العدد 3648 - السبت 01 سبتمبر 2012م الموافق 14 شوال 1433هـ

صاحب الفضيلة «...»!

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

أرسل له أحدهم بكحلة البذاءة مكتوباً قصيراً كتب فيه: «لقد أقضت مضجعهم... زين تسوي فيهم»... فما كان منه إلا أن أجابه بعبارةٍ تناسب صاحب الفضيلة بكل ما في قلبه من غل وقذارة: «أنا ثابت... لا أحيد عن مبادئي في الخسة والنذالة والوقاحة»... متناسياً أنه - من شدة فجاجته ورعونته ونتانة الوحل الذي تربى فيه - أساء إلى الناس عامداً قاصداً ترويج بضاعته الكاسدة بلا حياء ولا أدنى خلق، فما كان من الناس الغيورين إلا أن ألقموه حجراً، لكنه استمر في نباحه.

صاحب الفضيلة «الوقح»، وجد نفسه ذات ليلة مظلمة حالكة السواد، مترنحاً... مسهداً يخير نفسه على خطرين: (إما أن أنال لقب صاحب السعادة والفضيلة والوجاهة، أو أنني سأبقى متمسكاً بما نشأت عليه من عفن! وفي كلا الحالتين، لابد لي من أن أحظى بأمنيتي تلك حتى وإن كانت مقرونة بالـ «وقح»).

تنقل صاحب الفضيلة من وادٍ الى وادٍ، ومن يراع إلى يراع، وبذل كل ما في وسعه من نفاق وتملق لأن يكون له موضع قدم في مرتبة «علية القوم»، فلم يكن نصيبه من كل تعبه ونصبه ومشقته إلا المزيد من الازدراء والفشل! وأشد ما كان يؤلمه، وهذا هو الأمر العجيب المستغرب، أنه اكتشف أن من حوله كلهم من ذات طينته! العفن عفن، والمنافق منافق، والأحمق أحمق، فضجّ وهاج وماج، وزاد وجده وانكساره لكنه قرر أن يستغيث بواحدةٍ من أدهى ساحرات الدنيا... علّها تشور عليه مشورة ينال فيها ما تمنى.

«سيدتي العظيمة... يا أعظم ساحرات الكون... جئتك (بائعاً ومخلصاً)... لقد اسوّدت الدنيا في عيني وألهبتني سياط المذلة والإخفاق، فهل لك أن ترشديني إلى طريق خلاصي فأكون لك عبداً مطيعاً مؤتمراً بما تأمرين... أنت تفصّلين وأنا ألبس... سيان عندي إن كنت أنت الراعية وأنا الكلب الأمين... أم أنت الكلبة وأنا العظم اللعين»... قالها وانحنى ينتظر منها أن تنطق ببنت شفة.. لكنها صمتت! وطال وقت صمتها وهو ينتظر منحنياً علّها ترأف بحاله.

رمقته بنظرة فيها من الخبث ما يليق به ثم قالت: «لعمري لم أرَ في حياتي أسود وجه مثلك؟ أفبعد أن تشرّق وتغرّب... وتخيط وتبيط... تأتيني طالباً المشورة وأنت تعلم سلفاً، ومنذ سنين، أنني في حاجة إلى شخص مثلك؟ ها... أتريدني الآن أن أحشّد عليك عفاريتي فيجعلونك قديداً يرمى لوحوش البيداء... ها... هيّا اخرج... اغرب عن وجهي فما بلغني عنك من رغبةٍ عارمةٍ في أن تسحب البساط من تحت قدمي وتصبح أنت المقدّم عليّ... يجعلني أمقتك وأحتقر شأنك الحقير أصلاً».

«لا يا مولاتي... من أبلغك عني تلك الأكاذيب؟ إنما أنا منك وإليك... نعم، أخذتني الدنيا عنك قليلاً ولكنني إنما كنت أستعد لأن أُبلى بلاءً حسناً في سبيل نيل رضاك... بس عاد سامحيني... لقد أحدث كلامك في فؤادي شرخاً ما أحدثه شارخ... وقطع نياط قلبي بأشد ما ملكه جزّار من سواطير المطابخ... حتى لكأنني أهيم بين الناس صارخاً بعويل ما صدر من صارخ... تكفين يا مولاتي تكفين، فإنني من يدك هذه إلى يدك تلك... اِؤْمُريني ستجدينني رهن إشارتك».

