العدد 3785 - الأربعاء 16 يناير 2013م الموافق 04 ربيع الاول 1434هـ

الحياد ليس موقفاً

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

قبل عامين بدأت الاحتجاجات في البحرين، أقصى ما كان يصعب تجاوزه، إن حدث، هو الشرخ بين مكونات المجتمع، وفي ذلك الوقت بدا هذا الأمر أكثر ما أقلق الكثيرين.

وفيما بدا معظم الناس من أبناء الطائفة التي لم يشارك غالبيتها في الحراك غير مهتمين للوقوف نداً لشركائهم في الوطن، أخذت جهات معينة تدابير ومواقف إعلامية واختلاق حوادث أمنية للتأكيد على أن الحراك طائفي، محاولةًً إثارة هلع ومخاوف المكوّن الآخر.

ولأن الخوف في أوله قد يخلق موقفاً إلا أنه سرعان ما يمضي، ليكتشف الشخص أنه تم استغلال خوفه وموقفه الآني لصالح الآخرين.

لم يعد الأمر يجدي مذ ذاك، هؤلاء جيراننا، إخوتنا، لدينا عائلات مختلطة، وزملاء بالعمل، وأعيدت كل الذكريات التي لم تحمل يوماً بينهم إلا الحب، ما عادت لهذه الجهات الموهومة بحب الفتنة أن تخلق المزيد، فجاءت جمعيات ومبادرات لمّ الشمل، التي يشكل معظم أفرادها خط حياد، لم ينكر الانتهاكات، ولم يسعَ لحق، بل إن بعضهم اتخذ مواقف معادية ضد مكوّن من الشعب.

إن الشرخ الذي يتحدث عنه هؤلاء لا يعدو كونه مخلوقاً إعلامياً خبيثاً، يراد به أن يقتنع العالم أن لا وجود هنا لمطالب حقة، وأن تختفي من الصورة القاتمة إعلامياً حكاية الانتهاكات بالجملة وحقوق الإنسان وأحقية الشعب في المطالب السياسية والإصلاحية في هذه الجزيرة.

أخذ هذه المبادرات بحسن نية يجب أن يخضع لتحليل عميق لمؤسسيه ومواقفهم السابقة ووجودهم الواقعي على خارطة الأحداث.

لا مكان للشروخ الطائفية في خارطة الواقع. إنها حكاية هزلية أخرى يريدون بها إقناع العالم أن كل ما أوجع الناس عامين، ليس سوى اختلاف ديني، في ظل تغييب مسئولية الدولة عن الجرائم التي حوصر بها مكون واحد من الشعب، واغتيلت بها مواطنيته.

أمام منزلنا جيران من الطائفة الأخرى، ويسارنا أيضاً، وفي دهاليز حياتنا أصدقاء جمعتنا بهم صداقة سنوات، وفي فضاء العالم الافتراضي أشخاص يختلفون ويتفقون بأدب رغم اختلاف الطائفة، وكل هؤلاء لم تغير الأحداث والقصص الوهمية من مواقفهم نحو شركائهم في الوطن وأخوتهم في الدين قيد أنملة.

لسنا بحاجة لمبادرات تجمعنا، نحن بحاجة لموقف رسمي يخرس هذه الأبواق التي تفتك بألفتنا وعيشنا المشترك بسلام منذ عقود. بحاجة للنزول إلى الواقع وكتابة الحقيقة كما هي. أن ننقل تلك القصص الرائعة عن مواقف إخوتنا التي كانت معنا ولم تكن ضدنا.

يوماً ما سنكتب التفاصيل الجميلة لتعايشنا بعد أن ملأنا آذاننا خذلاناً كاذباً. ويوماً ما سأحدثكم عن زوج إحدى قريباتي السني، الذي أدخلنا لغرفةٍ معاً كي يحمينا، وواجه وحده ثلاثين بندقية موجهة لصدره وفي بيته في فترة السلامة الوطنية.

هكذا نريد أن نبني ذاكرة الصفاء لا ذاكرة الشقاء التي يريد المأزمون أن نعيش في حلقتها إلى الأبد.

نريد أن نعبر معاً بإرادتنا لا بإرادة الآخرين، وأن يبادر بها من نثق بصدق نواياهم لا صمت مواقفهم. نريد وطناً أجمل يجمعنا معاً، يشبه الوطن الذي مضى من أجله عشرات المواطنين على حين قسوة.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3785 - الأربعاء 16 يناير 2013م الموافق 04 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:39 ص

      الجرح يندمل والشرخ يمكن لحمه ولكن متى يندمل الجرح ومتى تلحم الشروخ

      لا يندمل الجرح طالما ان هناك من يبغزه باصعبه ويدميه يوميا ولا يمكن للشرخ ان يلتحم طالما ان هناك من يحاول زيادة الشرخ.
      ذكرني كلامك بقصة حدثت ايام الطفولة وهو ان احد الاقران مرّ ببناء رطب فمد يده فسقطت احدى اللبنات فاعيد بناؤها في اليوم الثاني ولكنه عاد في طريقه فدفعها بيده فسقطت مرة اخرى وتكرر هذا العمل عدة ايام الى ان وجد صاحب المنزل حلا للمشكلة بوضع ماسك قوي يساعد في التحام البناء.
      هكذا الحال مع جراح الوطن قد تبرأ وقد تزداد وهذا يعتمد على ما يريد زيادة المرض والجرح

    • زائر 4 | 1:13 ص

      الوضع مؤلم

      بالأمس كنا أسرة واحدة واليوم لا يحضر أحدنا عرسا ولا خلفا للآخر.. اللهم انتقم ممن تسبب بهذه المأساة

    • زائر 3 | 12:16 ص

      كلام جميل

      كلام جميل جدا ولا يحتاج الى تعليق

    • زائر 2 | 10:19 م

      مقال يثلج الصدر

      صباح الخير لكل من يحب الخير لهذا الوطن و لكل الناس ... شكرا لكم

    • زائر 1 | 9:57 م

      استمرار الأزمة استمرار لمصالحهم

      الإعلام المرئي والمقروء وما أدراك ما الإعلام فهو من زرع الفتنة وهو من حاول إيجاد الشرخ بين المواطنين وهو من أهان الرياضيين وأهان الموظفين وحاكمهم علانية وهاهو الآن يطنطن على ورقة استهداف الأجانب والجاليات، فبركات التلفزيون الرسمي وبعض كتاب المدفوعين الأجر هم من يؤججون الشارع ويحثون السطلة على الاستمار في غيها لأنهم مستفيدون من استمرار الأزمة ومحاربة أي توجه للحوار والحل السياسي وجود واستمرار الأزمة استمرار لمصالحهم المادية فلا تستغربي إن طنطنوا على الوتر الطائفي وشق الوطن إلى نصفين.

اقرأ ايضاً