العدد 3699 - الإثنين 22 أكتوبر 2012م الموافق 06 ذي الحجة 1433هـ

المنامة عاصمة للثقافة... والثقافة الشعبية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لاتزال الفعاليات تتوالى احتفاءً بالمنامة عاصمة للثقافة العربية 2012، ولا تنفك وزارة الثقافة من جهة، والهيئات أو المؤسسات الثقافية من جهة أخرى، تؤثث المشهد الثقافيّ بأصناف العروض، وها هي مجلّة الثقافة الشعبية البحرينية تسهم بدورها، وبقوّة، في هذه الفعاليّات من خلال تنظيمها لندوة دولية بعنوان «الثقافة الشعبية وتحديّات العولمة».

فلقد تزامن اختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية مع الذكرى السنوية الخامسة لصدور مجلة «الثقافة الشعبية» في البحرين، وإذ نبارك لهذه المجلّة العلمية/ الشعبية بهذه المناسبة السعيدة، فإنه لا يفوتنا الإشادة باختيار موضوع الثقافة الشعبية وتحديات العولمة لما يطرحه هذا العنوان من قضايا لا تشغل الباحث المختص فحسب، وإنما صارت مدار تفكير عامّة الناس إذ يتساءلون: أين نحن من الثقافة الشعبية، هل تساهم في تأصيل هويّتنا البحرينية فتجعلنا متقوقعين على ذواتنا نخشى الانفتاح على الآخر الثقافي؟ هل يمكن أن نغير ونتحرك داخل المشهد الثقافي الشعبي؟ هل الثقافة الشعبية ثابتة أو متحركة؟ وما هامش الإبداع فيها؟ هل تتعارض الثقافة الشعبية مع الثقافة العالمة؟ وهل يمكن أن تساعد الثقافة الشعبية على تحقيق التقارب بين الشعوب؟ وما واقع تدريس الثقافة الشعبية في البلاد العربية؟... إلخ.

أسئلة عديدة لا يدعي المقال الإجابة عنها بقدر ما يفترض أن الندوة الدولية المرتقبة سوف تجيب عنها، حيث ستعقد أيام 7 و8 و9 نوفمبر/ تشرين الثاني بالمنامة هذه الندوة الدولية بمشاركة نخبة مختصة من البحرين والوطن العربي، فضلاً عن شخصيات علمية وثقافية عالمية، وخصوصاً أن هذه الندوة يقيمها أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث بمملكة البحرين بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبيّ (IOV)، ما يعطي الندوة وهجاً ويجعلها قبلة للمثقفين وخصوصاً منهم الباحثين في ميدان الفولكلور والاثنولوجيا وكذلك الأنتروبولوجيا وعلم الاجتماع الثقافي والنقد الأدبي والمسرح والسينما... إلخ، حيث تمثل الثقافة الشعبية مادة خصبة ومعينا لا ينضب يغتذي منه الشعراء والمسرحيون والسينمائيون ويمتحون من ذخيرة هذا التراث بشكل مباشر أحياناً، أو بعملية إعادة إنتاج تجعل الموروث الشعبي في خدمة المفاهيم والأذواق، وكم من عمل فني ارتقى إلى مستوى الإبداع والتميز بسبب توظيف عناصر الثقافة الشعبية فيه!

لكن لنسأل من الأساس لماذا الاهتمام بالثقافة الشعبية؟

في بعض التصنيفات المعتمدة لأنواع الثقافة، نجد أنّ الثقافة الشعبية تُعتبَر مقابلاً للثقافة الرسمية أو العالمة، ما يشكّل انطباعا غير إيجابي عن هذه الثقافة، حتى أن البعض تساءل عن الجدوى العلمية من تدريس الثقافة الشعبية في المدارس. وهو وإن غفل عمّا لتدريس الثقافة الشعبية من فوائد، فإنه أبان عن موقف يعمّق الفارق أو الهوّة بين جناحي الثقافة: الشعبية والعالمة. فالثقافة الشعبية إذاً «لا تحظى لدى كثير من الأوساط الثقافية والفكرية العربية المعاصرة بمكانة طيبة أو مرموقة»، بل ويعتبرونها «قريناً للتخلف الحضاري، أو مرادفاً للخرافة أو مرضاً في اللغة الفصحى» (تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 ص 126).

لكن وبالمقابل فإنها تجد اهتماماً كبيراً في الوطن العربي لدى المختصين وأصحاب القرار، يشهد على ذلك حضورها بشكل لافت في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، وهو تقرير صادر عن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ، حيث جاء في هذا التقرير الصادر بعنوان «نحو إقامة مجتمع المعرفة»، وتحديداً في الفصل السادس من القسم الثاني، حديثٌ معمّقٌ عن الثقافة الشعبية ودورها في إقامة مجتمع المعرفة، حيث «تَبَيَّنَ الدور الجليل لهذه الثقافة في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتبيّن بوجه خاص أن بين الثقافة الشعبية وبين الثقافة العالمة وثقافة النخبة صلة عميقة متبادلة التفاعل والتأثّر والتأثير، وأن المركب الثقافيّ العامّ يشتمل على كلتا الثقافتين، وأنهما تشكلان نسقاً متكاملاً». (تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 ص 126)

ثمّ اهتمّ التقرير في الموضع المذكور سابقاً بالثقافة الشعبية بين الإبداع والاتباع، وانتهى بالحديث عن صحوة الوعي بالثقافة الشعبية، ومن مظاهرها نشأة جمعيات أهلية في عدة بلدان عربية وصدور دوريّات ونشرات تعنى بالمأثورات الشعبية، من ذلك مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي ومجلة الثقافة الشعبية البحرينية.

إن ثراء التنوع الثقافي في الوطن العربي يعدّ عامل قوة وحياة لها، ولا يجب أن تستمرّ هذه النظرة الدونية للثقافة الشعبية عند بعض النخب، لأسباب ايديولوجية أو دينية منغلقة، وإنّما يجب النظر إلى الثقافة الشعبية على أنها عامل مهم في ترسيخ الهوية الوطنية، ووسيلة لتسويق البلد سياحياً، ومجال فسيح للتقريب بين الشعوب.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3699 - الإثنين 22 أكتوبر 2012م الموافق 06 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:00 م

      حقا لثقافتنا الشعبية دور كبير

      بَيَّنَ الدور الجليل لهذه الثقافة في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتبيّن بوجه خاص أن بين الثقافة الشعبية وبين الثقافة العالمة وثقافة النخبة صلة عميقة متبادلة التفاعل والتأثّر والتأثير، وأن المركب الثقافيّ العامّ يشتمل على كلتا الثقافتين، وأنهما تشكلان نسقاً متكاملاً

    • زائر 5 | 12:54 م

      مساء الخير

      والله مقال حلو استاد
      شكرا

    • زائر 4 | 12:38 م

      مجلة رائعة

      مجلّة الثقافة الشعبية البحرينية تسهم بدورها، وبقوّة، في هذه الفعاليّات من خلال تنظيمها لندوة دولية بعنوان «الثقافة الشعبية وتحديّات العولمة».

    • زائر 3 | 11:30 م

      إلى الزائر عدد 1

      لنفعِّل هذه الصلة

    • زائر 2 | 1:17 ص

      مجرد سؤال::::

      شكرا على هذاالطرح الجاد.... ولكن السؤال: أين الثقافة الشعبية في بلد منقسم على نفسه وتحارب فيه الأكثرية وتتعرض للظلم والاضطهاد والاقصاء؟

    • زائر 1 | 10:59 م

      أحسنت

      بين الثقافة الشعبية وبين الثقافة العالمة وثقافة النخبة صلة عميقة متبادلة التفاعل والتأثّر والتأثير، وأن المركب الثقافيّ العامّ يشتمل على كلتا الثقافتين،

اقرأ ايضاً