العدد 3666 - الأربعاء 19 سبتمبر 2012م الموافق 03 ذي القعدة 1433هـ

استهداف الإسلام عبر «العم سام»... مشروع تآمري كبير!

حافظ عبدالغفار comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل 20 سنة قامت ليلى العطار (رسامة عراقية) برسم لوحة كاريكاتورية لبوش الأب ووضعتها على أرضية مدخل فندق الرشيد الذي كانت تسكن فيه شخصيات عراقية وعالمية أيام نظام صدام... وكان على كل من يريد دخول الفندق أن يدوس على صورة بوش الأب المتهم بأنه ارتكب جرائم حرب بحق العراقيين وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأثارت تلك اللوحة الإدارة الأميركية وقواتها المسلحة و (سي آي أيه)... وفي ليلة ظلماء من العام 1993 أطلقت 3 صواريخ أميركية على بغداد استهدف أحدها بيت ليلى وأحالها وأهلها إلى أشلاء!

رسم صورة مسيئة لبوش (تقتضي) قتل من رسمها؟ بينما تمثيل فيلم بسيناريو وقح مسيء للرسول (ص) يقتضي منا السكوت وبلع الإهانة؟!

صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية كشفت أن سام باسيل مخرج ومؤلف فيلم «براءة المسلمين» المسيء للرسول هو مستثمر عقارات (يهودي إسرائيلي – أميركي) جمع 5 ملايين دولار من 100 متبرع يهودي لإنجاز العمل، وجرى تصوير الفيلم في كاليفورنيا طوال 3 أشهر من العام الماضي، وقد اختفى سام بأحد المخابئ السرية خشية القتل، وأصر على موقفه من أن «الإسلام هو السرطان»، وأنه يؤمن بأن فيلمه سيساعد إسرائيل على (كشف عيوب الإسلام للعالم» لأنه يريد نقل رسالة عن طريق الفيلم الذي أصر على أنه فيلم سياسي وليس فيلماً دينياً، مضيفاً أنه جهد سياسي من أجل لفت الأنظار إلى ما أسماه «النفاق في الإسلام»! ومن مكان غير معلوم في جنوب كاليفورنيا كشف سام عن سمومه اللعينة حين قال إنه قام بإنتاج العمل «من أجل مساعدة موطنه الأصلي - إسرائيل - في كشف حقيقة الدين الإسلامي».

سيناريو هذا الفيلم الخبيث تمادى ليصوّر النبي محمد (ص) كزير نساء يؤيد استغلال الأطفال جنسياً ما أثار موجة عنف شديدة بمصر واليمن اللتين حاول «أنصار الرسول» فيهما اقتحام السفارة الأميركية، وليبيا التي أضرمت فيها النيران بالقنصلية الأميركية في بنغازي ما أسفر عن مقتل السفير وعدد من العاملين بالسفارة (في ذكرى 11 سبتمبر!)، إلى جانب ردود فعل غاضبة في الكثير من بقاع العالم.

وينبغي التذكير هنا أن القس المتطرف تيري جونز هو الذي قام بالترويج لفيلم سام «السام»، وهو المعروف عنه في السابق قيامه بحرق نسخ القرآن الكريم أمام الكاميرات ما أثار موجة غضب عالمية، علماً بأن جونز درس في مدارس معمدانية متطرفة وعمل في كنيسة في فلوريدا ليبدأ هجومه على الإسلام العام 2001 عقب هجمات سبتمبر/ أيلول.

إن إحراق القرآن الكريم من قبل المتطرف جونز كان يمكن اعتباره فعلاً متهوراً في البداية (سبتمبر 2010)، إلا أن تكرار العملية (العام الماضي)، والصمت عليها من قبل المعنيين في أميركا والعالم، وتزامنها مع عملية حرق مصاحف في القواعد الأميركية بأفغانستان، إنما يدل على أن هذه العملية ليست خطوة منفردة من شخص لا يعرف ما يفعل، وإنما هو منهج بات متعمداً منهم ومعتمداً لديهم من أجل توهين الكتاب المقدس لدى المسلمين وانتهاك حرمته.

حالة الغضب المتأججة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وأحداث العنف المترتبة عليها، ذكرت الدنيا بالاضطرابات التي اندلعت العام 2005 بعد نشر صحيفة دنماركية صوراً مسيئة للنبي محمد وأثارت موجة غضب عارمة دولياً.

إن كان «احترام المعتقدات الدينية» هو حجر الزاوية للديمقراطية الأميركية، فإنه يتعين على واشنطن وصانعي التشريعات الأميركيين رفض أفعال من يسيئون استخدام الحق العالمي لحرية التعبير للإساءة للمعتقدات الدينية للآخرين، لأن الاعتداء على شخص النبي محمد بالإساءة، إنما هو اعتداء على كل مسلم وانتهاك واضح لمشاعر ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها سيدفع ثمنه كل من يساند ويدعم هذا المنتج اللاأخلاقي... وإلا فما الذي جنته الولايات المتحدة من وراء الفيلم؟ جمهور وتصفيق؟ أم نفور وغضب وحنق في أرجاء الدنيا بسبب حمل الفيلم الملون بأفكار «سوداء» تمخضت عنها نتائج دموية فورية «حمراء قانية»!

لعل جميعنا يسلم بمعادلة إنه «ليس كل الأميركيين مؤيدين لفكرة الفيلم»، و «ليس كل العرب والمسلمين متفقين مع منهج القتل والانتقام»، إلا أن ما حصل من فعل وردة فعل إنما هي نتيجة كانت متوقعة للسيناريو العفن المعد سلفاً والمخطط له من وراء الكواليس الصهيونية والذي سيتواصل ضمن حلقات تآمرية مسلسلة تستهدف استفزاز أمة العرب والمسلمين!

جاء الفيلم الملعون ليعكس تعبيراً آخر عن الحقد المتأصل في نفوس المهووسين ضد الإسلام، كما أن تصرفاتهم الرعناء إنما مثلت فعلاً تحريضياً يهدف إلى نشر كره الدين الحنيف في نفوس الشعوب الغربية.

من كاريكاتير، إلى فيلم، إلى مسلسل، إلى حرق مصاحف، إلى... إلى... وماذا بعد؟! إلى هذا الحد أنتم مرعوبون من هذه الديانة القائمة على التآلف والمحبة والتسامح مع الآخرين؟! إن العداء للإسلام ولرسوله الكريم حتماً لن يخدم الإنسانية ولا المشروع الحضاري العالمي القائم على العدل وإنقاذ البشرية من التيه والذي يتكفل الإسلام بتحقيقه عبر تعاليمه السمحة، كما أن الإساءة للنبي والتطاول على رسول الإنسانية محمد، لا يدخلان ضمن حرية الرأي والتعبير، فالحريات تنتهي عند المقدسات، والتطاول على الإسلام أمر في غاية الخطورة يمثل مساساً بواحدة من الديانات السماوية ويمثل فتنة الإهانة للأنبياء والأديان السماوية.

ليت أصحاب تلك الإساءات يتعلمون كيف عامل الإسلام (مريم)، وليتهم ينظرون ماذا قال القرآن الكريم عنها، وكيف وضع لها مكانة مميزة لم تكن لغيرها من أمهات المؤمنين... ترى هل غاب عن «سام باسيل» و «تيري جونز» أن الفعل الشائن لكل منهما بحق المصحف الطاهر وبحق الرسول الأعظم إنما يتنافى مع منهج حياة السيد المسيح الذي كان يدعو للمحبة والتسامح وقبول الآخر والتحاور معه لا نبذه والتشهير به؟!

إن ما حصل بحق رسول الإسلام من تطاول شنيع يحتم على رجال الدين وعلمائه في كل جامع وكل كنيسة وكل معبد أن يقدموا خطاباً دينياً نابذاً للتعصب يخلو من كراهية الآخر ويرفض أية إهانة تخص مقدسات الآخرين ويدعم حقوق الإنسان وحرية الدين والمعتقد.

دعوة عاجلة نرفعها إلى الشعوب الواعية والضمائر الحية بكل بقاع المعمورة، إلى كل الحريصين على صون المقدسات في العالم، الرافضين لممارسات ازدراء الأديان، أن يرفعوا الصوت عالياً ضد الأفعال السقيمة التي تزرع بذور الشقاق بين الأفراد وتروّج لأفكار مقيتة تحرض على تصارع الحضارات والأديان، بدل تآلفها وتفاهمها على العيش بسلام وتناغم وتفاهم.

هذا المهووس المختل مخرج الفيلم... إن كان محسوباً على واحدة من الديانات، وإن كان كارهاً للقرآن وحده... ترى كم تبلغ حدود معرفته الحقيقية بتعاليم سيدنا عيسى أو سيدنا إبراهيم أو سيدنا داوود؟ وكم مرة استدل بمفاهيم الإنجيل والتوراة والزبور؟!

لطالما ردد العالم قناعة مفادها أن «الإرهاب السياسي لا دين له ولا ديانة ولا عقيدة»... فما بالكم بالإرهاب الديني، الإرهاب العقائدي، الإرهاب الفكري وإرهاب محو الآخرين؟! إن أمور كهذه تصدر من واحدة من ولايات أميركا من شأنها أن تجر عليها الويلات وترسم عبر بقاع العالم الخطر المحدق على حياة الأميركيين من عسكريين وسفراء ودبلوماسيين ومدنيين ليتواصل معها مسلسل الكره بحق العرب والمسلمين إن هم تحركوا للانتقام، من دون الغوص في مسببات الحدث أو محاولة ردع مفتعلي الأزمات، فوسط مستنقع التفاهة والجهل والحقد الأعمى ستبقى الصراعات الايديولوجية تغذي مواطني أميركا بالكراهية ورفض الآخر، وعلى رغم ترسخ سنن الاختلاف في الممارسات اليومية الأميركية، إلا أن الولايات المتحدة مرشحة في العقدين المقبلين لأن تتحول إلى مرتع لليمين المتطرف والحاقدين على الديانات، أخذاً في الاعتبار أن القانون في أميركا لا يعاقب على حرق العلم الأميركي أو حتى حرق الإنجيل أو التشهير بالسيد المسيح وأمه العذراء مريم، ضمن ما يعرف بالبند الأول من الدستور والذي ينص على ضمان حرية التعبير!

الحكاية إذاً حين بدأت بإعلان القس المتطرف تيري جونز في ولاية فلوريدا أنه سيعقد «محاكمة عالمية للنبي محمد» يعرض خلالها فيلماً يوضح حقيقة الإسلام والمسلمين، وعلى الفور كشفت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» هوية منتجي الفيلم المسيء للرسول، متهمة اثنين من «أقباط المهجر» هما جوزيف نصرالله عبدالمسيح ونيكولا باسيلي، بالوقوف وراءه!

ويوماً بعد آخر تشعبت خفايا الحكاية حتى قيل إن تحقيقات محمومة في أميركا أجريت بشأن شخصيات صناع الفيلم برهنت على أن بطل الفيلم هو مصعب (نجل حسن يوسف أحد أبرز قياديي حركة حماس الفلسطينية)، وكان مصعب أعلن قبل عامين اعتناقه المسيحية وكشف عن عمالته للموساد الإسرائيلي بعد ثبوت تورطه في اغتيال واعتقال قيادات من مختلف الفصائل، منهم عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين ومروان البرغوثي.

وعلى رغم التشابك الحاصل في أهداف التحضير للفيلم والرغبة الشريرة في رش مزيد من الملح على جراح العرب والمسلمين وتعظيم التعقيدات وتضخيم التكهنات بشأن نتائج «هجمة الفيلم» سواء من خلال السعي لتشويه سمعة «أقباط مصر» أو التخطيط للتنقيص من سمعة قياديين فلسطينيين، بعد نجاح مدبري المؤامرة الفيلمية في بلوغ الهدف الرئيس (المساس بشخص الرسول والتشهير بالإسلام)... إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة: هل المخبول «تيري جونز» والأهبل «سام باسيل» هما نتيجة طبيعية لمشروع كبير يتجاوزهما كمجرد أشخاص؟!

إقرأ أيضا لـ "حافظ عبدالغفار"

العدد 3666 - الأربعاء 19 سبتمبر 2012م الموافق 03 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً