العدد 3722 - الأربعاء 14 نوفمبر 2012م الموافق 29 ذي الحجة 1433هـ

الضمير والذاكرة

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يتجه العالم اليوم لتوثيق وإحياء مواقع الضمير والذاكرة، وخاصة في البلدان التي عانت من ثورات أو حروب عالمية أو اهلية مخلفةً مآسي بشرية ومادية مدمرة نفسياً وفعلياً من خلال الائتلاف الدولي لمواقع الضمير والذاكرة، الذي يعمل بالتعاون مع شبكة من المهتمين للحفاظ على الموروث الانساني الذي تخلفه النكبات البشرية.

ترتكز الفكرة الاساسية على توثيق جميع الاحداث المرتبطة بحدث أو حادثة معينة، قصاصات الصحف، تصريحات المسئولين أو الاطراف المعنية، صور، افلام، وثائق، وشهادات حية لاشخاص عاصروا الحدث، اعترافات افراد شاركوا بإلحاق الضرر، بالاضافة لملفات الانتهاكات لحقوق الانسان وسجلات الشرطة وجميع الاخبار التي نشرت في وسائل الاعلام والمتعلقات الاخرى، هي محاولة لرسم الحدث لتدرك الاجيال القادمة اسباب وقوع كل ذاك الالم والموت والفواجع، وليصبح ذاك الارث الثقيل ذكرى ماثلة امام الاجيال لتمنع حدوثه مجدداً أو تكراره.

ان الفكرة تقتضي تحويل مواقع الالم كالسجون ومعاقل التعذيب والقتل أو المواقع التي وقعت بها حروب وقتل وموت الى مواقع للضمير والذاكرة، وتحويلها لمتاحف تضم جميع الذكريات السيئة بما فيها اثار الدماء التي خلفها التعذيب في بعض المواقع، ورسم تسلسل زمني ووجداني للاحداث التي وقعت في حيزٍ معين.

في بنغلاديش بدأوا بتحويل بعض المواقع التي قضى فيها الاف الاشخاص نحبهم اثناء حرب الانفصال عن باكستان الى مواقع للضمير والذاكرة، مطعمةً بالصور والاحداث، كما يعكفون الان على بناء متحف ضخم للضمير والذاكرة، يؤرخ للحرب التي راح ضحيتها ثلاثة ملايين مواطن خلال تسعة اشهر فقط، وفي المغرب تجربة مماثلة، تم على إثرها تحويل عدد من القصور التي كانت تبنى للمعيشة ثم ما تلبث ان تتحول لمعاقل للتعذيب والقتل، وقد استطاع النشطاء الحصول عليها وتحويلها لمواقع للضمير والذاكرة بكل ما تحويه من الم وعبرة.

العالم بحاجة للوقوف على اسباب تكون الضمير عبر ذاكرة حية ومحايدة، قادرة على رسم الاحداث كما وقعت أو قريباً من ذلك، وان تضمن بقوة الذكرى الملأى بالالم والتضحية ان تؤسس لاجيال تؤمن بالسلام كخيار اخر بعيداً عن العنف.

لقد عانى العالم حتى الان من الكثير من الالم وذاكرته مثخنة بالجراح، ومازال ينحدر قيمياً نحو العنف والقتل والدمار، ان المسئولية اليوم تتطلب تجنيب الاجيال القادمة نتائج صراعات الماضي وحمل بذور صراعات المستقبل، مسئوليتنا الاخلاقية ان نمنع انتاج الدمار عبر عجلة مستمرة في الدوران، وأن نؤسس لعالم يؤمن بحق الفرد في الحياة ولا يعتبره رقماً بين اعداد الجثث.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3722 - الأربعاء 14 نوفمبر 2012م الموافق 29 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:27 ص

      عدالة انتقالية

      ما احوجنا لمثل هذا الامر، فالذاكرة مثخنة بالجراح ومازال البعض ينحدر نحو العنف والاقصاء والتمييز واستباحة حقوق الانسان. الله يسمع ويرى.

اقرأ ايضاً