العدد 3790 - الإثنين 21 يناير 2013م الموافق 09 ربيع الاول 1434هـ

سنّة البحرين وشيعتها... من المستفيد من الخلاف؟!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

على رغم صغر مساحة البحرين وقلة عدد سكانها، فإنها تحظى بمجتمع متنوع الثقافة والمذاهب والأديان، وكان هذا التنوع من عوامل قوة هذا المجتمع وتماسكه وعراقته وثقافته. ولهذا لم يكن مستغرباً أن يكون مجتمع البحرين من أكثر مجتمعات الخليج اتصالاً بالثقافات العربية وتأثراً بها وتأثيراً عليها. وهذا أتاح لكل فئات المجتمع أن تتعايش بسلام ومحبة.

وكان أسلوب تعايش السنة والشيعة مضرب المثل في المنطقة العربية، وقد عرفت هذا عن قرب ولمست شواهد كثيرة منه، وكنت أردّد كثيراً: ليت سنة بلادي وشيعتها يتعلمون من جيرانهم جمال التسامح وعدالته، لكنني اليوم توقفت عن ترداد ما كنت أقوله؛ لأن الحال تغيَّر كثيراّ فبدأت أردد: يا الله سلم سلم!

وضع البحرين الحالي مؤسف كثيراً، وأتاح هذا الوضع لكثيرين لكي يتدخلوا فيما يجري من أحداث مؤسفة بين السنة والشيعة أحياناً، وبين الشيعة والدولة أحياناً أخرى. ويجب ألا نستغرب مثل هذا التدخل، فلكل دولة مصالحها في البحرين، والأحداث تغري أحياناً بالتدخل لأنها تسهل تحقيق الأهداف. وهنا لا يقع اللوم على الدول التي تفعل ذلك، بل على من أتاح لهم فرص التدخل في شئونه. ولهذا رأينا تدخل دول كبرى وبعض دول الجوار، بالإضافة إلى معظم الجمعيات الحقوقية في العالم. وهذا التدخل كما أرى، قد يكون بنيَّة حسنة وقد لا يكون كذلك، إذ قد يكون الهدف منه تحقيق مصالح الدولة المتدخلة، وإن كانت تغلف ذلك بنوايا تبدو حسنة في ظاهرها.

ملك البحرين - وفّقه الله - جاء بمشروع إصلاحي كبير منذ توليه مقاليد الحكم العام 1999، وقد وجد هذا المشروع صدى عظيماً في أوساط الشيعة الذين عبّروا عن سرورهم للملك وخصوصاً عندما كان يزور بعض مناطقهم، وعندما أمر بالإفراج عن كل الموقوفين وسمح للمعارضين بالعودة إلى وطنهم. وكان هذا بداية حقيقية لمشروعه الإصلاحي الذي تحدث عن صداه الكثيرون داخل البحرين وخارجها. وسارت الأيام والسنوات وبدأ المجتمع الشيعي بالتململ، فقد شعروا أن هناك تهميشاً لهم، وأنهم لا يتمتعون بكامل حقوقهم السياسية، وكانت قمة أزمتهم تجنيس الآلاف وإعطاء أولئك المجنسين وظائف ومنازل كان الأولى بها أبناء البلاد الأصليون. وقد تفاعلت هذه الأزمات وبدأت تنمو وتتعاظم حتى بدأت المظاهرات في ميدان اللؤلؤة وما تلا ذلك من أحداث مؤسفة يعرفها الجميع.

مرةً أخرى يتحدث الملك وولي عهده عن أهمية الإصلاح والحوار بين جميع أبناء المجتمع، ويؤكد الملك ضرورة عمل برنامج متكامل للإصلاح الديني والثقافي، ويؤكد تمسكه بالديمقراطية ومنهجه الإصلاحي، لكن رموز الشيعة لايزالون يقولون: إن الدولة لم تنفذ توصيات لجنة بسيوني مع أنها هي التي جاءت بها، وأنها لاتزال تسجن أعداداً من قياداتهم، وتهدم مساجدهم، وتهمّش عدداً كبيراً من مصالحهم.

تيار «الفاتح» دخل على الخط بقوة، وهذا التيار يرى أن الشيعة يبالغون كثيراً في مطالبهم، كما أنهم غير جادين في الإصلاح! فإذا أضفنا إلى هذا التيار الصراع الواضح في أجهزة الإعلام والاتهامات المتبادلة بين بعض رموز الطائفتين - السنة والشيعة - أدركنا حجم المشكلة وتعقُّدها، وأدركنا في الوقت نفسه أن بقاءها بهذه الصورة المحزنة ليس في مصلحة البحرين، حكومةً وشعباً بكل طوائفه!

الذي يزور البحرين يلاحظ أنها تغيّرت كثيراً عمّا كانت عليه قبْلاً، فالناس غير الناس، والاقتصاد تغيّر كثيراً عمّا كان عليه، فالكل متوجس لا يدري ماذا سيحصل غداً! وهذا الوضع ومنع الآخرين من التدخل هو مسئولية الدولة بالدرجة الأولى، وكذلك عقلاء البحرين جميعاً، وكلّما تأخر القيام بهذه المسئولية تعقدت الحلول وكثرت المشاكل.

ملك البحرين - وفقه الله - بيده أن يعيد مشروعه الإصلاحي وبقوة، ومن المصلحة الاستماع من عقلاء البلد ليزيل مواطن التوتر المتفق عليها وخصوصاً فيما يتعلق بإطلاق سراح المساجين الذين لم يثبت عليهم ارتكاب جرائم بحق مواطنين آخرين، وكذلك الابتعاد عن هدم المساجد حتى وإن كانت من دون تراخيص. وهذه المسائل يمكن التفرغ لحلها مستقبلاً بهدوء مع إيجاد البدائل المناسبة. ومن الأفضل إعادة النظر في قضية المجنسين وخصوصاً أن الكل يتفق على أن أهل البلد أحق منهم في الوظائف والمساكن والميزات الأخرى.

تبادل الاتهامات والتشدد في الأقوال والأفعال لن يخدم البحرين بكل طوائفها، والاتهام الجارح بضعف الولاءات الوطنية؛ ليس في مصلحة أحد، ولكن عندما تكون مصلحة البحرين هي هدف بحريني مهما تكن درجة مسئوليته ومكانته، عندها لن نجد تناحراً وتفرقةً بين أبناء البلد الواحد، وعندها ستعود البحرين كما كانت وأفضل مما كانت.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3790 - الإثنين 21 يناير 2013م الموافق 09 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 30 | 1:14 م

      مثال

      استاذ لو كانت المطالب مشروعة فلا يوجد مجنون سيقف في وجهها و لاكن طائفيتها هي التي أسقطتها و عرة من يقولون دمقراطية و دولة مدنية يا أستاذ كيف يستقيم ان يقول رجل دين معمم بدولة مدنية حتى و ان قالها رجل دين سني فلا يصدق

    • زائر 29 | 12:05 م

      أستاذنا الفاضل

      هناك طرف واحد من الطائفتين الكريمتين تسبب في هذا الشرخ و هذا الخلاف القائم اليوم بينهما. أستحلفك بالله، أبناء أي الطائفتين يقوم بغزوات و سطوات مسلحة على محلات يمتلكها أبناء الطائفة الأخرى؟ هل شاهدت أو سمعت أن أحداً من الطائفة الأخرى يقوم بالمثل؟ مشايخ أي الطائفتين و من فوق منابر رسول الله (ص) يسب و يلعن إخوانه في الدين والوطن ، و يصفهم بأبشع و أقبح الصفات؟ من منهما هدم مساجد الآخر و هي بيوت الله؟ من منهما أحل دم الآخر و أحل ماله و عرضه؟ أسئلة تحتاج منك إلى إجابات منصفة كاتبنا العزيز

    • زائر 28 | 10:59 ص

      تحليل غير صحيح مرة أخرى يا عزيزي

      ليس الخلاف بين السنة والشيعة يا أخي،الخلاف هو خلاف مصالح لا أكثر ولا أقل. فكل من له مصلحة يؤجج هذا الخلاف لينعم بالفتات. الوطن فوق الجميع ليس حكر على أي منهما. لتعلم يا أخي أن نهج فرق تسد لم يكن وليد السلطة اليوم وكنه ولد من وفاة الرسول الأعظم ....اصحوا يا نيام،مطالبكم هي مطالب وطن واحد للجميع وليس لفئة دون أخرى ...للعلم فقط.

    • زائر 26 | 6:50 ص

      لا تخف يا استاذ الهرفي

      البحرين ما زالت بخير ولله الحمد وأهلها بخير ولكننا ننتظر حدوث تغيير مهم وبعدها ترجع البحرين انموذجا يحتذى به.

    • زائر 25 | 5:58 ص

      لغة العواطف الممجوجة.. دائماً ما تخذل كاتبها

      من العار أن تستخدم السلطة اخواننا السلطة مطية لما تخطط له من طائفية.. طائفية لا مكان لها الا في النفوس السيئة.. يا استاذ محمد... تأتي الى البحرين كثيراً وتتاسف على ما جرى بين السنة والشيعة.. وكأنك لم تر رأس الشهيد أحمد فرجان، ولا رأيت اجساد الشبان المدهوسة بالمركبات الهائجة كهيجان الثيران.. ولم تسمع عن آلاف البيوت المنتهكة وآلاف المعتقلين الأبرياء وآلاف المفصولين وآلاف الأسر التي ظنوا انهم سيجوعونها.. ثم تتحدث بلغة العواطف.. ثق تماماً.. كل ما نكتبه مسجل علينا.. ثم من قال ان السلطة تحب السنة؟

    • زائر 27 زائر 25 | 9:32 ص

      أحسنت

      احسنت وأجدت ياأخي

    • زائر 24 | 5:32 ص

      الحيوانات

      للأسف هناك من يدعو في كل صلاة: اللهم أطل أزمتنا في البحرين الى يوم يبعثون.. انهم الحيوانات المتمصلحون الذين يعيشون على الفتات.

    • زائر 23 | 4:13 ص

      هي الاسباب التي ذكرتها

      نعم الاسباب التي ذكرتها هي السبب التي أدت إلى الثورة عندما ترى من الدولة تجلب .....من أقصاع الارض وتوظفهم وتخصص وزارة الاسكان ومشاريعها لهم والمواطن بلاوظيفة ولامسكن هل يجوز أن يتخرج أبنائنا ويبقوا في البيت بدون وظيفة ويصبحوا عالة على آبائهم الذين هم أصلا يعانون من ضعف الراتب والعوز وأخوانا ...الذين يعلمون بالحقائق تراهم يستميتون في الدفاع عن الظلم ويخونون إخوانهم في الوطن والدين سوف لن ننسى مواقفهم المخزية سنسامح ولكن لن ننسى فشكرا لك على قول الحق ايها الكاتب الشريف

    • زائر 22 | 3:28 ص

      انصفت

      الشيعة ليسوا وحدهم الذين يعانون من الحاجة فهناك سنة مثلهم ولو ان الفئتين وحدوا مطالبهم لاضطرت الدولة للاستجابة ولهذا يجب ان تكون المطالبات ليست فئوية وايضا لايكون هناك تعنت في المطالبات لكي تستجيب لها الدولة والاشياء تؤخذ تدريجيا

    • زائر 20 | 2:32 ص

      هذه الحقيقة

      جلالة الملك عندما زار منطقة سترة بداية الاصلاحات خرجت حشود غفيرة رغم الألم السابق لاستقباله بالورد وياسمين والمشموم وهتفوا كنا حمد فهل هؤلاء يريدون الحكم تحت ولاية الفقيه ، هؤلاء ينشدون العدالة والكرامة بأعطائهم حققوقهم كامواطنيين لا اكثر ولكن خاب أملهم من .....والتمييز ، وللاسف الاصلاحات استلمتها يد خبيثة واستغلتها استغلال عكس الاصلاح فمكنوا التيار المتشدد الطائفي في مفاصل الدولة عاثوا الفساد ....والتمييز والتهميش واشاعة الكذب والفبركات على الطائفة الاخرى حتى تُكره السطة عليها وهذا صار

    • زائر 18 | 1:54 ص

      استاذ,,,,,محمد,,,,,

      شكرا لك على هذا المقال الذي اقتربت فيه اليد من وضعها على جرح الوطن الأليم,,,,,
      و لكن لو تسمح لي بتوجيه سؤال مباشر لك اتمنى ان تجيب عليه بصراحة:-
      لو أعطية للشيعة حقوقهم و تم التعامل معهم على قدم المساواة مع اخوانهم و شركائهم في هذا الوطن ,,,,,
      هل ستكون النتيجة مرضية للمكون السني,,,,,ام ان هناك خوف و توجس من اي اصلاح حقيقي قد يطال البعض,,

    • زائر 17 | 1:37 ص

      تحليل سليم

      كلام في الصميم

    • زائر 16 | 1:28 ص

      أجيبك من المستفيد

      البلدان التي تربح من خلافات المسلمين
      المصانع التي تصنع السلاح وتبيعه خردة علينا
      البلاد التي تستنزف خيراتنا
      البلاد التي تختزن مليارات الاثرياء
      البلاد التي جعلت من اقتصاديات بلادنا وفاضها مصادر لحل مشاكل العطالة والبطالة لديها
      ولكن الأكثر من هذا وذلك الأنظمة التي لا تستمد شرعيتها من شعوبها

    • زائر 15 | 1:12 ص

      ماحدث ويحدث هو تنفيد لما جاء به تقرير...

      لقد لامست جزء من الحقيقة فى هذا الموضوع, فليس للمعارضة اى خلاف يذكر مع اهلنا أهل السنة فالمعارضة مكونة من السنة والشيعة, وأن الموالاة ايضا منها من الطائفة الشيعية الكريمة, ومن لعب على هذا الوتر الطائفى بامتياز هو النظام بكل الاشكال سواءا فى الاعلام أو فى الاعمال مرورا بطريقة التعامل فى الاجهزة الامنية والتى تكيل السب واللعنات للطائفة الشيعية الكريمة ورموزها وهدم دور العبادة لهم, ومن ثم تشكيل ما يسمى بتيار الفاتح (تيار النظام), ولتأكيد ذلك اكثر ارجع الى تقرير 2006 (ص ب ) وبالتأكيد أنك قراته

    • زائر 14 | 12:03 ص

      نتمني ذلك

      اخي الكريم لقد قرات لك مقالات سابقا كثيرا والكثير منها في راي فيها العديد من المغالطات من ناحية التحليل والاسباب ولكن هذا المقال فيه من الانصاف قليلا مع انه ساوي بين الضحية والجلاد عموما نرجوا منك الاكثارمن هذه المقالات التي فيها الدعوة للوحدة والاصلاح والمعذرة علي الانتقاد وارجوا ان تتقبلها بصدر رحب

    • زائر 9 | 11:34 م

      ابنتي لاتتجاوز العاشرة

      اخذتها لجولة على مساجد كانت هناك قبل مئات السنين واليوم اصبحت اثر بعد عين حتى يكون الجيل شاهد على فضائع لم نكن نتخيل ان تحدث هنا على ارض اوال

    • زائر 8 | 11:32 م

      المعارضه لاتقول ان مساجد هدمت وحسب

      المعارضة تأتي بالادلة ان هناك اكثر من ثلاثين مسجدا هدم وبعضها حرق وكان القرآن الكريم قد احرق ضمن المحروقات في المسجد كما حدث لمسجد الكويكبات !!!

    • زائر 7 | 11:04 م

      تيار الفاتح دخل على الخط كما اريد له

      ولو كان بقوة لاستمرت هذه القوة كما هو التيار الآخر .. إنه مولاة والمولاة في كل الدول اجندتها التصفيق للحكومة وحسب ..

    • زائر 6 | 11:01 م

      الاعلام

      ذكرت الاعلام في مقالك اين الرأي الآخر في اعلام الدولة بل واعلام.الخليج كله .. مما يخافون ؟!

    • زائر 5 | 11:00 م

      ألخطأ القاتل

      التدخل بالسلاح لذلك سيناريو التسعينات لا يجدي نفعا هذه الايام

    • زائر 4 | 10:58 م

      اخي الفاضل

      عندما يتشاجر جارك وأخيه هناك فرق كبير بين من يتدخل بالقول وتبني رأي من يراه مظلوما وبين من يدخل على جارك وفي يده معولا يريد به القضاء على الاخ الذي لاتربطه معه مصالح !!

    • زائر 3 | 10:45 م

      bahraini

      السلام عليكم ،،شكرا على هذا المقال الرائع ،،نعم البحرين بفئتيه الكريمتين ليسوا مستفيدين لا في الحاضر ولا في المستقبل من الازمه القائمه ،،،،ولكن المستفيدين كثيرون وهم يعرفون انفسهم جيدا ،،،،،شكرا

    • زائر 1 | 9:13 م

      الميدأ الاستعماري البريطاني العظيم

      استاذنا الكريم
      هناك مبدأ بريطاني استعماري هو : فرق تسد
      واعذرني لن استطيع التفصيل لان ( في فمي ماء )

اقرأ ايضاً