العدد 3672 - الثلثاء 25 سبتمبر 2012م الموافق 09 ذي القعدة 1433هـ

الإيجابية في الدفاع عن رسول الله

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الإساءة إلى الرسول الكريم ليست حكراً على عصرنا هذا، فقد مارسها كفار قريش في عهده، كما فعلها كثيرون في عصور متتالية من تاريخنا الإسلامي، ولم تكن تلك الإساءة على وتيرة واحدة؛ فقد كذّبه البعض، وهجاه آخرون، ووصفوه بأبشع الصفات وأسوئها.

ثم جاء بعض المستشرقين فحرّفوا كلامه، ونسبوا الدين إليه لا إلى الله سبحانه، وشوّهوا أعماله الفاضلة ونسبوا إليه صفات قبيحة يعف القلم عن ذكرها.

علماء المسلمين قديماً وحديثاً؛ قاموا بدورهم في الدفاع عن نبيهم الكريم، قولاً وعملاً، لكن هذا الدفاع بدأ يضعف كثيراً بضعف المسلمين وضعف قيادتهم السياسية والدينية، فتجرأ الكثيرون على الإساءة لمقدسات المسلمين وفي أكثر من بلد وبصور مقززة. ففي أفغانستان وغوانتنامو أحرق بعض الجنود الأميركان المصحف الشريف وبالوا عليه. كما أن رسم الرسول الكريم بصورة مخزية والاستهزاء به حدث أكثر من مرة وفي أكثر من بلد أوروبي، وكان آخر هذه المهازل الفيلم الذي تعاون في إنتاجه مجموعة من الأقباط واليهود المقيمين في أميركا.

أعداء الإسلام لن يتوقفوا عن إساءتهم إلى المسلمين ما لم يروا مواقف حازمة تجعلهم يتردّدون كثيراً قبل فعل أي شيء يسيء إلى مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم، وهذه الأفعال يجب أن تكون منضبطة بقواعد الشريعة ومصالح المسلمين، وفوق هذا يجب أن تكون إيجابية تساهم في رسم الصورة الصحيحة للإسلام وأهله.

لست مع مهاجمة السفارات ولا الإساءة إلى العاملين فيها؛ فهؤلاء لا علاقة لهم بما يحصل في بلادهم، كما أنهم مستأمنون في بلادنا، ونتيجة هذا النوع من العنف مردوده سلبي على سمعة بلادنا وكذلك الإنسان المسلم، بالإضافة إلى أن مقتل مسلم بهذا السبب كارثةٌ أخرى، فضلاً عن مقتل العشرات من المسلمين كما رأينا في بعض البلاد العربية والإسلامية ممن هاجموا السفارات الأميركية.

العمل الإيجابي هو الذي يردُّ على كل الترهات التي أثيرت أو يمكن أن تثار مستقبلاً، ومنها العمل الذي أعلنت قطر أنها ستبدأ بتنفيذه بعد أن أجرت دراسات واستشارات حوله، وهو عمل فيلم عن الرسول الأعظم بكلفة تقدر بأربعمئة وخمسين مليون دولار، وعلى ثلاث مراحل؛ كل مرحلة تكلف مئةً وخمسين مليون دولار.

هذا الخبر الذي نشرته صحيفة «الشرق» القطرية جاء فيه إن المسئولين القطريين استشاروا عدداً من العلماء عن تفاصيل هذا الفيلم لحساسيته من جهة، وأهمية الأهداف المستهدفة منه باعتباره سيكون موجهاً بالدرجة الأولى إلى غير المسلمين، وممن يتحدثون اللغة الانجليزية، ومن جهة أخرى فإن الحديث عن رسولنا الكريم يستلزم دقة متناهية في كل التفاصيل، فليس هناك شيء مهم وآخر أقل أهمية فكل شيء يتعلق برسولنا في غاية الأهمية.

ولعلي هنا أذكِّر باللغط الشديد الذي حدث حول مسلسل عمر بن الخطاب (رض)، قبل عرض المسلسل وبعده، فالمشاهد المسلم يفتح عينيه جيداً إذا كان الحديث عن صحابة الرسول الكريم؛ فكيف إذا كان الحديث عنه شخصيّاً؟ ومن هنا فإني أتمنى من القائمين على تحقيق هذا العمل؛ أن يأخذوا في حسبانهم كل هذه التفاصيل قبل البدء في مثل هذا العمل الكبير.

هذا العمل يعد إيجابيّاً إلى درجة كبيرة؛ فكثير من الشعوب غير المسلمة لا تعرف كثيراً وبعضها لا يعرف شيئاً عن الإسلام إلا من خلال ما يقوله أعداؤه عنه، ولهذا تنطلي عليهم كل الإساءات التي يسمعونها، فإذا نقلت إليهم الحقيقة وبصورة جميلة ومشوقة؛ فإنني أتوقع أنه لن تكون هناك صدقية لما قد يسمعونه من إساءات إلى الإسلام مستقبلاً.

هناك وسائل أخرى تؤدي إلى الهدف نفسه ومن واجب المسلمين وحكوماتهم أن يقوموا بها، فالصمت عارٌ على الجميع، ومثله عدم الفعل الإيجابي، فالمسلمون لم يستخف بهم الآخرون إلا بسبب سلبيتهم وضعفهم.

بقي أن أقول إن ادعاء الحكومة الأميركية ومثلها الفرنسية بأن قوانين الحريات عندهم هي السبب في سماحهم بالإساءات لرسولنا كذب كله، ولو كانوا صادقين لسمحوا للآخرين -بمن فيهم أميركيون وفرنسيون- بقول ما يعتقدونه عن المحرقة اليهودية، وآرائهم في الصهاينة، وإنكار إبادة الأرمن، لكنهم يجرّمون كل من يفعل ذلك وقد يدخل السجن وهذا حصل فعلاً، فأين الحريات التي يدعونها؟ هم يفصلون حرياتهم بحسب مقاساتهم، ولم يعد حديثهم عن الحريات المزعومة ينطلي على أحد. ولو أن المسلمين جميعاً وحكوماتهم قاموا بخطوات عملية كما يفعل الصهاينة لتغيّرت كل مزاعمهم؛ لكن الصمت المخجل جعلهم يحتقروننا وفي أشياء كثيرة! لدى العرب والمسلمين وسائل ضغط كثيرة ومؤثرة لكنهم لا يعرفون مصالحهم وهذه هي المشكلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3672 - الثلثاء 25 سبتمبر 2012م الموافق 09 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً