العدد 3687 - الأربعاء 10 أكتوبر 2012م الموافق 24 ذي القعدة 1433هـ

ثورة الأديان

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مذ انطلقت الثورات العربية، سعى الكثير من الحكام إلى حماية عروشهم، وليس أسهل من تطويع الدين، ومن وعاظ السلاطين، لتحقيق ذلك.

وحين حمى الوطيس، وبدأت حمّى الحرية تنتقل بين أرجاء الوطن العربي الإسلامي، كانت فتاوى الوعاظ جاهزة للتصدير واحتواء العدوى، بمنع الخروج على ولاة الأمر في بعض البلدان، ووجوب الخروج عليهم في بلدان أخرى.

وكان أن أصبح ديناً على مقاسهم، يتسع ويضيق بحسب المتطلبات، وليس أسهل من ربط الأمر بمقدسات الناس أثناء سعيك للسيطرة عليهم. ولا يدرك هؤلاء أن الأديان جاءت بثورة، وأن محمد بن عبدالله (ص) حين خرج يدعو للإسلام كان محط ازدراء قريش، وأنه أوذي وهُجّر وحُورب في كل محفل. وها هو اليوم يتبع دينه الذي حاربوه قرابة المليارين في كل أنحاء العالم. أليس في نبي الله أسوةٌ لنا؟ لو كان اتباع ولي الأمر من الأديان لاتبع الأنبياء سادات أقوامهم، ولكان إبراهيم (ع) يعبد الأصنام وما بنى لنا كعبةً نطوف حولها اليوم بامتنان.

لا تكونوا كقريش، تريد أن تخرس صوت التغيير ولو كره الراغبون، لا توصموا ديننا بالديكتاتورية، ولا ترجمونا بما لم ينزل الله به سلطاناً. فاتهام كل صاحب مطلبٍ وفكرٍ وعقيدةٍ مخالفةٍ بالفئة الضالة؛ هو تكرارٌ لمشهد قريش حين وصموا نبي الأمة بالجنون.

إنها مصيبة من تقوقع في بيئته، لا يقرأ غير كتبها، ولا يكتشف غير ما وصلت إليه، لا يجادل ولا يناقش ولا يبحث ولا يعرف إلا ما توارثه اعتقاداً. هؤلاء لا نستطيع التعويل عليهم، وليس من العقل أن نطلب منهم أن يكونوا محايدين في قبالة ديكتاتورية العقل والمنطق التي تمارس ضدهم غير مدركين لضررها في استنساخ جهل وعقد الأمة والجماعة.

إفراز المرحلة الحالية هو جماعات مسيَّرة، لا اختيار لها في مواقفها ورغباتها، ممسوخة الإرادة، منسوخة المخاوف، تعتبر زيادة كم لا كيف، وتستغل في تمرير مشاريع الإقصاء والعداء للآخر، الذي لم تردعه فتاواها عن السعي نحو المشروع الإنساني العظيم، حيث الحرية والعدالة والمساواة للجميع بلا إقصاء ولا تهميش، وحيث يكون الدم العربي فعلاً أغلى من النفط العربي، وحيث يكون النقد لا التطبيل جزءاً من تصحيح الحياة الديمقراطية.

الروائي الليبي إبراهيم الكوني يقول: «لا خير في أمةٍ تولّي زمام أمرها لنفوسٍ هاجسها العبودية»، فالعبيد يلدون العبيد، ويحاربون الأحرار، ويمنعون العدالة بتبعيتهم العمياء حتى وإن لم يتكسبوا من ذلك.

العالم بحاجةٍ إلى اقتلاع رحم العبودية كي لا تنجب مواطنين يصفقون ويهللون لفقرهم وعوزهم وتدني مكتسباتهم، ويقبلون بصيغ الإنعام والتفضل والإكرام، ويحاربون رسل الحرية والتغيير والعدالة والإنصاف.

لم يعد الأمر يقتصر على جهّال القوم وبسطائهم، هناك جوقة كاملة تعزف لحن العبودية، منهم مثقفون، كتاب، شعراء، أطباء، محامون، معلمون، فنانون، وشيوخ دين، والكثيرون اشتركوا في جريمة تجهيل شعوبهم، ولم يحملوا مشاعل التغيير، الذي هو قادمٌ... قادمٌ لا محالة.

لا تخرسوا الحناجر الصارخة؛ فإنها تطلب العدل للجميع، وتريد رفع الظلم عن نفسها، وليس أبلغ في ذلك مما كتبه علي الوردي: «نحن قد نرى إنساناً تقيّاً قد بُحّ صوته في الدعوة إلى العدل والصلاح، فنحسبه عادلاً في صميم طبيعته، وهذا خطأ إنّه يدعو إلى العدل لأنّه مظلوم، ولو كان ظالماً لصار يدعو إلى الصوم والصلاة».

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3687 - الأربعاء 10 أكتوبر 2012م الموافق 24 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:59 ص

      شكراً لكم

      اشكركم على كتاباتكم الرائعة التي تلامس الواقع المرير

    • زائر 5 | 1:04 ص

      الدين كان والزمان مكان للزمن

      قد لا يكون من البديهيات أن ديان الدين هو رب العالمين قال ان الدين عن الله الإسلام، بينما الناس تقول أن هناك أديان. فهل لكل شعب دين ورب مختلف عن الآخرين؟ أم أن الرب واحد و دينه واحد ولا فرق بين أعمى ولا أعرج ولا عربي ولا عجمي الا بالتقوى؟
      فهل مشكلة الأزمان أم الأديان أم الهوى غلب وصاروا مواليين و مو أي دين؟

    • زائر 3 | 10:40 م

      متابع

      هناك فرق بين الحر والعبد...
      الحر يدافع عن الفكره مهما كان قائلها.
      والعبد يدافع عن الشخص مهما كانت فكرته!!!.

    • زائر 2 | 10:38 م

      واقع

      كلمات من الواقع ونعايشه ونراه \\\\r\\\\nاصبتي في مقتل ،يجب اجتثاث فكر العبوديه من جذوره ،وطوفان التغيير قادم لا محاله \\r\\n

اقرأ ايضاً