العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ

هؤلاء هم أهل البحرين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال له الوزير: «يا أخ أبو نزار، سيكون مستشفى النعيم تحت تصرفكم متى رغبتم في ذلك». يقول الكاتب لهذه السطور: «فودعته، وكأني عثرت على جائزة لم أكن أتوقعها، وبصورة آلية أخبرت مجموعة كبيرة من شباب منطقة النعيم وفي مقدمتهم أعضاء صندوق النعيم الخيري، ونادي النعيم الثقافي، على اعتبار أني رئيسهما الفخري، ففرحوا كثيراً واستلموا المبادرة بصورة عملية، ووجّهوا الدعوات إلى كل من يرغب في التبرع».

هذا جزء من كتاب «مذكرات وزير على ساحل الفشل»، يتناول جزءًا من القضية الإنسانية التي أشرت لها في المقال السابق «طوبى للتبرع بالدم». ومناسبة اللجوء إلى هذا المقطع الذي توّجنا به المدخل؛ هو ما أثاره المقال المذكور حول جهود أهالي البحرين لجمع كميات من دمائهم وإرسالها لإنقاذ حياة الآخرين من أي جنس ولون ودين وطائفة من خلال ما ابتدعوه في حملات التبرع الجماعي للدم في مواسم عاشوراء، بدل أن يراق على أرصفة الطرقات دون أن يستفيد منه أحد. ومن تلك الإثارات مكالمة هاتفية من صديق عزيز لفت انتباهي إلى أن حملات جمعية مدينة عيسي الخيرية ليست هي الأولى ولا الأخيرة في هذا السياق. مع أنني لم أتتبع في حثيثيات المقال تاريخ جهود أهالي البحرين في البدء بمشروع الحملات الجماعية للتبرع بالدم، ولم يكن هدفي ذاك بعينه، ولذا اقتصرت الحديث حول جهود حملة الإمام زين العابدين (ع) للتبرع بالدم في حدود مدينة عيسي فقط وبجهود الجمعية الخيرية. ولكن دفعتني ملاحظة الصديق إلى تتبع هذا الأمر وتسجيل تاريخ أولى المبادرات في هذا المجال إحقاقاً للحق وتوثيقاً لتاريخ عطاءات أهل البحرين التي لا تنضب من أجل وطنهم، ولذاكرة الزمن أيضاً.

ووجدت ضالتي حين قرأت كتاب الشاعر والباحث محمد حسن كمال الدين «مذكرات وزير على ساحل الفشل»، وحين توقفت عند هذا العنوان «مواسم التبرع بالدم»، وبه توثيق تاريخي لأول حملات التبرع الجماعي بالدم تنطلق من حي أو منطقة النعيم المعروفة بعطاءاتها في تاريخ البحرين البحري؛ إذ يقول المؤلف:

«كنت أطرح كثيراً من المبادرات غير المسبوقة في مجتمعنا، وواحدة منها أني توجهت في العام 1997 إلى الأخ د. فيصل رضي الموسوي وزير الصحة آنذاك، وبسبب معرفتي به، وتيقني من سعة رؤيته، ونأيه عن الذرائعية الفاسدة، فقد طرحت عليه فكرة التبرع الجماعي للدم في موسم عاشوراء من كل عام، ودون أي تردد بارك تلك المبادرة». وقال تلك العبارة التي افتتحنا بها صدر المقال.

ويذكر الكاتب أن أهالي حي النعيم «وجهوا الدعوات إلى كل من يرغب في التبرع بالدم بمناسبة استشهاد الإمام الحسين (ع). فتقاطر أبناء المنطقة على مستشفى النعيم في ليلة السابع من محرم الحرام لذاك العام، كما حضر وزير الصحة بنفسه افتتاح باكورة التبرع. وأعطى تعليماته للعاملين بالمستشفى بالتعاون معنا ومع المتبرعين والمتبرعات بالدم. وكانت المفاجأة أنه فقط في ليلتين كانت حصيلة التبرعات أكثر من 400 كيس دم لصالح بنك الدم».

ويضيف الكاتب: «وكم كانت فرحتنا عالية بنجاح تلك التجربة التي استمرت عندنا، وثم انتشرت في البحرين على نطاق واسع، ولم تقتصر على أيام عاشوراء فقط، بل درج المواطنون في كافة مناطق البحرين على التبرع في العشرين من صفر في يوم أربعينية الإمام الحسين (ع) أيضاً».

ومما أثلج صدر الكاتب، كما يذكر، تلك المكالمة الهاتفية التي تلقاها من الوزير شخصياً تشكره وتوضح أن معظم أكياس دم أهالي البحرين من منطقة النعيم بالذات وسواها ذهبت إلى بنوك الدم في الدول العربية المحتاجة لها، وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية. والأروع في تلك الحملة ونتيجة تحليل الدم للمتبرعين، تم اكتشاف أكثر من ستين حالة مرضية تم علاجها مباشرة بعد نهاية الحملة، ما ساعد في إنقاذ حياة أولئك المتبرعين أيضاً.

هكذا هم أهل البحرين دائماً وأبداً يخلقون من مواسم أفراحهم وأحزانهم نبع عطاء متدفق طوال العمر لمن حولهم، مهما حاولت أيدي التزوير أن تفعل، سواءً في النعيم أو في غيرها من القرى والمدن.

هم في عطاء متواصل لا يعرف التمييز بين ملة وأخرى. فماذا يستحق هذا الشعب العروبي المسلم في تدفق عطائه من دمائه الزكية؟ ألا يستحق حياة أفضل واحتراماً وكرامةً مصونة وتقديراً عالياً، بل وأوسمة عالمية على صبره وعمله الخير وعطائه اللا محدود؟ وكما ختم الكاتب كلامه عن تلك التجربة الإنسانية التي انبثقت من حي النعيم بقوله: «لا أعتقد أنها -أي مبادرة التبرع الجماعي بالدم- ستأخذ طريقها إلى الاندثار، لأن تمسك الناس بعمل الخير هي قضية إلهية لا يمكن قياسها بموازين مادية». وكفى بكم فخراً.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:39 ص

      صاحب فكرة التبرع بالدم في عاشوراء هو توفيق الرياش وليس كمال الدين

    • زائر 4 | 1:41 م

      جيد لاكن

      ليس الدم المهم المهم القلب الذي يحمل الدم ممكن حتي اليهودي يتبرع لفلسطيني لاكن ما يحمله القلب هذا المهم

    • زائر 2 | 1:44 ص

      هكذا علمنا الاسلام

      هكذا علمنا الحسين عليه السلام
      هكذا علمنا الاسلام
      هذه اخلاق اهل البحرين
      تجمعنا المحبة والالفة ومهما حاول المتربصون ان يفرقونا
      فنحن اهل واصدقاء

    • زائر 1 | 12:17 ص

      زيارة لبنك الدم ستعرف من يتبرع

      زيارة إلى بنك الدم ستعرف من المتبرعين المتطوعين الذين لا يتبعون تطوعهم بمنة ولا يطلبون ثمن لتطوعهم بان يوظفوا او يوظف أبنائهم علمهم أمام التضحية الامام الحسين ان يكون معطائيين دون مقابل من العباد

اقرأ ايضاً