تصاعد الدخان من مجمرة وضعتها الساحرة أمامها بعد أن رمت فيها ما رمت ثم قالت له مهددةً متوعدة: «سيكون لك ما أردت على ألا تعصي لي أمراً، ولا تفشي لي سراً، فإنك تعلم من أمري ما تعلم... أونسيتَ عفاريتي؟ أونسيتَ أنني إن أردت أن أكويك بجحيم سحري فإنّ أنهار الدنيا لن تطفئ حريقك...».

قفز ثم عاد لينحني: «بلى... بلى... أعلم كل ذلك؟ وهل أنا إلا مخلوق لا وجود لي إلا بوجودك... فَأمُري ما تشائين»... نبشت الساحرة في خرقة من القماش وضعتها قرب تكيتها وأخرجت منها كيساً حريرياً ألقته إليه وقالت: «خذ... في هذا الكيس، تعاويذ الشر... ليس عليك إلا أن تندسّ بين الناس وتنشر العداوة بينهم... وإذا وجدت الأحبة مجتمعين فاستخدم تلك التعاويذ لتفرق بينهم... وإن وجدت البشر في وئام، فدمر ما بينهم من ود... اسعَ سعيك وكد كيدك... فستجد فيما تفعل ما تأمل... وأراك بعد حين من الزمن... وقد جئتني بما يثلج صدري ويفرح فؤادي مما صنعت... هيا اذهب».

خرج ولم يعد... خرج وغاب طويلاً... لكنه بعد طول غياب عاد مرتمياً بين يدي الساحرة... صرخت: «ماذا دهاك... أصدقني القول؟ هل فعلت ما أمرتك؟»... ردّ وهو يهزّ رأسه بجنون: «نعم يا سيدتي... نعم... لقد نالني مما أمّلت ما نالني... أصبحت يا سيدتي... صاحب الفضيلة«...».

* هي قصة من خيال الواقع... فاختاروا من دلالاتها ما شئتم!.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 3648 - السبت 01 سبتمبر 2012م الموافق 14 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 6:20 ص

      ما أجمل هذا المثل

      عندما يريد الإنسان ثمرة طيبة من شجرة عالية يقذفها بحجر لتسقط الثمرة

      وكذلك الإنسان الناجح او العالم يرميه الناس بالباطل " بحجارتهم" فيسقط عليهم من درر علمه ومن ثمرات نجاحه

    • زائر 10 | 5:25 ص

      خيال الواقع

      كوني مواطن تونسي فربما اشارك معك اخي الكاتب بتوصيف ثيمة خيال الواقع من الناحية النقدية هو اسلوب محكم يثير التساؤل الحر ليربطه القارئ بالواقغ فالنص فيه براعة ادبية لذيذة تقبل شكري

    • زائر 9 | 2:12 ص

      من نسج الخيال..

      أحلى شي في القصة إنها من نسج الخيال

    • زائر 8 | 1:52 ص

      يا أخي لا هي من الخيال ولا شي المقصود واضح و فاضح

      و أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. هؤلاء المتورين بإذن الله خائبين.

    • زائر 7 | 1:41 ص

      صدقت

      هذه الأزمة التي مرت بها البلاد غربلت الكثير من الناس وبان الكثير من حولك ممن تحسبه انسانا يحب لك الخير والود وإذا به وحش كاسر يتحين الفرصة لينقض عليك ويتغذى على لحمك ولكن الله لهم بالمرصاد يامن ساعدوا على تجويع الكثير من المواطنين بفصل أرباب أسرهم .

    • زائر 6 | 1:37 ص

      القصة واقعية

    • زائر 5 | 1:19 ص

      الا الحماقة اعيت من يداويها

      خف عليهم استاذ سعيد شوي يكفي مااكلوه من بهدلة ارجوك قدر موقفهم فهم في حاجة لمن يخفف عنهم ويريح اعصابهم المتوترة

    • زائر 4 | 1:14 ص

      جميلة جدا

      فعلا تحكي عن الواقع المرير الي نعيشة بهالزمن....شي مؤسف حقيقة

    • زائر 3 | 1:08 ص

      فتنة الدنيا بألقاب الرجــــــــــال

      ليست القصة من نسج الخيال

      إنه واقعنا قد أوجزت المقـــال

      فتنة الدنيا بألقاب الرجــــــــــال

    • زائر 2 | 12:06 ص

      صاحب الفضيلة نص في غاية الحبكة يكشف صاحب الرذيلة

      صاحل الرذيلة في هذ النص الرائع اقول لاختصار هم نقط نقط

    • زائر 1 | 12:05 ص

      صاحب الفضيلة نص في غاية الحبكة يكشف صاحب الرذيلة

      صاحل الرذيلة في هذ النص ا

اقرأ ايضاً