العدد 3744 - الخميس 06 ديسمبر 2012م الموافق 22 محرم 1434هـ

ربيع واحد وحالات مختلفة... مصر وسورية والكويت

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

منذ انطلاقة الثورات والحراكات السياسية والاجتماعية العربية تبين أن الربيع العربي يتكون من أكثر من تعبير، ففي أماكن وقعت ثورات وفي مجتمعات حركات إصلاحية جذرية. لقد مر ربيع العرب بمراحل، منها فترات هدوء ومنها فترات صخب. ربيع العرب تجربة في التغيير لم يعهد العرب مثلها.

في هذه المرحلة يعيش الجسم العربي المتنوع سلسلة تغيرات تقع جميعها في الزمن ذاته: إن العودة إلى الدكتاتورية ممكنة في بعض الحالات، لكن الأكثر دقةً أن الشعوب لن تهدأ بلا حقوقٍ سياسيةٍ وإنسانيةٍ كاملة، وفصلٍ مقنعٍ للسلطات، وديمقراطيةٍ تتجاوز شكلية صندوق الانتخابات.

إن مسحة سريعة على حالات مختلفة من الحراك العربي الكبير توضح مدى تنوع الوضع العربي. ويتضح أن مصر تواجه الآن أزمة شرعية كبيرة منذ الإعلان الدستوري. فقرارات الرئيس مرسي عززت مخاوف القوى المدنية المصرية من عودة الدكتاتورية ودفعتها للخروج إلى الشارع في ظل مشاهد تؤكد حيوية هذه القوى وإمكانية تطورها في المشهد الربيعي. ما وقع في مصر في الأيام الأخيرة تجديدٌ للثورة بكل المعاني، ما أدى إلى تثوير فئات جديدة من الشعب المصري بما فيها قواعد الحزب الوطني المنحل.

ويمكن القول إن المصريين ما كانوا ليمانعوا في قيام الرئيس مرسي بإقالة المدعي العام، لكنهم يمانعون تعيين المدعي العام الجديد من قبل الرئيس مفضلين بحزم أن يكون التعيين بالانتخاب من قبل القضاء المستقل. والمصريون يواجهون مأزقاً مع الدستور الذي أقر منذ أيام والذي حصنه الرئيس بإعلانه الدستوري المفاجئ. المصريون توقعوا أن يتضمن دستورهم الجديد صيغاً تحمي حقوق الإنسان وتقلص دور الجيش في الاقتصاد، وتوقف محاكمة الجيش للمدنيين، وتعطي المرأة مكانة. لقد شعرت الفئات المدنية والقبطية والحقوقية التي شاركت في الجمعية التأسيسية للدستور بالغربة وبأنهم يشهدون محاولة لفرض نموذج للإسلام فشل في كل دول المعمورة وأنتج دكتاتورية. هذا دفع هذه القوى للاستقالة من الجمعية التأسيسية، فمن أصل مئة عضو لم يتبقَ سوى 28 عضواً يوم إقرار الدستور.

ولا يمكن في هذه الفترة الحساسة تهدئة المصريين إلا عبر سحب الإعلان الدستوري والعودة إلى الجمعية التأسيسية بمشاركة جميع الأطراف. في ظل هذه الأوضاع تتراجع مكانة السلفيين والإخوان في مصر. هذا النزيف لن يتوقف بلا إعادة بناء توازن حقيقي يضمن مدنية الدولة والمشروع الوطني المصري في ظل توافق كل المكونات.

إن المجتمع المصري الثائر ليس ضد الإسلام، والمتظاهرون في شوارع القاهرة والإسكندرية منذ الإعلان الدستوري ليسوا ضد الإخوان، بل هم ضد الدكتاتورية. فمدنية الدولة وفصل السلطات والحريات في مصر جزء لا يتجزأ من نجاح الثورة.

وعلينا التنبه إلى أن التيار الإسلامي المصري لديه قواعد مدنية هي الأخرى جزء من الثورة. لهذا يجب ألا يكون هناك سعي لمعاملة القوى الإسلامية بعد انتهاء هذه المعركة بشأن مدنية الدولة كما حصل مع قواعد الحزب الوطني الديمقراطي بعد الثورة. إن التيار الإسلامي لن يختفي من الساحة، فهو جزء من النسيج المصري/ العربي وتطوره مدخل لتطوير مدنية الدولة في مصر. إن تراجع الرئيس مرسي هو المدخل لإيقاف المواجهات واستعادة الهدوء.

ومن جهة أخرى نجد أن سورية تمر بواحدةٍ من أصعب مراحل التغيير وذلك بسبب تحول الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة تشمل كل البلاد. لقد بدأت معركة دمشق الحاسمة. فقوى المعارضة السورية ممثلةً في الداخل بالحراك و «الجيش الحر»، وممثلة في الخارج بجبهتها الجديدة (الائتلاف الوطني السوري) تزداد تأثيراً. فالنظام يخوض معركة فاشلة مع ثورة تحيط به من كل مكان. وكما قلنا في السابق اختار الرئيس الأسد ومؤيدوه النموذج الليبي في القتال والدمار، لكن هذا الأسلوب العبثي يرتد على النظام. صراع سورية هو الأصعب بين كل ثورات الربيع العربي وذلك بسبب الخسائر، ونسب التدمير، وطول المدة. إن تقدم «الجيش الحر» في الأسابيع الأخيرة أعاد الأمل للسوريين بإمكانية تحقيق تغير أكبر في الشهور القليلة المقبلة.

وفي الكويت جرت في الأول من هذا الشهر الانتخابات الأكثر سخونة في تاريخها. الاختلاف الكويتي كما تطور في الأسابيع الماضية أنتج حراكاً شعبياً مقاطعاً للانتخابات وأنتج في الوقت نفسه أطرافاً مشاركة مثلت أقلية السكان. من جهتها أصرت السلطة التنفيذية على الصوت الواحد بينما رفضت المعارضة ذلك الصوت معتبرة إياه انسحاباً من الديمقراطية وإضعافاً لها وإقراراً لقانون انتخابات من قبل سلطة واحدة وليس من جميع السلطات.

وبينما أصرت الدولة على الانتخابات وفق قانون الصوت الواحد أصرت المعارضة على المقاطعة وهي مدعومة بالحراك الشبابي الواسع النطاق والشديد التأثير. لقد نتج من رفض الصوت الواحد والمقاطعة تظاهرات كبرى تخللت الأولى والثانية بعض المواجهات، بينما رخصت الحكومة للتظاهرة الثالثة. في التظاهرة السلمية الأولى بلغ عدد المتظاهرين أكثر من 80 ألفاً وفي الثالثة قبل الانتخابات بيوم خرج ما لا يقل عن 80 ألف متظاهر.

لقد عكست الانتخابات المزاج الشعبي الكويتي الأميل للمقاطعة. ومن جهة أخرى يجب عدم تخوين أحد في الكويت من بين الذين لم يصوّتوا (وهم الغالبية) أو الذين صوّتوا (الأقلية)، فكل منهم مارس حقه السياسي. لكن ما حصل من تصويت ومقاطعة خلق نقاشاً دستورياً عميقاً بشأن قانون الانتخابات وآفاق تعديله في مرحلة لاحقة. لقد قدمت عدة طعون قضائية في المحاكم من قبل شخصيات تراهن على استقلال القضاء وإمكانية أن يبطل نتائج الانتخابات. من جهته أكد الأمير الشيخ صباح الأحمد أنه سيقبل بنتيجة قرار المحكمة. وقد يكون هذا هو المخرج المرحلي الأقل كلفةً خلال عام 2013.

ويملك الجيل الشبابي الكويتي وعياً دستورياً وديمقراطياً لم يكن قائماً قبل عشرين عاماً. والأوضح الآن في الكويت أن السيطرة على الحراك الشبابي الممتد غير ممكنة بلا قيام السلطة التنفيذية بإصلاحات ديمقراطية جادة تبدأ أولاً بالاتفاق على قانون للانتخابات يحظى بإجماع شعبي. الكويتيون يسعون لتعميق ديمقراطيتهم وذلك لأن المجتمع ازداد تعلماً ومعرفة وحاجة للتمثيل السياسي. في هذه الأجواء تتعمق المطالبات بالحكومة الشعبية المنتخبة ولو بعد حين وبعد تجربة مع الأحزاب وتطوير الحياة السياسية.

ما يقع في الكويت يختلف عن ثورات الربيع العربي ويقترب من كونه يتشابه بدرجة من الدرجات مع الحراك الذي وقع في المغرب. ففي الكويت ولاء للمؤسسات الدستورية والأميرية وللنظام السياسي العام، وهناك حالةٌ من الرفاه الذي يختلف من فئةٍ إلى أخرى، وفي الوقت نفسه هناك ولاء ناشئ ومنتشر بين الكويتيين لمبدأ «الشعب مصدر السلطات».

بين هذه الأوضاع المختلفة في كل من مصر وسورية والكويت خيوط جامعة. في كل مكان هناك دور واضح للشباب، وهناك في كل مكان شباب ينتمي إلى تيارات مختلفة ورؤى متعددة تلتزم النهج الحقوقي والديمقراطي. الشباب والقوى السياسية المدنية بالتحديد تريد الشراكة ولم تعد تقبل بصنع القرار من دون مشاورتها واستفتائها والنظر إلى احتياجاتها. إنها تبحث عن مصادر جديدة للشرعية تتضمن الشعب أولاً.

أما التشابه الثاني فمرتبط بأثر السلطة التنفيذية وقراراتها على الناس وعلى ردود فعلهم وسلوكياتهم السياسية، وهذا يختلف عن الماضي اختلافاً كبيراً. ففي مكانٍ احتجاج على إعلان دستوري، وفي مكانٍ آخر احتجاج على تغيير طريقة التصويت، وفي ثالثٍ كما في سورية احتجاج على كل شيء وثورة بلا حدود.

والتشابه الثالث نجده في أثر أسلوب تعامل قوى الأمن مع الناس على سلمية الحراك أو عدم سلميته. إن تعامل قوى الأمن مع القوى المتجمعة في الشارع يؤثر في سلوك هذه القوى ومدى سلميتها وسقف توقعاتها وطروحاتها. فمثلاً رخصت الكويت لمسيرة «كرامة 3» ما عزّز الأجواء السلمية، أما في سورية فالأمر على النقيض ما أدى إلى تدمير البلاد. بين النموذجين هناك نماذج عدة.

ونكتشف في التشابه الرابع أن اعتقال المغرّدين والسياسيين لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة من قبل السلطات. ففي هذه الحالة بالتحديد يتحول المغرد إلى رمز سياسي في نظر مؤيديه. هذه الاعتقالات تنتشر عند التعدي على رموز الدولة أو عند المس بما يعرف بالخطوط الحمر. لكن مع كل اعتقال وتحقيق واتهام تنضم فئات وأفراد جدد في كل عائلة وجماعة للحراكات، ما يعمّق الأزمة ويزيدها اشتعالاً، ويزيد من عدد الذين يريدون تحدي الخطوط الحمر. لهذا نؤكد أن القمع ليس حلاً في التعامل مع مشكلات التعبير والحريات مهما كانت لغة التعبير. فعندما ينكسر الوعاء العام المتحكم بالسياسة تنكسر معه الخطوط الحمر.

هذا دليل على أن شيئاً أكبر قد تغيّر في المجتمع، وأن القمع والسجن ليسا الحل، بل إن الحل سنجده في مكان آخر مرتبط بالإصلاحات والتعامل مع المطالب الشعبية.

هذا يقودنا إلى التشابه الخامس. لقد انكسر الوعاء القديم الذي تحكم بتماسك المجتمعات العربية، لهذا تعيش هذه المجتمعات حالة انفلات مرشحة للارتفاع والانتشار. فبينما يتهشم وينهار الوعاء القديم الذي وحّدنا، لم نكتشف حتى الآن الإطار الجامع الجديد الذي يخلق اللحمة بيننا. المجتمعات العربية تبحث في هذه المرحلة عن الوعاء الجديد بينما تستمر الحراكات والاحتجاجات بصفتها التعبير الأهم عن هذا البحث.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3744 - الخميس 06 ديسمبر 2012م الموافق 22 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:24 م

      الى زائر 2

      أخي العزيز لا بد أن يكون لدينا بعد نظر ، نحترم وجهة نظرك وما تسميه نقص فى المقال إذ لم يتحدث الكاتب عن ثورة البحرين نوضح شيئآ مهمآ أنه لو أتى الكاتب على ذكر الثورة فى البحرين بشكل مباشر لمنع من الكتابة فى صحف البحرين ولكن اللبيب با الإشارة يفهم فلقد ذكر ثورة البحرين بطريق غير مباشر كما أنه قدم النصح فى كيفية معالجة الوضع ولكن ما من مجيب .

    • زائر 4 | 3:06 ص

      مملكة الصبر

      لك الله يا شعب البحرين والنصر من الله

    • زائر 3 | 2:50 ص

      للكاتب كلام محترم عن البحرين ولكن هنا لم يذكر لاسباب

      ردا على الأخ اقول للانصاف ان للكاتب كلمة حق في مقابلة اجريت معه عن البحرين وربما لم يذكر هنا وجهة نظره لاسباب معينة

    • زائر 2 | 1:09 ص

      مقال جميل ومفيد ولكنه ناقص. أليست البحرين دولة عربية

      مقال مفيد وتحليل به من الصحة الكثير ولكنه تجاهل وضع البحرين اصبح الموضوع ناقص.
      على العموم الذي حصل للشعوب العربية هو تطور طبيعي بسبب الظلم والقمع والكبت الحاصل لدى الشعوب العربية فكان لزاما وحتميا ان ينفجر الوضع بعد الاحتقان الكبير الذي كانت تمر به هذه الشعوب والذي بلغ مداه فلكل شعب طاقة تحمل من الكبت ينفجر عندها.
      وسنشهد المزيد من الانفجارات القادمة لأن الشعوب ترى ان ما قامت من اجله لم يتحقق

    • زائر 1 | 12:33 ص

      بس

      بس مصر وسوريا والكويت وينك عن البحرين يا استاد ولا أحنا من عالم آخر . عجبي يرون بعين واحدة فقط

اقرأ ايضاً