجانب الفقراء، وميولها الاشتراكية الواضحة، وهنا برز الوجه الآخر للديمقراطية الأميركية؛ ففي 11 سبتمبر/ أيلول 1973 كان بينوشيه قائداً للجيش، وبإيعاز من الولايات المتحدة حاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالباً « ألليندي» بالاستسلام والهرب، لكن «ألليندي» رفض، «وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء تشيلي طوال قرنين من الزمان، ليسقط شهيداً في القصر الرئاسي رافضاً التخلي عن حقه الشرعي.

وقد استهل بينوشيه حكمه بسياسة «اقتل فاحكم» وهو ما تحقق بداية بقتل الرئيس الشرعي وحل الكونغرس التشيلي، وتعليق الدستور وأعلن هو ورفاقه أنفسهم المجلسَ العسكريَ حاكماً، ومنعوا أي نشاط سياسي، وطاردوا اليساريين في كل أنحاء البلاد، وتقول المصادر الدولية إنه «نتيجة لأفعال المجلس العسكري قُتل أكثر من ثلاثة آلاف تشيلي أو اختفوا، كما عُذب وسُجن أكثر من سبعة وعشرين ألفاً، ونُفي الكثيرون أو هربوا طالبين اللجوء السياسي.

وفي العام 1980 أقر «بينوشيه» دستوراً جديداً للبلاد، واستفتاءً بمرشح واحد للسلطة، وعلى رغم كل هذا؛ فإنه في العام 1988 رفض الكونغرس إقرار دستور يتيح لـ»بينوشيه» حكم البلاد طوال حياته؛ ففضل أن يتنازل عن رئاسة البلاد لـ»باتريشيو أيلوين» الرئيس المنتخب العام 1989، وذلك في العام 1990، لكنه في الوقت نفسه حافظ على منصبه كقائد للجيش حتى 1998، حين أخذ مقعداً في مجلس الشيوخ طبقاً لتعديلات دستورية أقرت في 1980.

وبدأت نهاية الديكتاتوري التشيلي في العام 2002 عندما سافر إلى بريطانيا لإجراء فحوص طبية، وهناك اعتقل بتفويض قضائي أصدره القاضي الإسباني «بالتاسار جارسون»، وبقي قيد الإقامة الجبرية لأكثر من عام، قبل أن يتم إطلاق سراحه لأسباب طبية؛ ليعود إلى تشيلي ويترك مقعده كسيناتور، بعد قرار من المحكمة العليا بأنه يعاني من الخرف، وفي مايو/ أيار 2004 حكمت محكمة تشيلية بأنه قادر على الصمود في محاكمة، لتبدأ محاكمته في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه بتهم تتعلق بحقوق الإنسان ولم يحاكم لأن المنية وافته في العام 2006.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:14 ص

      قانون الانعكاس ومقلوبه الحقيقي

      انعكاس وانكساره الضوء حالتان في الفيزياء وكذلك ارتفاع منسوب الماء وانخفاظة في الطبيعة مشهورة.
      بسبب غياب التوازن توجد في المجتمعات حالات مشابهه ومعكوسه مثل تفشي الفقر وارتفاع الغنى الفاحش لدى قلة من المجمع ...
      وبيان مثل هذه الحالة يتضح في قول الامام علي (ع): "ما رأيت من نعمة موفورة الا وحق فقير مضيع".
      مقلوب زيادة الظلم نقصانه وعلاقة كلما زاد عن حده انقلب ضدة تتضح في نهاية الظلم. فكلما زاد الظلم لا تقرب نهاية العادل وانما قربت نهاية الظالم.
      فهل حالة زيادة أو حضور الظلم لا يعجل بمقلوبه؟

    • زائر 5 | 2:58 ص

      إلا في البحرين فمن يطالب بالعدالة والحرية والشراكة في الوكن فهو خائن

      لقد خوّنونا ولم يبقوا في قاموس الكلمات البذيئة اي كلمة الا ولصقت بنا وصبرنا على مرارة ذلك نعم صبرنا ولم ننجر الى ما كان البعض يريد الانجرار له وهي الفتنة الطائفية لان هدفنا هو الوطن نعم الوطن وليس الاحتراب الطائفي ولو ان ما قيل عنا في اي بلد آخر
      لاصبحت البحرين في خير كان ولكن الحمد لله شعب البحرين واع لمثل هذه الفتن ونسأل الله ان يعيننا على ذلك وان لا ينجر احد الى مثل هذه الفتن

    • زائر 4 | 2:53 ص

      نهاية كل ظالم

      الا يعلم كل ظالم بانه بشر وكائن فاني وسيفنى معه ظلمه ولكن المصيبة عندما يتولى من بعده من يطول عمر هذا الظلم

    • زائر 2 | 1:50 ص

      سنة الله وسنن الأولون

      ومنها نخرجكم واليها نعيدكم . النقطة واحدة وان اختلف موضعها. فبداية نقطتها تحت الباء أما النهاية فنقطتها فوق النون.
      .. هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن فيه شيء مذكورا ..
      الآيات والامثلة كثيرة منها عاد وثمود ...
      مادام الجبابرة والمتكبرين موجودين فهل تجد لسنة الله تبديلا؟

اقرأ ايضاً