العدد 3766 - الجمعة 28 ديسمبر 2012م الموافق 14 صفر 1434هـ

النسخة المصرية والنسخة التركية (2)

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أول تأثير عالمي للنسخة المصرية الإسلامية على الديمقراطية الحديثة كان صادماً، حتى وإن كان التقييم جاء من وجهة نظر أميركية غير محايدة، وذلك بوضع أول زعيم عربي منتخب بعد موسم الربيع العربي، ضمن قائمة أسوأ حكام العالم لعام 2012 والتي وضعت تصورها مجلة (Foreign Policy) الأميركية، ضمن تقريرها عن أفضل وأسوأ رؤساء العالم هذا العام، حيث اختارت المجلة عشرة رؤساء على مستوى العالم، وجاء في المركز الخامس والأخير من الخمسة الأسوأ؛ الرئيس المصري محمد مرسي.

ومع أن المجلة ذكرت أنه من المبكر الحكم علي الرئيس مرسي؛ ولكن الدستور الجديد يعزز حكمه، وخصوصاً أنه يضع بعض القيود على الصحافة والمعارضة.

وتعتقد الصحيفة بأن ما حدث أمام قصر الاتحادية من ضرب وخطف المعارضين ما هو إلا وسيلة ضغط منه حتى يتم إسكات المعارضة عن انتقاداتهم للدستور.

وقالت إن سياسة جماعة الإخوان المسلمين مازالت تتخبط لأنهم مازالوا مصدومين من الوصول المفاجئ للسلطة.

وربما هذا التخبط بدا جلياً في شكل متناقضات بين ما كان يؤمن ويدعو له الإخوان في عهدي السادات ومبارك، اللذين أظهرا في بداية حكمهما سياسة المصالحة والمهادنة مع الإخوان، وبين العصر الحالي. فأهم ما كان يميز موقف الإخوان آنذاك هو معارضتهم لحكم الرجلين لأنهما اعترفا وصالحا الكيان الصهيوني بسبب معاهدة «كامب ديفيد»، ولتعاملهما اللامحدود مع أميركا الداعم الأول للكيان الغاصب لأرض فلسطين. فأين الإخوان اليوم من هذا وقد قام الجيش المصري مؤخراً في سيناء بإحباط عملية تهريب صواريخ إلى غزة الفلسطينية عن طريق سيناء!

وقد تم توجيه اتهامات عديدة لجماعة الإخوان بعقد صفقة مع النظام الحاكم منذ وصول مرشحيهم للبرلمان المصري عام 2005، يتعايش من خلالها الحزب الوطني الحاكم مع الإخوان في ظل توافق الجانبين على اقتصاد السوق والعلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة، وعلى التهدئة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وهذا ما أيدته حينها تصريحات نائب المرشد العام التي قال فيها ان الإخوان لن يدخلوا في مواجهة مفتوحة مع النظام بمفردهم!

ثم جاء تأسيس الإخوان المسلمين في مصر لحزب الحرية والعدالة يونيو/ حزيران 2011 وانتخب مجلس شورى الجماعة محمد مرسي رئيساً للحزب، وعصام العريان نائباً له، ومحمد سعد الكتاتني أميناً عاماً، وكي لا تُتهم الجماعة بالطائفية فقد تم اختيار المفكر المسيحي رفيق حبيب نائباً لرئيس الحزب.

ليس هذا كل التناقض والتخبط في النسخة المصرية الحديثة للإسلام في شقه السياسي فحسب، بل قبل تسلم الإخوان للسلطة في مصر قال عصام العريان، أحد قادة الجماعة، وفي حال حكم الإخوان لمصر: «فإنه سيتم تعزيز الحريات العامة بمختلف أشكالها، وتحقيق أكبر قدر من التماسك والتضامن الاجتماعي وسيتم الحرص على تقوية الوحدة الوطنية ونزع فتيل التوترات الطبقية والحفاظ على المساواة الكاملة وتكافؤ الفرص بين الجميع على قاعدة المواطنة الكاملة والوقوف بكل قوة ضد ما وصفها بـ «الليبرالية المتوحشة»، وحماية الضعفاء اجتماعياً وخصوصاً المرأة والأقباط والأطفال وغيرهم، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون». إلا أن قادة الإخوان نسوا أنهم في عام 2010 رفضوا تولي المرأة والأقباط للرئاسة المصرية. كما أن وضع مصر الاجتماعي والسياسي اليوم، حتى في البيت الواحد، هو التفكك والتنازع وكثرة الآراء المتصارعة بسبب سياسة الإخوان في الحكم وفرض الدستور بالنسخة المصرية الحديثة للإسلام. وكذلك بسبب أن حزبي الإخوان والسلفي في مصر قد حازا على نحو 80 في المئة من مقاعد مجلس الشعب الذي أصبح له، بعد التعديل الأخير، سلطة تشريعية أقوى من الرئيس. فأين المساواة الكاملة وتكافؤ الفرص في أول مجلس شورى ثلثا أعضائه انتخبهم، كما ذكرت صحيفة «الصباح» المصرية، فقط 7 في المئة من الناخبين، وهناك ثلث معين من قبل الرئيس وهم 90 فرداً، أهمهم شيخ إحدى الطرق الدينية المتشددة، وذلك يأتي على طريق شعار «الإسلام هو الحل»، ولكن أي إسلام؟ في العام 2008 صدر في مصر كتاب لفاطمة سيد أحمد بعنوان «ماذا لو حكم الإخوان؟» توقعت فيه الكاتبة عزلة دولية لمصر في حال حكمها الإخوان المسلمون، لأنهم، وفقاً لرأي الكاتبة: «ليست لديهم رؤية إستراتيجية للعلاقات الخارجية ولذا سيكون هناك صعوبة في التعامل معهم بل ستصبح العزلة مصيرنا، كما أن الإخوان سيعملون على إقامة دولة دينية ستمارس التمييز ضد الأقليات الدينية الأخرى».

والسؤال: كم عدد الإخوان في مصر؟ هل هم كما ذكر المستشار السياسي للمرشد العام في أكتوبر/ تشرين الاول 2009، بشكل مبالغ فيه، ان عدد الإخوان في مصر وصل إلى 15 مليون إخواني، منهم 10 ملايين يسمون إخوان/ عاملين، والخمسة ملايين الآخرون مؤيدون لأفكار الجماعة. أو ما ذكره بتواضع المرشد العام الحالي، محمد بديع، حين أشار إلى أن العدد يفوق بكثير رقم 750 ألفاً، ولكنه رفض الإفصاح عن عدد أعضاء جماعة الإخوان الحقيقي عندما يكون هناك سجلات يُسمح بها.

وفي تقرير ذكرته «الشروق» المصرية في مايو/ ايار 2011 قالت ان مصدراً إخوانياً مطلعاً ذكر لها أن عدد المنتسبين للجماعة إلى 861 ألف عضو بين درجتي عامل ومنتظم، مشيراً إلى أن عدد أعضاء الجماعة بجميع درجاتها التنظيمية قد يصل إلى مليوني عضو في مصر حالياً. أما المعارضون للإخوان أو المنشقون عنهم، فيذكرون أن عدد الإخوان الحقيقي في مصر يتراوح بين 100,000 و500,000 شخص منتشرين في عموم مدن وقرى مصر، وخصوصاً في الأرياف بين أنصاف المتعلمين، مع أن قيادات الإخوان على مستوى عالٍ من التعليم.

أما في النسخة التركية، فكما في المصرية من ناحية انتشار المدارس الدينية الخاصة بالجماعة، فبسبب القبضة الحديد للعسكر التركي وفي ظل القضاء على جزء كبير من التيارات الصوفية في تركيا؛ أدّى التعليم الديني الرسمي، إلى ظهور كتل إسلامية حديثة بجلد ما سمي معاهد «إمام خطيب». وأضحت هذه المعاهد تلعب دور الخزّان الرئيسي للحركة الإسلامية التركية. ولذلك شهد التعليم الديني ازدهاراً وتنامياً عقب الانقلابات العسكرية، بهدف تطويق النزعات اليسارية المتنامية. ولكن بغباء من السلطات العسكرية الحاكمة منذ العام 1951 فقد دفعت بهذه المعاهد في أتون السياسة حين شجعتها ضمن مناهجها على محاربة كل من الشيوعية والإسلام المتشدّد، وهي النسخة الإسلامية التي تفضلها الأنظمة عموماً. وكذا كان نفس فكر السادات ومبارك في مصر حين شجّعا التيارات الإسلامية ضد اليساريين والليبراليين، والهدف هو كبح أي احتمال لصعود مدرسة إسلامية تروّج للجهاد كأداة نضالية.

ومن معاهد «إمام خطيب» تخرج عدد كبير من كوادر «العدالة والتمنية» التركي، على رأسهم رجب طيب أردوغان الذي درس في معهد إسطنبول.

وبتتبع للشريط الإسلامي الجديد بنسختيه التركية والمصرية نجده يمتد من تركيا إلى الأردن ثم مصر وليبيا وتونس حالياً، وهناك مساعٍ عنيفة لإدخال سورية ضمنه، ولا تختلف الجماعات الإسلامية في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا حتى الصومال عن هذا التوجه كثيراً.

والسؤال الأهم اليوم: لماذا ترفض المعارضة في الدول العربية الإسلامية أن يحكم الإخوان في أي بلد؟ وهل هناك تخوّفٌ من تصدير النسخ الإسلامية الحديثة لبقية بلدان المنطقة كما تخوّف العرب من تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية لهم؟ وكيف سيحكم الإسلاميون بلدانهم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3766 - الجمعة 28 ديسمبر 2012م الموافق 14 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً