العدد 3730 - الخميس 22 نوفمبر 2012م الموافق 08 محرم 1434هـ

رحلة التغيير العربية... انتفاضات وحراكات وثورات

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

سيكتشف معظم الدول العربية أن التغيير السياسي لصالح الحريات والعدالة الإقتصادية والشراكة في الحياة السياسية مع الشعوب لن يكون ممكناً بلا حراكات شعبية وانتفاضات وثورات تتجاوز الممكن والمعقول.

وبينما كانت فرص الإصلاح متوافرة في دول الثورات قبل وقوعها، وما زالت متاحة في دول عربية لم تقع فيها الثورات، إلا أن الأوضاع العربية تؤكد لكل متابع وباحث مدى تردد النخب العربية في ممارسة الإصلاح. لقد دخل العالم العربي عصر الثورات والانتفاضات والحركات الشبابية والإضرابات بهدف تحقيق واقع دستوري جديد. في هذا لا يختلف العرب عن اللاتينيين في السبعينيات والأوروبيين الشرقيين في الثمانينيات والغرب في القرن التاسع عشر. فلا حرية بلا نزاع وصراع، ولا حقوق وعدالة بلا سعي. إن الرسالة التي ترسلها النخب القيادية في البلدان العربية للشعوب تزداد وضوحاً لأن لسان حالها: من أراد شيئاً فلينتزعه بقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبيده وميدانه.

في هذه المرحلة تبحث المجتمعات العربية عن رؤساء لا يسيطرون على كل السلطات، وتريد قادة يحترمون إفرازات الشارع ومجالس النواب المنتخبة والقضاء المستقل وحرية الاعلام، كما يختفون من الصورة ويستقيلون حينما تنتهي مددهم أو يطلب منهم الشارع ذلك.

المجتمعات العربية تريد مساواة حقيقية أمام سلطة قضاء تحترم مكانتها واستقلالها. ففي الحالة العربية الراهنة أصبحت الأوطان أمكنة للظلم والاستئثار. إن الظلم في البلدان العربية لا يجد من يوقفه إلا صدفةً، وذلك لأن امتهان الكرامة الانسانية تحوّل إلى مؤسسة وسلوك. وتمثل الثورات العربية في جانب منها ردة فعل على تهميش فئات واسعة من السكان ممن يزدادون وعياً بأنهم في دول لا شريعة لها سوى شريعة النفوذ والفساد.

وفي هذه الظروف المهمة لم تعد الناس في العالم العربي تسأل عن الخبز وحده أو عن رفع الأجور أو حل مشكلة الإسكان. ومن يعتقد أن الثورات العربية هي ثورات فقر فقد قرأ الواقع بالمقلوب، فالفقر والبطالة جزء من المشكلة.

فالثورات العربية ثورات كرامة تبحث عن أكثر من مجرد تحسين ظروف المعيشة وفتح مدرسة. فالهدية التي تقدّم للمواطن الآن ستؤخذ منه بطريقة أخرى عند أول منعطف، لأنها أساساً مأخوذة من المال العام. الواضح أن العرب سائرون نحو مزيد من التعبيرات الشعبية، وأن ما يقع اليوم يمثل بداية في سيل طويل سيمتد لسنوات.

ولهذا تكتسب مسألة الحرية في هذه المرحلة قيمةً مضافةً بصفتها تركز على حق الناس في الحياة الكريمة والعلم الجيد والعمل المنتج الهادف والمعرفة وحق الانتخاب والتمثيل وتحقيق الأحلام، كما أنها تركز على حق الناس في معاملةٍ إنسانية وتداولٍ على السلطة وحرياتٍ فكرية وسياسية.

كنا إلى الأمس القريب نتساءل: ماذا سيفعل العالم العربي أمام حقيقة أن 60 في المئة منه تحت الخامسة والعشرين؟ كنا نتساءل قبل سنوات عشر عن خطط العالم العربي في التعامل مع الطفرة الشبابية العربية التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ العرب؟ الواضح أن الدول العربية لم تخطط ولم تدرس ولم تفكر في المستقبل، بل استمرت باتباع ذات المناهج والأساليب التي استخدمتها منذ عقود عدة، إلى أن وقعت المفاجأة الكبرى في الثورة التونسية. والأوضح أن الأنظمة العربية التي ادعت معرفة شعوبها لم تكن تعرف شيئاً عن مجتمعاتها.

وما زال بعض العرب يعتقد بأن هناك مؤامرة أميركية، وأخرى قطرية، وثالثة كونية، ورابعة إسلامية، تحاك من أجل تثوير الجماهير وإخراجها إلى الشارع.

وبإمكان كل فرد أن يبني إستنتاجاته من جراء بعض الممارسات وبعض الوقائع، لكن نظرية المؤامرة لا تفسر عمق الثورات العربية وحجم الانفجار الشعبي في كل الزوايا والمناطق. ولا تفسر المؤامرة كيف انطلقت الثورات ابان أحلك المراحل الاقتصادية العالمية، وفي ظل أزمة أميركية اقتصادية وانسحاب الولايات المتحدة من العراق وخسائرها في أفغانستان وضعفها أمام إيران.

إن نظرية المؤامرة تمنعنا من رؤية مطالب شعوبنا وحالة التغيير التي تقع في قلب الجيل العربي الجديد، وهي بالطبع تمنعنا من تحصين أنفسنا (عبر الاصلاح) في الدول التي لم تقع فيها الثورات. لقد قامت الثورات بعد أن تراجعت الولايات المتحدة في العالم، وبعد أن سقط مشروع بوش ورايس للتغيير في الشرق الأوسط، وبعد أن فشلت تجربة تصدير الديمقراطية إلى كلٍّ من العراق وأفغانسان.

إن ما يقع في المجتمعات العربية هو فعل عربي نتج عن سلوكيات القيادات السياسية العربية طوال العقدين الماضيين، وهو أيضاً نتاج فساد الإدارة وإضعاف الطبقات الوسطى، وهو أيضاً نتاج التجربة العربية في الصراع مع إسرائيل.

نحن العرب مثل غيرنا نغضب ونثور ونضحّي، ولا نختلف عن بقية شعوب الأرض.

ومن دروس التاريخ أن الشعوب التي تكتشف لغة التمرد والحرية والكرامة لا تستطيع العودة إلى الماضي والقبول بأقل أحلامها. لهذا بالتحديد ستحتاج الشعوب العربية لمعادلات جديدة تضمن لها ما تريد قبل أن تتسامح وتحوّل طاقاتها نحو البناء.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3730 - الخميس 22 نوفمبر 2012م الموافق 08 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً