العدد 3676 - السبت 29 سبتمبر 2012م الموافق 13 ذي القعدة 1433هـ

أذناب «إيران» (2)

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

اختتمت المقال السابق بكلام للمفكر البحريني علي محمد فخرو، وأعيد نصه هنا للانطلاق إلى محاور أخرى في إلقاء الضوء على التهمة «العبيطة»:

«أذناب إيران»، وهي قول فخرو: «الاخوة الإيرانيون يلتزمون بوطنيتهم الإيرانية، والاخوة العرب يلتزمون بعروبتهم ووطنيتهم المحلية، ونحن سنة وشيعة نرفض أن ننجر في معركة هي أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في مشروعهما الاستعماري الجديد. إن مصر التي قادت النضال في الأمة العربية والأمة الإسلامية من أجل تحريرهما ونهضتهما لا يمكن أبداً أن تضع نفسها في خندق الآخرين، ومن هنا الرجاء التام أن يكون التصريح فهم بخطأ لا ترضاه مصر لنفسها». (انتهى الاقتباس).

والسؤال: هل يمكن تتبع منشأ هذه التهمة؟ وفي أي ظروف ولدت؟ هل هي من نتائج الثورة الإيرانية أم قبلها؟ إن معرفة منشأ التهمة أمرٌ في غاية الأهمية، ذلك أن انتشارها بالشكل الذي نراه اليوم، لا يمكن أن يكون محصلة طبيعية – فقط – لعنوان «تصدير الثورة الإيرانية». ولست مراوغاً هنا في القول أن كل جماعة، أياًً كان انتماؤها المذهبي والسياسي، تتصل فكرياً وسياسياً وثقافياً بمشروع ثورة في أي مكان في العالم ويثبت عليها ذلك فهي من توابع تلك الثورة، أذناباً أم أنصاراً أم خلايا نائمة، لكن أن تلصق بها التهم هكذا جزافاً فهذا من باب «الاستحمار» دون شك.

نعود للسؤال: هل يمكن تتبع منشأ تهمة «أذناب إيران» المفروضة على المسلمين الشيعة في عالم اليوم؟ هنا، يجدر بنا أن نشير إلى سلسلة أبحاث طرحها الكاتب العراقي عبدالخالق حسين تحت عنوان «الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق»، تناول فيها جانباً تاريخياً مهماً إبان احتلال العراق من قبل الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وفيه شكل واضح من أشكال نشأة التهمة، فقد قاوم أبناء العشائر الشيعية، وبفتاوى علماء الدين، الإنجليز في حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين، الأمر الذي دفع الإنجليز ومن ناصرهم من العراقيين الذين حكموا العراق، إلى معاداة الشيعة وحرمانهم من المشاركة في السلطة.

ويستطرد الكاتب بالقول: «ولذلك عندما أصدرت الحكومة العراقية (والتي ترأسها آنذاك أناس ممن خدموا في الدولة العثمانية)، قانون الجنسية العراقية في العام 1924، قسمت العراقيين آنذاك إلى قسمين: تبعية عثمانية وتبعية إيرانية، واعتبرت التبعية العثمانية مواطنين من الدرجة الأولى، والتبعية الإيرانية مواطنين من الدرجة الثانية، وهم الشيعة وبالأخص من سكان الجنوب والوسط الذين كانوا يعانون الأمرين في الحصول على الجنسية والوظائف في مؤسسات الدولة، وليأتي بعد نحو خمسين سنة نظام فاشي يستغل هذا القانون المفرّق فيتخذه ذريعةً للتعبير عن حقده الطائفي، فيهجِّر مئات الألوف من الشيعة من العرب والأكراد الفيلية بحجة التبعية الإيرانية، ويلقيهم على الحدود الإيرانية الملغومة أثناء الحرب بعد مصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، وحتى وثائقهم الرسمية من شهادات دراسية وغيرها التي تثبت عراقيتهم، ويحجز عشرات الألوف من شبابهم، وخاصة الكرد الفيلية، ليعدمهم فيما بعد بالجملة ويدفنهم في مقابر جماعية، بينما لم يتم تهجير مواطن واحد من أصل تركي أو هندي أو أفغاني أو باكستاني، مما يدل على أن سبب التهجير كان طائفياً دون أي شك، الغرض منه تغيير ديموغرافية العراق، حيث رافق تلك الحملة استيراد نحو أربعة ملايين من البلاد العربية».

وما جرى بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 من حملات هستيرية، ومؤامرات ضد الشعب العراقي وحكومته الوطنية، تكررت الحملة ذاتها بعد سقوط حكم البعث الفاشي في العراق في العام 2003، حيث تصاعدت تهمة الشعوبية والحملة الطائفية ضد الشيعة، وجن جنون الطائفيين العرب ووسائل إعلامهم، بمن فيهم زعماء دول عربية كبرى، حيث راحوا يثيرون مخاوف العرب من بعبع «الهلال الشيعي»، و»الدولة الشيعية»، و»الهيمنة الإيرانية على العراق»! بينما الذي يجري في العراق هو السعي الحثيث لبناء نظام ديمقراطي حقيقي، على أساس دولة المواطنة، يتمتع فيها جميع أبناء الشعب بالمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي.

كما وتصاعدت حملة الطعن بعراقية ووطنية السياسيين الشيعة وحدهم، واعتبر كل سياسي شيعي هو طائفي ما لم يساهم في اتهام الشيعة بالطائفية، ولم يتركوا سياسياً شيعياً إلا ونسبوا له لقباً إيرانياً، وطعنوا حتى في شهاداتهم الأكاديمية.

في كتابه «أبحاث مختارة في القومية العربية»، وتحديداً في جزئه الأول صفحة 95، كتب ساطع الحصري «إن كل شعب يتكلم العربية هو شعب عربي، ومن ينتسب إلى شعب من هذه الشعوب العربية، هو عربي…الخ»، ولكن المشكلة عند الحصري أنه عندما تعود المسألة للشيعة العرب في العراق، فيصفهم بالعجمة ويعاملهم كعجمٍ معادين للعرب وليسوا من بلاد الرافدين!» (الفصل السادس من هذا الكتاب).

ختاماً.. فإن الإطالة في استحضار المزيد من القراءات والآراء والأبحاث في منشأ التهمة السخيفة لربما يأخذ صفة التشعيب والتعقيد الذي لا طائل من ورائه طالما أن هناك عقولاً قبلت التهمة بوصفها «ثابتة بالمطلق»!

لا بأس.. فحين يتم ضبط خلايا شيعية هنا، أو مجموعة شيعية هناك في أي قطر، بالأدلة الدامغة على تآمرها مع إيران، فلهم أن يسموهم بما شاءوا من تسميات «أذناب إيران، فئران إيران، روافض إيران»، أما أن تلتصق تلك التهمة بتمامها وكمالها على كل مسلم شيعي في أي مكان في العالم، فذلك من قبيل «قمة الاستحمار السياسي الطائفي»، وذلك أيضاً أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» في مشروعهما الاستعماري الجديد، وهو درسٌ قدّمه المفكر البحريني علي محمد فخرو لكل عقل يرفض «الاستحمار».

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 3676 - السبت 29 سبتمبر 2012م الموافق 13 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 2:21 م

      انا ذنب ايراني

      انا ذنب ايراني.. صديقي يتهمني دائماً مع انه صديقي فأقول له ما الدليل.. فيقول كل الدنيا تعرف انكم اذناب ايران عيل تحرقون وطنكم وتقولون عندكم وطنية.. طبعاً الجماعة دائماً ياخذون القصة من فصولها الأخيرة.. معليه الحكومة تقتلنا وتعذبنا وتسجنا وتهدم مساجدنا وتفصلنا وتنتهك معتقداتنا واعراضنا.. كله بسيط معليه ولا شي عندهم.. بس نغضب وندافع عن انفسنا من الانتهاكات يبكون ويقولون ارهابيين.. كل من يهاجم العنف في الشارع لايرى انتهاكات الحكومة ليش؟ على قلوب اقفالها

    • زائر 18 | 2:15 م

      موضوع عميق ورائع ... 2

      اثبتوا وطنيتكم يا شيعة: ليش.. ومن يلزمنا بذلك؟ ثم مسألة تعال نتهمكم وانتم اثبتوا.. نتهمكم وانتم اثبتوا.. نتهمكم وانتم اثبتوا.. ومع ذلك، كل الاثباتات قائمة من تصريحات التاريخ الى تصريحات القيادة.. فنحن كشيعة لا يلزمنا ولن يلزمنا احد باثبات وطنيتنا فنحن موالون للبحرين أباء عن اجداد ومسألة تعالوا اثبتوا هو مطلب مرفوض ولا احد يحاكم وطنيتنا.. يقول قائل: هل التخريب والتحريق وووو.. وطنية؟ لا ليست وطنية بل هي ردود غاضبة على غياب العدالة على من قتل وهدم وسفك وسرق وتجاوز حدوده وهي الدولة

    • زائر 17 | 2:12 م

      موضوع عميق ورائع

      اخواني سامحوني اشارك في هالوقت فقد قرأت المقال الرائع الصبح وما كان عندي وقت بس عندي ملاحظة..وكونترول الوسط يصحح لي: اول شي الكتاب ماعتقد يعلقون ويشاركون في التعقيبات.. اذا قاريء عنده ملاحظة واسئلة مباشر للكاتب فالمعروف انه يتصل بالكاتب هذا الصح.. ثاني شي.. بالنسبة للي دائما يقولون لنا اثبتوا العكس.. ليش.. ليس بمزاجكم تحطونه في قفص اتهام وتعالوا دافعوا واثبتوا.. وبعدين المعروف بالقانون ان المتهم يحاكم بمحكمة عادلة وليس من خلال استهداف طائفة كاملة باتهام سخيف وضيع لم يثبت يتبع

    • زائر 16 | 9:13 ص

      الشيعه فوبيا

      أبتلينا نحن الشيعه في دول الخليج من الشيعه فوبيا على مر نشوء الدوله الحديثه الى اليوم فلايزال حضنا من التهميش في الوضائف وعدم المسواه حتي في اصغر الوضائف حتي بات لدينا جيل فقد اهتمامه باالتعليم لعدم وجود امل في النهوض بمستوي حياته ولصق العماله لايران وصمة ما بعدها وصمه حتي اننا بتنا متهمون في ولائنا وعمالتنا الى يوم يبعثون ومرد ذلك الى الطائفيه المتغلغله في عقل صاحب القرار الذي يحابي طائفته والمشتكي الي الله

    • زائر 15 | 7:54 ص

      عفوا استاذ سعيد

      عفوا استاذ سعيد... هل تعرف ماكتبت ام كتبت مالا تعرف؟

    • زائر 14 | 6:52 ص

      زائر رقم 10

      ممكن تعطي الكاتب فرصة اجاوب ولا انت بعد ظابط وما يجوز نتكلم بعدك ولا قبلك!!..غريب عجيب في دولة في العالم تجلب أُناس من كل بقاع العالم وتعطيهم الحق في كل شيء وتُهمش مواطنيها في كل شيء؟ نترك الإجابة لسعادة الرقم 10؟

    • زائر 13 | 6:24 ص

      انت اثبت العكس


      هل الوطنية إعطاء الجواز لما هب ودب للعمل في الشرطة وقوة الدفاع و؟
      هل الوطنية عدم محاسبة من يسرق ؟
      هل الوطنية التعذيب في السجون حتى القتل ؟
      هل الوطنية اعتقال النساء والاعتداء على إعراضهم في السجون؟
      هل الوطنية هدم مساجد المسلمين؟
      هل الوطنية قطع أرزاق الناس باسم الخونة ثم العودة لاعادتهم صاغرااا ؟

    • زائر 11 | 4:40 ص

      ما تقول عن

      استاذي ‏

    • زائر 10 | 4:36 ص

      اثبت العكس

      حسنا لنفترض النية الحسنة ، لماذا لا تثبت العكس ؟ اين الولاء للبحرين والوطن ، هل هناك وطني في الدنيا يحرق بلده ويلوث قريته ويخرب الكهرباء والشوارع ؟ هل هذا وطنية بالنسبة لك ، الف كلا ..

    • زائر 9 | 4:07 ص

      المسئول الاول والاخير

      نحن في مملكة دستورية حسب ما قالة الملك فهذا الحديث يمكن تثبيته وقطعه بمرسوم ملكي ينهي الخلافات الطائفية في كافة الميادين

    • زائر 8 | 3:50 ص

      ليعلم القاصي والداني

      ان التشيع في البحرين موجود قبل ان تتحول ايران من المذهب السني الى المذهب الشيعي ايام الدوله الصفويه لكن الطائفيين الغوا عقولهم وسمحوا للاخرين في التفكير نيابة عنهم وتهمه الصفويين يروجها ه لان جذورهم ليست من هذه الارض التي جذورنا منها واللي عنده دليل على اننا لسنا اصحاب الارض الاصليين فليقدمه واحنا قابلين التحدي ولتكن الامم المتحده هي الحكم

    • زائر 7 | 3:39 ص

      الشنفرى

      يجتمع رؤساء دول عربية ويزعمون تخوفهم على عروبة العراق وفي نفس الوقت يباركون انفصال جنوب السودان عن السودان؟؟؟

    • زائر 6 | 1:56 ص

      أزمة هوية ..

      نعرف تاريخياً منشأ عبارات مثل اذناب ايران وغيرها واهداف إطلاقها على العرب الشيعة ، ولكن عندنا في المنطقة مفارقة عجيبة وهي أنّ غالبية من يطلق هذه المسميات هم غير عرب من الاصل ! وايضاً من غير الايرانيين الواثقين من انفسهم والذين لا ينكرون اصولهم الفارسية بل يفتخرون بذلك .

    • زائر 5 | 1:22 ص

      لمن تخط ولمن تقرأ

      تفكر في الامر جيدا هل اصحاب هذا الخطاب السخيف على شيء من العلم ام انهم من ضعاف العقول والهمج الرعاء الذين لا يكادون يفقهون حديثا ويناقضون انفسهم

    • زائر 4 | 1:22 ص

      لمن تخط ولمن تقرأ

      تفكر في الامر جيدا هل اصحاب هذا الخطاب السخيف على شيء من العلم ام انهم من ضعاف العقول والهمج الرعاء الذين لا يكادون يفقهون حديثا ويناقضون انفسهم

    • زائر 3 | 1:20 ص

      متهم ب ا ل ط ا ئ ف ي ة

      علقت في مقالك السابق بتعليق اكرره هنا..
      للاسف..
      هذا الكلمة ينبح بها بعض الطائفة الاخرى وتكتمها الأغلبية..

    • زائر 2 | 12:59 ص

      انها الجاهليه

      القضيه اعمق ..انها تخص التربيه و البيئه و التقاليد و الشاهد الحروب القبليه الجاهليه . كما يقال ترك العاده مرض فهم يستمرون على هذا النهج حتى اخر يوم من الحياة على هذا الكوكب .

اقرأ ايضاً