العدد 3748 - الإثنين 10 ديسمبر 2012م الموافق 26 محرم 1434هـ

استدامة التعليم... خيار أم أولوية؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لئن ظهر مصطلح الاستدامة بادئ الأمر في علم البيئة، فإنّه استطاع أن يسافر بين العلوم، ليغدوَ من أكثر المصطلحات استخداماً وارتباطاً بشتى المجالات. ولعلّ من أهم تلك المجالات التنمية؛ ليصبح الحديث عن التنمية المستدامة الخبز اليوميّ للمحللين الاقتصاديّين والسياسيّين، بل ويصبح من أهمّ عناصر البرامج الانتخابية للمتنافسين على الحكم في الدول المتقدّمة.

ولأنّ التنمية المستدامة لا يمكن أن تُحقّق أهدافها السامية إلاّ من خلال استدامة المتغيّرات والعوامل الفاعلة في هذه التنمية، ولأنّه قد تأكّد، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ التربية والتعليم هو المتغيّر الأهمّ في تحقيق هذه التنمية، فإنّ الحديث عن التعليم/ التعلّم أو التربية المستدامة صار من الأهمية بمكان، وتوضيح مفهومه من الضرورة في مثل هذا الحال.

لقد برز جليّاً هذا الدور المحوريّ للتربية والتعليم وخصوصاً بعد قمّة الأرض (ريو 1992)، ثمّ قمّة جوهانسبورغ بشأن التنمية المستدامة وغيرها إلى عقد الأمم المتحدة بشأن التعليم من أجل التنمية المستدامة 2005 - 2014، حيث برهنت كل هذه المبادرات على أن التعليم يعتبر المغيّر الأهمّ في تحقيق التنمية المستدامة، ولا تتحقّق غايات التنمية المستدامة في عالم متغيّر يشهد انفجاراً معرفياً وثورةً معلوماتية، إلاّ بتبنّي مفهوم التربية المستدامة أو استدامة التعليم والتعلّم. فلا يمكن أن تنجح برامج التنمية المستدامة في أطر تربويّة جامدة لأنّ ذلك يتعارض مع الطابع الديناميكيّ للتنمية المستدامة وأهدافها الكبرى.

وعليه فقد قال المدير العام لليونيسكو في كلمته الختامية لقمّة جوهانسبورغ بشأن التنمية المستدامة 2002 «نحن نؤكد أن التربية من أجل التنمية المستدامة ليست مرتبطة فقط بالتعليم المدرسي والتعليم النظاميّ، بل تمتدّ إلى أبعد من ذلك، إلى التعليم مدى الحياة والقدرة على التعليم من أجل الحياة، ومدى الحياة».

كما يزيد الفكرة توضيحاً الباحث عبد الله بوبطانة بقوله: «التربية المستدامة تعني التعليم والتدريب المستمرّ مدى الحياة الذي توفّره جميع المؤسسات المدرسيّة وغير المدرسيّة». وبذلك فإن استدامة التربية تجعل التعليم متجدداً بشكل دائم، لا من حيث الأساليب والأدوار فحسب، وإنما من حيث المحتوى أيضاً، فما يتعلّمه الفرد اليوم، لن يكون بالضرورة صالحاً ووظيفيّاً في المستقبل، فما بالك ببعض الدول العربية، التي لاتزال تعتمد محتويات تعليمية يعود زمن تأليفها إلى الربع الثالث من القرن العشرين.

إن استمراريّة التغيّر والتجديد في مجال التربية والتعليم من الأهمية بمكان، ذلك أنّه السبب الرئيسيّ للحفاظ على نشاط رأس المال البشريّ وتزويده بالخبرات المتجدّدة ودفع الجمود. لكن للأسف تواجه هذه الغايات عوائق متعددة لعلّ من أهمّها: رفض بعض الفاعلين في مجال التعليم، كالمعلّم نفسه، التجديد وحرصه الشديد على الاكتفاء بما تعلّمه ليعلّمه لمن بين يديه من الطلاب، ورفضه أن يخضع لعمليات تمهين، وإن حضرها ففي الأغلب الأعمّ عن مضض! فضلاً عن ذلك فإنّ من التحديّات أيضاً، عدم القدرة في بعض الدول العربية على توفير المقتضيات الضرورية للتربية المستدامة، وخصوصاً توسيع الاستثمار في استخدام تكنولوجيا المعلومات، وبالخصوص في الدول الفقيرة منها. لكنّ التحدّي الأكبر يتمثل في موقع التربية والتعليم في سُلّم أولويات التنمية والتخطيط في غالبية الدول العربية، واسأل عن الأرقام المخصّصة لموازنة البحث العلمي في هذه الدول مقارنةً بغيرها تجد الإجابة واضحة.

إن تبنّي العديد من الدول العربية للعقد العالمي للتربية من أجل التنمية المستدامة 2005 - 2014 يدعوها – ونحن على مشارف انتهاء فترة هذا العقد - إلى توفير التعليم والتدريب للجميع، ومدى الحياة، وتحسين نوعيته، إضافة إلى إعادة توجيه البرامج التربوية بما يتناسب مع التغيّرات سريعة الحدوث، وأخيراً - وليس آخراً - بناء الوعي والفهم الاجتماعي بشأن التنمية المستدامة، وذلك لن يتحقّق إلا بتوفّر الإرادة السياسية عند صانعي القرار، إضافة إلى اعتماد رؤى واستراتيجيات جديدة للتربية تعترف بأن التعليم ليس حكراً على المؤسّسة المدرسيّة، وتؤكد التكامل بين الخبرات التعليميّة المدرسية واللامدرسيّة، فضلاً عن اعتماد مناهج ومحتويات تعليمية تؤدي إلى زيادة الوعي بالتنمية المستدامة التي لا تتحقق إلا بتعليم مستدام فيكون بذلك أولويّة لا خياراً، إن لم نقل أولويّة الأولويّات.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3748 - الإثنين 10 ديسمبر 2012م الموافق 26 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:36 ص

      نعم أولوية

      استمرار التعليم والتعلم أولوية قد نادى به ديننا الحنيف منذ 14قرنا
      " خذوا العلم من المهد إلى اللحد
      وما جاءت به المنظمات المعاصرة تأكيد لما دعا غليه الإسلام

    • زائر 6 | 11:49 م

      أكييييييييييييييييد

      نؤكد أن التربية من أجل التنمية المستدامة ليست مرتبطة فقط بالتعليم المدرسي والتعليم النظاميّ، بل تمتدّ إلى أبعد من ذلك، إلى التعليم مدى الحياة والقدرة على التعليم من أجل الحياة، ومدى الحياة

    • زائر 5 | 3:35 م

      التعليم مدى الحياة

      هو شعار ترفعه الكثير من الدول العربية لكن لا نرى مبادرات كبيرة لذلك

    • زائر 4 | 3:21 م

      استدامة التعليم.

      أكيد ضرورة

    • زائر 3 | 9:45 ص

      ما العقد العالمي للتربية من أجل التنمية المستدامة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      إن تبنّي العديد من الدول العربية للعقد العالمي للتربية من أجل التنمية المستدامة 2005 - 2014 يدعوها – ون إلى توفير التعليم والتدريب للجميع، ومدى الحياة، وتحسين نوعيته...

    • زائر 2 | 10:22 م

      هو أولوية

      تعليم مستدام أولويّة لا خياراً، إن لم نقل أولويّة الأولويّات.

    • زائر 1 | 10:20 م

      فعلا هو ذاك:

      التعليم يعتبر المغيّر الأهمّ في تحقيق التنمية المستدامة، ولا تتحقّق غايات التنمية المستدامة في عالم متغيّر يشهد انفجاراً معرفياً وثورةً معلوماتية، إلاّ بتبنّي مفهوم التربية المستدامة أو استدامة التعليم والتعلّم.

اقرأ ايضاً