العدد 368 - الإثنين 08 سبتمبر 2003م الموافق 12 رجب 1424هـ

اغتيال محمدباقر الحكيم: أين الحقيقة؟

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

«أيها الناس... إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب... ليس عن الموت محيد، ولا محيص... من لم يقتل مات... إن أفضل الموت القتل، والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة على الفراش» الإمام علي بن أبي طالب (ع).

في يوم الجمعة الموافق 92 أغسطس/ آب وبعد صلاة الجمعة مباشرة فجر موكب آية الله العظمى السيد محمدباقر الحكيم البالغ من العمر 46 عاما والعائد لتوه إلى العراق بعد غيبة طال مداها 32 عاما في المنفى قضاها في ايران.

بعد الحادث مباشرة، سرعان ما خرجت عبر وسائل الإعلام تكهنات كثيرة عن الجهة التي وراء الاغتيال، وتشعبت التكهنات كثيرا، فمنهم من قال ان الجهة المسئولة هي جماعة الرئيس المخلوع صدام حسين، وقيل في حينه إنه أخذ بثأره من الشهيد الذي ظل يشكل له ولنظامه تهديدا لم يستطع بشتى الوسائل أن يتخلص منه لأسباب عدة أهمها أن الشهيد كان يتمركز خارج حدود العراق وفي منطقة يصعب على صدام ورجاله الوصول اليها. هناك أيضا تكهن آخر أو فرضية أخرى - كما يحب أن يسميها أمين عام حزب الله السيدحسن نصرالله - أن اميركا ومعها الدولة المدللة صنيعة الصهيونية «إسرائيل» هما وراء الاغتيال وذلك لإشعال نار الفتنة، التي عرف لبنان حرائقها، في العراق بين الشعب الواحد الذي ظل عبر عصور يُفشل جميع مخططات الاستعمار لتفتيته إلى قطع صغيرة كما هي مربعات الشطرنج المشهورة. والتكهن الآخر الذي أزعج كثيرين من الناس هو أن متطرفين ينتمون إلى طالبان هم المسئولون عن هذا الاغتيال. كما قدم الضابط التنفيذي للكتيبة الأولى في فرقة المارينز السابعة الميجر ريك هول ثلاثة سيناريوهات لأولئك الذين يمكن أن يكونوا وراء الهجوم «ناشطون سابقون في حزب البعث يعملون مع عناصر أجنبية، أو منافسون للحكيم في الطائفة الشيعية نفسها، أو بعض من حلفائه السابقين في ايران الساعين إلى ايقاع نوع من العقوبة ضده». واضاف أن هناك نوعا من المعقولية لكل من هذه السيناريوهات.

خرج بعد ذلك الرئيس المخلوع في خطاب بثته قناة «الجزيرة» افتتحه بـ «إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات 6) ينفي من خلاله التهمة عنه ويبرئ نفسه وجماعته من دم الشهيد، ثم توعد الاميركان وكل من يمد لهم يد العون والمساعدة في العراق. واختتم خطابه، كما المعتاد منه بأن «النصر قريب».

السيدحسن نصرالله في خطاب حماسي له أعلن فيه فرضيات ثلاث، أولها تقول ان الرئيس المخلوع صدام حسين الذي لم يفكر للحظة واحدة العام 1991 حين اقدم على «إعدام نصف مليون عراقي» (الرقم مليون غير أن نصرالله أراد ألا ينظر إليه على أنه يبالغ في جرائم الرئيس المخلوع) من دون أن يرف له جفن. وأضاف أن هذا «الرئيس المخلوع»، أيضا، لم يفكر مرتين حين اقدم على ضرب العتبات المقدسة بالصواريخ والمدافع وهدم اجزاء كثيرة منها (لم ينكر صدام حسين عندما كان يتولى السلطة هذه الاتهامات) ولا يستبعد نصرالله أن الفاعل هو «الرئيس المخلوع» ورجاله لما لهم من تاريخ في حق آل الحكيم إذ مازالت كتب التاريخ تتحدث عن مساء يوم 72 رجب للعام 3041هـ، حين اعتقل جمع كبير من آل الحكيم (عددهم 42 في رواية و05 في رواية أخرى) وعذبوا في السجون وقتلوا بأمر من صدام. وأرسلت رسالة بهذا الشأن إلى الحكيم من صدام يعلمه فيها بالمصير الذي أعد له، الشبيه بمصير عائلته. والثانية: «فرضية العمل الاسرائيلي». كما أدان إلى جانب ذلك «الاغتيال» إذ قال: «إن دم الشهيد الغالي سيوقظ روح الثورة والغضب، كما أنه سيحبط آمال القتلة والخونة» وحذر من مغبة الطائفية التي يريد بها أعداء الأمة إشعالها، وشدد على أن يوقف الشيعي الشيعي حين يتجه صوب المحظور وعلى أن يوقف السني السني حين يتجه صوب المحظور، إلا وهو العراك الطائفي. وما يؤكد ضلوع النظام السابق في هذه الجريمة النكراء هو ما حدث لـ «الخوئي» الذي عاد إلى بلده بعد 21 عاما قضاها في المنفى إذ قتل «من جانب افراد من النظام».

ايران وعبر مختلف وسائل اعلامها اشارت بأصابع الاتهام إلى جماعة «الرئيس المخلوع» وبقايا قواته الهاربة المهربة، وبمساعدة قوى الظلم والعدوان، وفي حديث لمسئول جاء فيه: «نظرا إلى السوابق الاجرامية للنظام البعثي، ولسبع من آيات الله قتلوا في العراق خلال السنوات العشرين الأخيرة و006 رجل دين لقوا المصير نفسه بعد اعتقالهم، وآية الله الحكيم نفسه استهدف بثمانية اعتداءات، ليس هناك أي شك في أن البعثيين والموالين لصدام حسين يحتلون أعلى قائمة المشتبه بهم في هذه الجريمة الارهابية.

المملكة العربية السعودية وعبر رجالاتها صرحت عبر وسائل اعلامها بأنها لا توافق الاصوات التي ارتفعت وتدين بعض السعوديين وهم على «صلة بشبكة القاعدة» في ارتكاب هذه الجريمة النكراء في حق الانسانية، وطالبت ببراهين تثبت ذلك، كما شجبت الحادث بشدة ووصفته في بيان لها بأنه «من الاعمال الاجرامية التي تستهدف الأمن والاستقرار في العراق».

أميركا وربيبتها «إسرائيل» لم تعلنا عدم مسئوليتهما أو تورطهما في الحادث ولم يطرحا مبادرة للمساعدة على كشف المخطط أو الرجال الذين وراءه، غير أن الميجر هول قال: «إن القوات الاميركية قد تبدأ القيام بأعمال الدورية حول منطقة المراقد خلال أيام بعد موافقة الأئمة الكبار في النجف» لتزايد الاتهامات للقوات من حيث إنها ليست قادرة على حفظ الأمن.

ونرى بسعادة كبيرة بعد كل هذه الافتراضات أن كل من حلل وحاول أن يشير بأصابع الاتهام إلى جهات مختلفة لم يتهم المسلمين السنة لا من بعيد ولا من قريب في هذه الجريمة النكراء وهذا يعد بالنسبة إلينا من حسن الطالع ورقي الفكر.

وإذ اننا افتتحنا مقالنا بمقولة للإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي حباه الله بأن شاء أن يولد في بيته العتيق، وحباه أيضا كما كان يشتهي، أن يستشهد في المسجد وهو يصلي، أي في حضرة الله، وهو لايزال بيننا حيّا منذ ذلك الحين، فإن الشهيد الحكيم سيبقى بيننا حيّا لما حباه الله بالشهادة، مستشهدين بالآية الكريمة: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون». (آل عمران 961).

العدد 368 - الإثنين 08 سبتمبر 2003م الموافق 12 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً