العدد 3706 - الإثنين 29 أكتوبر 2012م الموافق 13 ذي الحجة 1433هـ

مجتمع المعرفة والتنمية المستدامة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

كثيراً ما تستخدم وسائل الإعلام، بمختلف منابرها، مصطلحات قد لا تبدو بالضرورة مفهومة عند عامّة المتلقّين لهذا الخطاب الإعلامي العمومي واسع الانتشار، لذلك قد تكون الحاجة ملحّة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى توضيح بعض المفاهيم وتبسيطها، قصد تقريبها إلى المتقبّل غير المختصّ لضمان أكبر قدر من نفاذ لهذا الخطاب الذي لا مندوحة له من استخدام مثل هذه المفاهيم. ونقترح في هذا المقال مفهوم مجتمع المعرفة؛ فما المقصود بالمعرفة؟ وما مدلول مجتمع المعرفة؟ وما أبرز العوامل المؤثرة على اكتساب المعرفة في المجتمع؟

لعلّ من النواقص الجوهريّة التي أشار إليها تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 هو النقص في اكتساب المعرفة، حيث يعتبر موضوع المعرفة من القضايا ذات الأهميّة الجوهريّة للتنمية الإنسانيّة في البلدان العربية، نظراً للدور المحوريّ لاكتساب المعرفة وإنتاجها في التنمية الإنسانيّة عموماً. وإذا ما نظرنا إلى مميزات العصر الراهن، وجدنا مصداق ذلك: تسارع انفجاريّ في إنتاج المعرفة يقابله تخلف نسبيّ في مجال اكتساب المعرفة في البلدان العربية خصوصاً فضلاً عن ندرة المساهمة في إنتاجها. بل لم يعد ضعف الدخل هو المحدد الرئيسيّ لمقدّرات الدول في العالم، وإنما صارت فجوة المعرفة معياراً رئيسياً في الحكم على تقدم الدول وتأخّرها حتى قيل: «إنّ المعرفة هي معيار الرقيّ الإنسانيّ في الطور الحالي من تقدّم البشرية».

ويمكن أن نجد في تعريف إدوارد سعيد للمعرفة حاجتنا في السياق الذي حددنا لهذا المقال حيث يقول: «ليست المعرفة مجرد الحقائق، ولكن كيف ترتبط هذه الحقائق بحقائق أخرى؛ كيف تتكون الحقائق في الأساس... كيف نفكّر؟»

وإذا كان من الخصائص الثابتة للأشياء أنها تنقص بالاستعمال، فإنه من الخصائص الجوهرية للمعرفة أنها تنمو بالاستعمال. إذن فليست المعرفة مجرد حدث الحصول على المعلومات، وإنما هي سلسلة من عمليات البحث والتنقيب والانتقاء والاستخلاص والمعالجة للوصول إلى معلومات مفيدة، يتبعها جهد مكثف من الاستخدام والتوظيف لتلك المعلومات، من أجل إنتاج معارف جديدة للمساهمة في نموّ الثروة المعرفيّة.

وإذا كان اكتساب المعرفة حقّاً للإنسان فإنه أيضاً السبيل إلى تنمية إنسانية مستدامة فلا مناص من الوصول إلى مجتمع المعرفة المنشود إلا عبر اكتساب المعرفة وتوظيفها بفعالية لذلك تتعاظم الحاجة إلى بذل الجهد لتجاوز التخلف المعرفي وخاصة في المجتمعات العربية.

أما مصطلح مجتمع المعرفة فهو وصف يطلق على الطور الراهن والأحداث من مسيرة التقدم البشري، ويتضح بجلاء في المجتمعات البشرية الأكثر تقدماً. وجاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 التعريف التالي لمجتمع المعرفة، وهو أشد وضوحاً من غيره: «ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة، والحياة الخاصة، وصولاً لترقية الحالة الإنسانية باطراد أي إقامة التنمية الإنسانية».

وبذلك فإنه بإقامة مجتمع المعرفة، سنستعيض بنمط إنتاج المعرفة عن هيمنة نمط الإنتاج الريعي، وذلك ضماناً لتنمية مستدامة أساسها الاقتصاديّ المعرفة المتطورة، بدلاً من استنضاب المواد الخام. آنذاك يغدو التحدّي الحقيقيّ، في القدرة على تحويل المجتمع من جماعة تضمّ بعض العارفين إلى جماعة تخلق المعرفة وتنشرها وتوظفها بكفاءة، من أجل تحقيق تنمية مستدامة للإنسان إذن هو مجتمع يعتمد على المعرفة لا غير.

وأما العوامل المؤثرة على اكتساب المعرفة في المجتمعات فعديدة، منها العوامل التاريخية والثقافية لمجتمع ما. فالمجتمع العربي تتحكم فيه عوامل دينية ولغوية وحتى التشكيلة الاجتماعية، لذلك لابدّ من الانتباه إلى هذه العوامل وتحويلها من عوائق إنتاج للمعرفة إلى محفّزات. كما أنّ السياق التنظيميّ والمؤسساتيّ لنشر المعرفة وإنتاجها يعتبر من العوامل المحددة لإقامة مجتمع المعرفة، وكذلك فإن للسياق الإقليمي والعالمي أثراً كبيراً في إنتاج هذا المجتمع المنشود.

ونهاية نقول مع إدوارد سعيد: «الزمن الراهن هو ساحة المعركة والمعرفة سلاحنا»؛ فإمّا معرفة فتنمية مستدامة وإمّا فلا.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3706 - الإثنين 29 أكتوبر 2012م الموافق 13 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:45 م

      العوامل المتحكمة

      في مجتع المعرفة كثيرة
      لكن أهمها عدم إعلاء شأن المعرفة والعلم في المجتمعات العربية

    • زائر 8 | 3:48 م

      التنمية المستدامة

      مصطلح يحتاج بعض التوضيح
      وشكرا على هذه البادرة

    • زائر 7 | 11:18 م

      من الخصائص الجوهرية للمعرفة أنها تنمو بالاستعمال.

      لو يعلم قومي قيمة هذه الختصية لتقدمنا في سلم الحضارة أميالا وأميالا

    • زائر 6 | 4:05 م

      صدقت وأحسنت اختيار الشاهد

      الزمن الراهن هو ساحة المعركة والمعرفة سلاحنا

    • زائر 5 | 2:50 م

      أين نحن من مجتمع كهذا؟؟؟

      المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة، والحياة الخاصة، وصولاً لترقية الحالة الإنسانية باطراد أي إقامة التنمية الإنسانية

    • زائر 4 | 2:34 م

      نقص فضيع

      لعلّ من النواقص الجوهريّة التي أشار إليها تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 هو النقص في اكتساب المعرفة

    • زائر 3 | 2:40 ص

      مجتمع المعرفة

      كم يا ترى يلزم مجتمعنا العربي للتحول من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها
      أرجو أن لا يمتد ذلك إلى الألفية الرابعة

    • زائر 2 | 2:14 ص

      الزمن الراهن هو ساحة المعركة والمعرفة سلاحنا

      فعلا هو كضذلك مشكور استاد على الموضوع

    • زائر 1 | 2:04 ص

      شكرا مقال جميل

      «إنّ المعرفة هي معيار الرقيّ الإنسانيّ في الطور الحالي من تقدّم البشرية».
      عبارة مفيدة لذوي العقول البسيطة

اقرأ ايضاً